نص كلمة د.جوني منصور في أمسية ذكرى النكبة عقدها شباب التجمع في حيفا

مراسل حيفا نت | 14/05/2009

عقد شباب التجمع في حيفا امسية خاصة لمناسبة ذكرى مرور واحد وستين عاما على النكبة، والقيت كلمة د.جوني منصور في هذه المناسبة حول مفهوم ومعنى مصطلح النكبة وتطور الاحداث ذات الصلة بالموضوع عبر المراحل التاريخية المختلفة وقراءة للحالة العربية والاسرائيلية والفلسطينية والعالمية حاليا.

"واحد وستون عاما تفصلنا عن حدث النكبة الفلسطينية وما يزال شعبنا العظيم متمسك بحقه في العودة وحقوقه الأخرى المشروعة في العيش الكريم على ارض وطنه الغالي. لم ينسَ شعبنا تاريخه وماضيه مع مرور الزمن، ولن ينسى أبدا هذا الحدث الكارثي.

ثلاث ساعات تفصلني عن لقاء مؤثر لعائد إلى حيفا بعد واحد وستين عامًا من الاقتلاع والتهجير، إنه منير عمر شرقاوي ابن حيفا الذي لمس حجارة بيته في وادي الصليب بلهفة وشوق وحرارة ومرارة لم أشهد مثلها من قبل، مؤكدا أنه سيعود إن لم يكن هو فأولاده وأحفاده، لأن حق العودة ثابت وأساسي ولا رجعة عنه مطلقا.

من هذا اللقاء الزمني والمكاني والانساني نعيد في هذه الأمسية مسلسل حياتنا كفلسطينيين، إذ لا يستطيع أي فلسطيني في أي مكان من بقاع العالم أن يتنفس ويعيش ويحلم ويبني دون أن يكون حدث النكبة ملازما لمسيرة حياته، ومرافقا لخطواته شاء أم أبى.

كان المؤرخ والمفكر العربي قسطنطين زريق أول من أستعمل مصطلح النكبة لوصف أحداث 1948 وما جرى خلالها في كتابه "معنى النكبة" الذي صدر في شهر آب 1948 والعالم العربي يتخبط في آلامه ونكبته.

"النكبة" هو الاسم الذي يطلقه ويستعمله الفلسطينيون على اقتلاعهم وتهجيرهم من وطنهم الاصلي الذي لا وطن لهم غيره، وهدم معظم معالم حياتهم المادية والحضارية والاقتصادية في عام 1948. عام 1948 هو العام الذي طرد فيه الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه لصالح مشروع صهيوني استعماري توسعي وضعته بخطة محكمة الحركة لصهيونية بالتعاون مع أطراف استعمارية توسعية دولية.

وتشمل الأحداث التي جرت عام النكبة سلسلة من العمليات الإجرامية في عرف القانون الدولي الذي وضعه الغرب في الأساس. وفيما لو شكلنا قائمة هذه العمليات لتبين لنا أن الآلة العسكرية الصهيونية ثم الاسرائيلية عملت وما تزال تعمل على احتلال اراضي الفلسطينيين وطرد 750 ألف فلسطيني واقتلاعهم من اوطانهم وتحويلهم إلى لاجئين بعد أن كانوا أصحاب بيوت يعيشون فيها بهدوء واستقرار. كما تشمل الاحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب والسلب ضد الفلسطينيين وهذا ما تؤكده كميات هائلة من لوثائق في أرشيفهم أولا. وعملت الآلة العسكرية المجرمة على هدم ما يزيد عن 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية والحياة المدنية المتقدمة فيها وتحويلها الى يهودية. وكذلك طرد معظم القبائل العربية البدوية في النقب. ومصادرة الاراضي التي لم تتوقف إلى الآن، وهدم مئات المنازل في اللد والرملة والقدس وباقة والطيرة وتدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء العربية وتبديلها بأسماء اسرائيلية وتوراتية، وتدمير طبيعة بلادنا العربية الاصلية ذات العلاقة العميقة والحميمة مع عمق التاريخ وفجره، ومحاولة خلق مشهد اوروبي اسمنتي وبلاستيكي غربي وغريب عن جوهر ثقافة المشرق العربي. وتتابع آلة التدمير عملها نحو ادعاء ملكية الأطعمة والأشربة والأزياء والزخارف الفلسطينية والعربية.

هذه كلها مشاهد ما تزال قائمة الى هذه اللحظة منذ وقعت النكبة في عام 1948.

لهذا، ومن جراء ما يجري على ارض الواقع فإن سياسة حكومات اسرائيل المتعاقبة تسعى بكل عنف وقوة الى طمس الهوية القومية العربية التي أخذ أبناء شعبنا بالتمسك بها كعنصر اساسي من عناصر الوجود والبقاء والاستمرار بالاستناد الثابت على الماضي وما علمنا إياه التاريخ أن شعبا لا ماض له لن يكون له حاضر ولا مستقبل.

ورغم ما حصل من اقتلاع في عام النكبة والاعوام التي تلت إلا أننا نحن البقية الباقية من شعبنا الفلسطيني على أرضنا، أصبحنا شوكة في حلق المغتصب. واعتقد بن غوريون أحد ابرز آباء الصهيونية ومؤسس اسرائيل أنّ الكبار يموتون والاجيال الشابة تنسى. هل نسيتم أيها الشباب وطنكم؟ هل نسيتم تاريخكم؟ هل نسيتم أنكم من هذه الارض وإليها ستعودون؟

إن ذاكرة شعبنا قوية ومتجذرة في عمق التاريخ الفلسطيني منذ أن وطئت قدم أول انسان هذه الارض الطيبة.

نحن لسنا حالة طارئة ولسنا ضيوفا ولسنا غرباء قدموا من وراء البحر. نحن أبناء وسكان فلسطين الاصليين، عُمرُنا كعمر الارض وجذورنا عميقة كشجر الزيتون.

وتابع شعبنا نضاله من اجل بقائه محافظا على تقاليده وعاداته وارضه. وأثمن ما في الوجود انسان هذه الارض. وصراع بقائنا مع المؤسسة الاسرائيلية هو "الأرض". ومَرّ شعبنا بتجربة يوم الارض بفعل تمسكه بحقوقه ووجوده وانتماءه القومي، إذ أن الأرض أحد أهم عناصر التكوين القومي والوجود الفعلي. ولكن المؤسسة الاسرائيلية ماضية في غيها لاستلاب المزيد من الأرض واقتلاع المزيد من البيوت والعائلات والقرى سواء في داخل ما يسمونه الخط الاخضر أو في أراضي الضفة الغربية والقدس لإقامة المزيد من المستوطنات وتهويد الجليل والنقب والمثلث والضفة والجولان.

وقراءة الحالة السياسية الفلسطينية في مناسبة النكبة فإنها لا تُبشّر خيرًا بالمطلق، إذ أن ماكنة المؤامرة الامريكية ـ الاوروبية ـ والعربية وحتى من بين صفوف الطغمة الفلسطينية تسعى إلى تفتيت القضية الفلسطينية بواسطة تفعيل مزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية القائمة لتقديم مزيد من التنازلات وقبول الحلول التجزيئية حتى لا يبقى من ارض فلسطين للفلسطينيين ما يكفي لضمان حياتهم بعد سنوات قليلة.

وإن حالة التمزق الداخلية بين الفصائل الفلسطينية لا تبشر هي بالخير ايضًا بل تعمل لصالح أعداء فلسطين والشعب الفلسطيني، ولهذا ندعو التيارات السياسية والحزبية الفلسطينية الى وضع حد لمهزلة ما يسمى بالحوار، والاتفاق والتوافق هذه الليلة وقبل شروق شمس يوم الغد على وحدة الصف الفلسطيني من اجل الوقوف امام تحديات المستقبل وخباياه.

إن الحالة في اسرائيل والكل يعلم أنها تميل  نحو التطرف العرقي العنصري في الخطوط السياسية العامة للحكومة اليمينية الحالية التي تشكلت من احزاب وتيارات عنصرية تعلن عن كرهها للعرب والفلسطينيين جهارة وتطالب بفرض الولاء مقابل المواطنة وإلا فالترحيل. إننا كفلسطينيين ننبذ العنصرية البغيضة ونرفض املاءات عرقية تفرض علينا وسنعمل بكل ما لدينا من قوة وعزيمة من اجل دحر العنصريين.

إننا نمر في لحظات دقيقة وحساسة ذات صلة قوية بوجودنا في أرضنا ووطننا إزاء مطالبة نتنياهو وليفني من قبله باعتراف الفلسطينيين والعرب بيهودية اسرائيل. هذا ما أفرزته اتفاقيات اوسلو ومسلسلات اللقاءات العبثية التي لا فائدة من ورائها بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وسعي الاسرائيليين إلى فرض مخططهم المرسوم بأي ثمن .

إن المشهد العربي مؤلم ومحزن وسوداوي، والعجز العربي ظاهر في أبهى صوره امام الغطرسة الاسرائيلية ولكن حالة العرب لن تبقى على ما هي عليه من قمع على يد الأنظمة العربية الرجعية ومن ملاحقات ومضايقات وتشويه للحقائق. هذا ما يدفعنا الى مطالبة الأنظمة العربية إن أرادت خدمة شعوبها أن تباشر في وضع استراتيجية جادة وحاسمة في كل ما له علاقة بمشروع سلام مع اسرائيل. الثابت لنا منذ النكبة أن اسرائيل ترفض أي مشروع سلام، إنها تسعى إلى تفتيت العالم العربي بعد تفتيت القضية الفلسطينية ثم التوصل إلى تسويات مع كل دولة عربية على حدة. ثم الظهور في العالم بأنها دولة دمقراطية محبة للسلام والعدل، بينما تُظهر اسرائيل ان الدول العربية ترفض وجودها وكيانها.

قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر يزور في هذه الايام وطننا ونحن نرحب به وبزيارته ونرفض ان نكون في خانة المبتزين كالسياسيين والمتدينين الاسرائيليين الذين ارادوا ان ينطق بما يروق لهم. ولكننا نقول لقداسة البابا إننا شعب محب للسلام العادل، أننا شعب محب لأرضه ووطنه، إننا شعب مصلوب على خشبة منذ ستة عقود يتألم ويتأمل والعالم الحر والدمقراطي ينظر إلى المصلوب ولا يعمل على إنزاله، فالمسيح قد أُنزل عن خشبة الصليب بعد يومين.

إننا نطالب العالم اجمع الاعتراف بالنكبة بأنها كارثة ومصيبة كبيرة حلّت بالشعب الفلسطيني لحل قضية شعب آخر لسنا مسؤولين عما جرى له بالرغم من أننا نرفض ما جرى خلال الحرب العالمية الثانية من ذبح وقتل لليهود ولشعوب أخرى في اوروبا وخارجها على قاعدة عرقية كريهة وبغيضة.

نطالب إلى جانب الاعتراف بالنكبة بتقديم المجرمين الذين نفذوا وخططوا مجازر ضد شعبنا منذ عام 1948 وحتى اليوم إلى المحاكمة التاريخية والقانونية.

ونطالب بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية والجولان السوري والى رفع الحصار الظالم عن شعبنا في غزة والضفة، وإلى هدم جدار العزل العنصري.

ولهذا، فإننا نهيب بالجميع إلى دراسة تاريخنا الفلسطيني والتعرف على محطاته المركزية والاساسية، وعلى وجه الخصوص محطات ومراحل الصراع الاسرائيلي / الفلسطيني لنفهم تسلسل الأحداث وبالتالي ألا نبقى في أدراج التاريخ، إنما لنعمل من أجل التمسك بحقوقنا الوطنية والقومية والوجودية. وأن نعمل بالتالي من أجل المحافظة على مكوناتنا التاريخية والحضارية والانسانية مجتمعة بكافة تفاصيلها.

وأخيرا، فإن حدث النكبة ليس مسألة تخصُّ الماضي أو التاريخ، إنها جزء متفاعل مع حياتنا وصراع بقائنا ووجودنا واستمرارية هذا الوجود الذي نريده مؤسّسًا على قواعد احترام الذات والعيش الكريم والمساواة التامة والكاملة والمواطنة الكاملة غير المنقوصة وغير المشروطة والاستقلالية الثقافية والفكرية وإعادة بناء المؤسسات الوطنية الخدمية كي لا تبقى رهينة الماضي، ووضع استراتيجيات جديدة متفاعلة مع الحراك السياسي القطري والاقليمي والعالمي.

آمل، أن ننطلق من هذا اللقاء بالتماسك الوطني واللحمة القومية  إلى العمل على بناء الذات وتجديد روح الانتماء لما فيه خير لنا ولشعبنا ومستقبل ابنائنا".

 

د. جوني منصور- حيفا، 13 ايار 2009

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *