يومُ نكبتِكُم هو يومُ نكبتي – د. خالد تركي- حيفا

مراسل حيفا نت | 15/05/2009

 

 

يكثُرُ الحديث في هذه الأيام عن النّكبة وتداعيات النّكبة وأبعادها وتأثيرها الماضي والحاضر والمستقبلي على أبناء فلسطين العرب. ونسمع اختصارَ حرب اغتصاب فلسطين بشعار واحد "يوم استقلالهم هو يوم نكبتنا" أو العكس "يوم نكبتنا هو يوم استقلالهم".

لكنّني سمعْتُ هذا الأسبوع شعارًا آخر من شخصٍ يهوديّ كنتُ قد قُمْتُ بعيادة زوجته التي كانت تُعاني من مرض مُزمن، وقد كُنّا قد تحدّثنا في السّابق عن أمور عِدّة، اجتماعيّة وسياسيّة وبلديّة وتاريخيّة ومدنيّة، حيث أنّه يعرف تمامًا اتّجاهي وانتمائي السّياسي وتاريخ عائلتي حقّ معرفة.

لقد حدّثني عن عائلته التي عانت الأمرّين من فاشيّة ونازيّة هتلر وعسكره وعملائه في أوروبّا، حيثُ أنّها قدِمت إلى بلاد السّمن والعسل والعيش الرّغيد من رومانيا، مسقط رأسها، هربًا من الواقع المقيت هناك، مقتنِعًا أنّه أتى لوطن بلا شعب ليكون شعبَ هذا الوطن، وطني، في أواخر الأربعينات أو أوائل الخمسينات من القرن الماضي وقد كانت محطّتها الأولى حيفا وبقيت ساكِنةً فيها إلى يومنا هذا.

سكن وعائلته في منطقة وادي الصّليب أسوة بباقي المُهاجرين الفقراء من يهود العالم الذين قدِموا بلادنا قبل وبعد احتلالها موعودين بأرض الميعاد، بجنّة عدن.

حين قَدِم المدينة جُنِّدَ مباشرة للخدمة العسكريّة حيث كان معه في الفرقة جنود من أصلٍ بلغاريّ يسكنون مدينة يافا وقد أعلموه خلال حديثهم الطّويل أنّهم قاموا بطرد وقتل السّكان العرب من بيوتهم في يافا حيث قاموا بإسكان مهاجرين يهود مكانهم وسَعَوا إلى نقل أهل يافا العرب عبر البحار أو برًّا إلى البلدان العربيّة المُجاوِرة. قال لي: هذا شيء لم أعرِفْه حين كنتُ في مسقط رأسي رومانيا ومن

تلك اللحظة، التي أخبروني فيها الحقيقة، بدأت نكبتي.

عندما نضح بمرارته أمامي سألته إن كان قد فكّر أو يُفكّر بالرّجوع إلى بلاده، قال: كيف لي ذلك وقد قاموا بمصادرة جواز سفري الرّوماني منذ أن وطئت قدمايَ وطنكم ومنحوني جواز سفر إسرائيليّ ووُجِب عليّ تنفيذ كلّ القوانين الإسرائيلية المدنيّة منها والعسكريّة.

حدّثني أنّه حين عاد مرّةً إلى بيته في وادي الصّليب وجد والدَيْه جالِسيْن قرب الطّاولة يأكلان الخُبْزَ المُرطّب بالماء من شدّة العوز والفقر. فأعطى والدته مالاً دون علم والده، كان قد ناله من خدمته العسكريّة كمصروف جيب، حين كان يخرج من المُعسكر لعُطلة آخر الاسبوع أو لعُطلة العيد. وكم تكرّرت رؤيته لهذا المشهد المُذل لوالدَيْه والذي لم يره في رومانيا قطّ.

ذكر لي تلك الحادثة ونحن في غضون إحياء الذّكرى السّتّين لنكبة شعبنا مُعَقّبًا على أنّه لا يشعر بالاستقلال ما دام هناك شعبًا آخر يرزح تحت الاحتلال وما زالت إسرائيل تغتصب أراض غير أراضيها وتحكم شعبًا غير شعبها.

ولهذا يدفع شعبه فاتورة الحرب الباهظة الثّمن من أرواح وأموال وأمراض وأعصاب وانحراف اجتماعي..

لقد أنهى حديثه معي بقوله: أنّ يوم نكبتكم هو يوم نكبتي. ونحن منكوبون بنكبتكم.

تُرى كم من الإسرائيليين يفكّرون مثله، وكم نحتاج إلى مثل هذا الإنسان كمًّا وكيفًا حتّى يميل الميزان إلى كفّة السّلام والوئام وهدأة البال والطّمأنينة. 

تُرى كم من العقود ستمُرّ حتّى يفهم شعب اسرائيل المُختار هذه الحقيقة ويعمل بموجبها.

تُرى متى سيكون يوم استقلالهم يوم استقلالنا ويوم استقلالنا هو يوم استقلالنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *