مطانس فرح
صادفت أمس الخميس، ذكرى مرور ثلاثين عامًا على رحيل المناضل الشّيوعيّ والمؤرّخ الحيفاويّ، د. إميل توما. وُلد توما في مدينة حيفا في 16/3/1919 لعائلة حيفاويّة، وتوفّي في 27/8/1985 ليُدفن فيها. فرغم تطوافه بين المدن والقرى المختلفة وجولاته في دول عدّة، عشق حيفا، أحبّ شعبها وبحرها وكرملها، واعتبرها وطنًا آخر له، كما أحبّ وعمل لشعبه ووطنه الأكبر.
في أواخر عام 1939 انضمّ إميل توما إلى صفوف الحزب الشّيوعيّ الفِلَسطينيّ السّرّي حيث قام بالاشتراك مع رفيقَي دربه، توفيق طوبي وبولس فرح، بتأسيس نادي "شعاع الأمل" في حيفا، الّذي ما لبث أن تحوّل إلى مقرّ لعمّال شِركات الزّيوت وعمال المعسكرات في المدينة. كما ساهم إميل توما في تأسيس "اتّحاد نقابات وجمعيّات العمّال العرب"، الّذي أصبح لاحقًا النّواة لتأسيس "مؤتمر العمّال العرب".
وفي خُطوة رائدة، وبفضل جهود إميل توما ومشاركة رفيقَي دربه توفيق طوبي وإميل حبيبي وآخرين، أصدر "اتّحاد نقابات وجمعيّات العمّال العرب" العدد الأوّل من جريدة "الاتّحاد" الأسبوعيّة، حينذاك، في 14 أيّار 1944، حيث كان إميل توما صاحبها الرّسمي ومحرّرها المسؤول، ومنذ العام 1949 بدأ يعمل في هيئة تحرير الجريدة.
احتلّ إميل توما مكانًا بارزًا في الحركة الوطنيّة الفِلَسطينية، وفي نشاطه السّياسيّ والفكريّ المتعدّد الجوانب اكتسب احترام وتقدير الأوساط الدّيمقراطيّة والتّقدميّة الواسعة في البلاد والخارج. عمل دائمًا من أجل تقوية النّضال العربيّ – اليهوديّ، دفاعًا عن الجماهير العربيّة، ومن أجل المساواة.
كان توما من الوجوه البارزة في نشاطات ونضالات الجماهير العربيّة في البلاد.
ألّف إميل توما خمسة عشر كتابًا، وكتب مئات المقالات في الأدب والنّقد الأدبيّ والسّياسة والتّاريخ والحضارة. اهتمّ بالمدرسة الواقعيّة والنّظريّة الاشتراكيّة، ولم يولِ سائر المدارس الأدبيّة والنّقديّة أيّ اهتمام يُذكر، فدعا إلى أدب مُلتزم يرتقي إلى مستوى الأحداث وتحدّياتها. شدّد على ضرورة التزام الكاتب ووقوفه إلى جانب قضايا شعبه وهمومه، والإنسان بالمطلق، إلى جانب قوى الخير والحريّة والإنسانيّة، في كلّ مكان وزمان، مؤكّدًا العروة الوثقى بين الأدب والمجتمع من خلال تناوله لموضوعات عصره وقضاياه. فالأدب بمنظوره انعكاس لموقف الأديب الفكريّ من واقع الحياة في المجتمع.
قدّم د. إميل توما كمحرّر لصحيفة "الاتّحاد" ومجلّة "الجديد"، وكقائد شعبيّ عريق، إسهامات كبيرة في الدّفاع عن الهُويّة الفِلَسطينيّة والتمسّك بها، وعن الثّقافة العربيّة، في مرحلة حاولت فيها السّلطة الحاكمة طمس الهُويّة العربيّة والثّقافة العربيّة، ونشر العدميّة القوميّة.
كان إميل توما شخصيّة وطنيّة وشعبيّة بارزة، تمتّعت باحترام كبير بين الجماهير العربيّة وفي أوساط يهوديّة واسعة. كان أمميّـًا ابتعد عن التعصّب القوميّ وحاربه، وآمن من أعماق قلبه بأهميّة وحيويّة الأخوّة العربيّة – اليهوديّة الحقيقيّة، والنّضال المشترك للقوى الدّيمقراطيّة العربيّة واليهوديّة، وعمل دائمًا من أجل بناء هذه الوحدة النّضاليّة وتقويتها.
"لقد أحببت شعبي حبّـًاً ملك عليّ مشاعري، وآمنت بأخوّة الشّعوب إيمانًا عميقًا لا تحفّظ فيه!" – هذه هي الجملة الّتي حُفرت على شاهدة قبر الرّاحل د. إميل توما.
خيبتي كبيرة من معهد إميل توما للدّراسات الفِلَسطينيّة والإسرائيليّة، حامل اسم الرّاحل الكبير، لفشله وإخفاقه في هذا اليوم بالذّات، وعدم إحيائه ذكرى العام الثّلاثين على رحيل د. إميل توما؛ وعتبي الأكبر على الحزب الشّيوعيّ و"الرّفاق الكبار"..!