هل نجح الإضراب في حيفا؟

مراسل حيفا نت | 15/10/2015

رجا زعاترة

 

* إضراب المحلّات والعمّال والموظّفين لم يكن لينجح في حيفا، وإضراب المدارس فيه رسالة تربويّة لشبابنا: بأنّنا جزء من الألم والأمل الفلسطينيّ وبأنّ وسائلنا النّضاليّة هي وسائل مدنيّة * البعض عمّم بيانات تدعو النّاس إلى الإضراب وذهبوا إلى أعمالهم وأشغالهم في اليوم التّالي كالمعتاد. وهذا موقف أقلّ ما يُقال فيه إنّه ليس من المسؤوليّة والصدقيّة والوطنيّة في شيء! *

 

شهد يوم الثّلاثاء 13.10.2015 إضرابًا عامًا في القرى والمدن العربيّة أعلنته لجنة المتابعة العُليا، إحتجاجًا على تصعيد جرائم الاحتلال والمستوطنين في الأراضي المحتلّة عام 1967، وعلى تصعيد العنف والتّحريض العنصريّيْن ضدّ الجماهير العربيّة في البلاد. وقد اتّسم الإضراب عمومًا بالنّجاح، وشارك عشرات الألوف في مظاهرة سخنين الّتي كانت جبّارة ومنظّمة وعبّرت عن موقف جماهيرنا الوطني والسّياسي.

وفي مدينتنا حيفا عمّمت القوى الوطنيّة بيانًا مشتركًا دعت فيها الطّلّاب والأهالي والمعلّمين في المدارس العربيّة، الرّسميّة والأهليّة، إلى الالتزام بالإضراب. وقد نجح الإضراب فعلاً في المدارس. لكنّنا سمعنا وقرأنا انتقادات ومواقف، بعضها مُحقّ ومنطقيّ. فالبعض تساءَل: لماذا اقتصر الإضراب على المدارس فقط، ولم يشمل المحال التّجاريّة والعمّال والموظّفين أيضًا؟ وتساءَل آخرون: لماذا "إقحام" المدارس في الإضراب، خاصّةً بعد الإضراب الطّويل للمدارس الأهليّة؟ هذه تساؤلات مشروعة، سنحاول الإجابة عنها.

لقد اتّخذت لجنة المتابعة العليا قرار الإضراب يوم الأحد بعد الظّهر. أي أنّه كان لدينا – نحن الأحزاب والنّشطاء – أقلّ من 24 ساعة للتّشاور واتّخاذ قرار مشترك وموحّد حول نطاق وكيفيّة الإضراب في حيفا، لإعلانه وتعميمه صبيحة الاثنين. وبعد المشاورات والاتّصالات تمّ التّوافق على دعوة المدارس العربيّة في حيفا للالتزام بالإضراب. وجاء هذا التوجّه لأنّنا ندرك من جهة خاصّية مدينة حيفا وصعوبة تطبيق إضراب تجاريّ أيضًا دون تجهيز مسبّق، أو دون حدث مباشر وفوري يكون الإضراب بمثابة ردّة فعل عليه. ومن جهة أخرى ندرك أهميّة وحدة الصّف للمجتمع العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل، وخصوصًا جيل الشّباب الّذي يتعرّض لسياسة التّجهيل وتشويه الانتماء وبثّ العدميّة القوميّة وثقافة الاستهلاك ودسّ الفتنة الطّائفيّة. لذا كان الإضراب في المدارس رسالةً تربويّة أيضًا: أنّنا جزء من الألم والأمل الفلسطينيّ، وأنّ وسائلنا النّضاليّة هي وسائل مدنيّة مشروعة ومتعارف عليها في جميع أنحاء العالم.

وحسب قراءَتنا للوضع الرّاهن وجاهزيّة الشّارع، فإنّ الإضراب الشّامل لم يكن لينجح في حيفا في هذا الوقت القصير. وكان سيحوّل الأنظار عن القضيّة الأساسيّة إلى نقاشات جانبيّة، هي هامّة ولكنّها ليست الأهمّ في هذه الظّروف وفي هذا التّوقيت. لذا عملنا بمقولة "إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع"، واستغربنا من أنّ البعض عمّم بيانات تدعو المحلات والعمّال إلى الإضراب، وذهبوا إلى أعمالهم وأشغالهم في اليوم التّالي كالمعتاد. هذا موقف أقلّ ما يُقال فيه إنّه ليس من المسؤوليّة والصّدقيّة والوطنيّة في شيء.

أمّا بالنّسبة للنّقاش حول آليّة الإضراب نفسها، فقد طرقنا هذا الموضوع في السّابق. وفي اجتماع لجنة المتابعة يوم الأحد أبدى ممثّلو "الجبهة الديمقراطيّة للسّلام والمساواة" تحفّظهم من إعلان الإضراب الآن، إيمانًا بأنّ هذا سلاح يجب اختيار توقيته بدقّة وحنكة، وليس كمجرّد إسقاط واجب. ولكن كانت هناك عدّة أصوات طالبت بالإضراب، فتمّ اتّخاذ القرار بالإجماع من منطلق المسؤوليّة والحفاظ على وحدة الصّف في هذه اللّحظات الدّقيقة والحبلى بالمخاطر.

وليست حيفا بمنأى عن هذه المخاطر؛ فقد شهد حيّ "الألمانية"، مساء السّبت الماضي، مظاهرة عنصريّة شارك فيها أكثر من 200 ناشط فاشيّ، ردّدوا هتافات "الموت للعرب" تحت حماية الشّرطة الّتي لم تحرّك ساكنًا. ولم يأتِ ردّ البلديّة حازمًا بما فيه الكفاية ضدّ العنصريّة، بل تحدّث بلغة "المتطرّفين من الجانبين". وبدأت تصدر نداءات عنصريّة لمقاطعة الأحياء والمحلّات العربيّة. وفي حال استمرار التّصعيد الحاليّ في الأراضي المحتلّة، وفي القدس خصوصًا، فلن تكون حيفا في مأمنٍ من حوادث الاعتداء على العرب في الشّوارع أو طردهم من أعمالهم لأيّ سبب تافه، حقيقيّ أو مُفتعل.

نحن جزء من شعبنا الفلسطينيّ المظلوم والّذي يخوض نضالًا عادلًا، وفي نفس الوقت نحن جزء من المواطنين في إسرائيل. لسنا دعاة انغلاق وتعصّب، وفي نفس الوقت لسنا دعاة استسلام واستكانة. نحن دعاة العيش المشترك والمساواة التّامة والسّلام العادل، سلام الشّعوب بحقّ الشّعوب. ولن يكون هناك لا سلام ولا أمن ولا استقرار ولا رفاهية ولا عيش ولا تعايش بين الشّعبين الفلسطينيّ والإسرائيليّ، ما دام الاحتلال جاثمًا على صدور أبناء شعبنا في القدس والضّفّة وغزة، وما دام المستوطنون يعيثون بالأرض نهبًا وإرهابًا، وما دامت مقدّساتنا الإسلاميّة والمسيحيّة، وعلى رأسها المسجد الأقصى، عرضةً للتّدنيس ولانتهاك الحقّ في العبادة وفي السّيادة، وما دام دم الإنسان العربيّ مُباحًا ليس فقط لجنود الجيش ورجال الشّرطة، بل لكلّ من يحمل سلاحًا حسب التّوجيهات الّتي أطلقها مسؤولون ووزراء إسرائيليّون في وسائل الإعلام، ورأينا عواقبها الوخيمة في عمليّات إعدام ميدانيّة وفي اعتداءات عنصريّة وحشيّة على عمّال وعلى طلّاب ورجال ونساء عرب في مدن يهوديّة، ناهيك عن المضايقات والأجواء المتوتّرة في كلّ مكان.

إنّ سياسة حكومات إسرائيل العنصريّة والعدوانيّة، وعدم اعترافها بحقوق الشّعب الفلسطينيّ، هي الّتي أوصلتنا إلى هذه الهاوية الدّمويّة. والمخرج الوحيد هو كنس الإحتلال وقيام الدّولة الفلسطينيّة في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشّرقيّة، وهذا الحلّ هو الضّمان الوحيد للأمن الحقيقيّ للشّعبين. هذا هو موقفنا الّذي نقوله في وادي النّسناس وفي مركز الكرمل، في سخنين وفي تل أبيب. هذا هو الموقف الوطنيّ والدّيمقراطيّ المسؤول والكريم والعاقل والشّجاع، بعيدًا عن التّخاذل وبعيدًا عن المغامرات والصّبيانيّة.

سنواصل تعاوننا الصّادق مع جميع القوى الوطنيّة والدّيمقراطيّة في الشّارعين العربيّ واليهوديّ. ونتوخّى من الجميع أن يكون على قدر المسؤوليّة، حرصًا على حقوقنا وكرامتنا ومستقبل أبنائنا وبناتنا في هذا الوطن.

 

(*) الكاتب هو سكرتير الحزب الشّيوعيّ والجبهة الدّيمقراطيّة للسّلام والمساواة في حيفا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *