من أجل استدامة النّعمة وبيتها!

مراسل حيفا نت | 06/12/2015

حسين اغباريّة

أسبوعان فقط كانا فاصلًا زمنيّـًا بين جائزة وزارة الرّفاه الممنوحة لبيت النّعمة في حيفا، تقديرًا على نجاحه. حيث فشلت مؤسّسات أخرى في تأهيل السّجناء وضمان عودتهم إلى الحياة الاعتياديّة ضمن المجتمع، وبين رسالة رسميّة من الحكومة تقول بأنّها ـ الحكومة ـ لن تموّل تأهيل السّجناء ابتداءً من العام المقبل 2016! مفارقة حقيقيّة ـ يد تربّت على الكتف وتقدّر وتثمّن عاليًا عمل "بيت النّعمة" وإنجازاته، ويد تسحب البساط من تحت أرجل هذه المؤسّسة الرّائدة.

بدأت القصّة في العام 1982 عندما أسّس طيّب الذّكر المرحوم كميل شحادة النُزل في كنيسة "السيّدة" لتأهيل السّجناء ومساعدتهم على الانخراط في حياة مجتمعاتهم بعد قضاء محكوميّاتهم. أمّا نسبة النّجاح في هذا النُزل فبلغت 70% من الحالات. مئات السّجناء مرّوا في "بيت النّعمة" وتأهّلوا وعادوا إلى حياتهم العاديّة، بعيدًا عن عالم الجريمة والجنائيّات.

طاقم "بيت النّعمة" الّذي يقوده جمال شحادة (نجل المرحوم كميل المؤسّس) يؤكّد أنّ مثل هذه النّجاحات قليلة، وأنّ "بيت النّعمة" يقوم بوظيفة اجتماعيّة تربويّة من الدّرجة الأولى، وأنّ استمرار عمله هامّ للمجتمع وللسّجين العربيّ تحديدًا الّذي تعوزه الأطر الرّاعية. ومن هنا استغربوا للرّسالة الرّسميّة الّتي تعلمهم بوقف التّمويل الحكوميّ.

 إنّنا نشاطرهم هذا الاعتقاد ونؤكّد على أهميّة عمل "بيت النّعمة" وإنجازها في مجال اختصاصها. وهذا تحديدًا ينبغي أن يدفعنا جميعًا إلى العمل مع "بيت النّعمة" لأجل استدامة نعمته على مجموعة الهدف من سجناء يُرسلون للتّأهيل. بل نرى في عمله رسالةً تربويّة اجتماعيّة من الدّرجة الأولى، لأنّه يُنقذ النّفوس من الغرق في الجريمة والعودة إلى السّجون ويؤهّلهم من جديد لحياة عاديّة وللعمل والانخراط المتجدّد في دورة الحياة.

نشدّ على أيدي طاقم "بيت النّعمة" ونقف معه في نضاله من أجل استدامة نعمة هذا البيت وعطائه للمجتمع. ونهيب بمؤسّساتنا وشخصيّاتنا القياديّة والاجتماعيّة العمل مع "البيت" على ضمان التّمويل للسّنة المقبلة. سنُحسن صنعًا كمجتمع لو أنّنا منعنا إغلاق النُزل، خاصّة وأنّه يُقدّم للمجتمع خدمةً لا تقدّر بثمن.

 

إلى "الميدان" مرّة أخرى!

مرّة أخرى، يعود مسرح "الميدان" إلى العناوين. وهذه المرّة بسبب قرار بلديّة حيفا عدم السّماح لإدارة المسرح بتأجيره لمعهد إميل توما لغرض تنظيم مؤتمر لمناسبة مرور ثلاثين عامًا على رحيل د. إميل توما، أحد أبرز مؤرّخي القضيّة الفلسطينيّة. هكذا، ببساطة وبشكل تعسفيّ لا منطق فيه ولا مسوّغات تُمنع الإدارة من تأجير قاعة المسرح لغرض بحثيّ وللتّداول في قضيّة حيويّة موجودة دائمًا في عناوين الإعلام وعلى ألسن السّياسيّين والباحثين. ليس هناك أكثر من مثل هذا المؤتمر طبيعيّة للحالة الّتي نعيشها.

لن نقبل أيّ تبرير أو تسويغ يسوقه رئيس البلديّة أو أعوانه بيننا أو في البلديّة. فحريّ برئيس يتباهى بمدينة التّعايش أن يبذل جهدًا بسيطًا من أجل هذا التّعايش! لا يكفي أن نسمّي شارعًا أو دوّارًا باسم رمز عربيّ في حيفا، بل ينبغي أن يوظّف هو وبلديّته جهدًا فعليّـًا من أجل هذا التّعايش. وهل عقد مؤتمر عن القضيّة الفِلَسطينيّة كثير على مجتمعنا في حيفا وعامّة؟ هل تأجير قاعة لتداول قضيّتنا وشؤوننا كثير علينا؟

إنّ قرار رئيس البلديّة بمنع انعقاد المؤتمر في قاعة الميدان فيه من قمع حريّة الرّأي والاعتقاد السّياسيّ، وفيه أيضًا الكثير من التّجبّر والتعسّف. بل من شأنه أن يضع إدارة المسرح، والمسرح نفسه، رهينة مزاج سياسيّ لهذا الرّئيس أو تلك الوزيرة، الأمر الّذي يتناقض مع أبسط قواعد الدّيمقراطيّة وحريّة الرّأي والمعتقد.

كلّنا يُدرك على طريقته الخطر في خطوات كهذه ويستشعر هذا الخطر ومداه في المستقبل. وعليه فإنّ الردّ ينبغي أن يكون بما يتناسب. لا نقترح ردًا عينيّـًا بل نقترح أن يُصار إلى طاولة مستديرة للقيادات الحيفاويّة لا سيّما النّاشطة ثقافيّـًا لأجل وضع خطّة عمل تضمن للمسرح وإدارته حريّة في إدارة المسرح وموارده، بما فيه القاعتين. وهنا، لا أوافق الدّاعين إلى العزوف عن التمسّك بمسرح "الميدان"، والذّهاب إلى إقامة مسارح مستقلّة. أفهم مردّ هذه الدّعوة وملابساتها لكنّني على اعتقاد بأنّنا ينبغي أن نتعامل مع المسرح على أنّه لنا وأن نتمسّك به لأنّ تمويله من دافع الضّرائب ومن حقّنا أن ننعم بحقوقنا الثّقافيّة بحريّة. لا بدّ من النّضال ومن نفس طويل لأنّنا بصدد توجّهات حكوميّة ورسميّة يمينيّة وعنصريّة وإقصائيّة. وردّنا ينبغي أن يكون بما يتناسب وليس بإدارة ظهورنا.

 

ستيلّا في التّسعين!

ستّيلا أو كوكب أو ستّيلا "كوخاف" تسور، هي مناضلة عنيدة من أجل التّعايش في حيفا. وهي من النّساء اللّاتي يقفنَ كلّ يوم جمعة على دوّار البهائيّين ترفع الشّعار ضدّ الاحتلال ومن أجل السّلام. ستيلّا نجت من أفران الغاز في المحرقة النّازيّة ومن يومها، وهي تكرّس حياتها للسّلام والأخوّة والعيش المشترك على أساس إنسانيّ ومتساوٍ. وقد برز ذلك في الاحتفال الّذي أقامه لها أصدقاؤها، يوم السّبت الأخير، لمناسبة بلوغها التّسعين. فقد غنّوا لها أغنيّة العيد ـ سنة حلوة ـ بعشر لغات تمثّل ثقافات وخلفيّات الأصدقاء المِائة الّذين حضروا الاحتفال.

وأكثر من ذلك، فقد طلبت ستيلّا من الأصدقاء ألّا يُحضروا الهدايا بل المال. وفاجأتنا جميعًا حين أعلنت أنّ كلّ المبالغ الّتي حصلت عليها ستتبرّع بها من خلال جمعيّتنا ـ جمعيّة التّطوير ـ إلى عائلات حيفاويّة مستورة.

ستيلّا النّاشطة سياسيّـًا واجتماعيّـًا وثقافيّـًا هي قدوة للإنسان الطّموح الّذي انتصر على الموت والشّرّ بالابتسامة والحيويّة الإنسانيّة، وبالعلاقات النّموذجيّة مع مختلف الثّقافات والهويّات في حيفا. فهي لا تزال تعبّر بشتّى الأشكال عن حبّها للحياة وشغفها بها، وعن محبّتها للإنسان بوصفه إنسانًا وعن مناصرتها للسّلام ونبذها للعنف، لا سيّما النّاتج عن الاحتلال.

ستيلّا ابنة تسعين ربيعًا، ولا يبدو أنّها كلّت أو ملّت من صنع الخير الإنسانيّ ومن ترسيخ نموذجها في الحياة ـ طاقات إيجابيّة وابتسامات توزّعها بالتّساوي على الجميع. هي خرجت من رماد الأفران لتصنع للإنسان حياةً هي النّقيض، حياة هي الخير في أشكاله المتعدّدة.

تحيّة محبّة وتقدير لستيلّا، وأمنياتنا لها بالعمر المديد!

[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/202097247120150612100907"]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *