أعالج من خلال الشّعر طروحات فلسفيّة اجتماعيّة

مراسل حيفا نت | 15/06/2015

 

لقاء أجراه: حاتم جوعيّة

ولد الشّاعر أنور سابا عام 1947 في مدينة حيفا، وبعد التّهجير عاد إلى الجشّ (قرية الأجداد)، هناك بين جبالها ووديانها ومناظرها الخلّابة، حلّق في سمائها مع عصافير البيادر والحقول. ثمّ انتقل إلى عكّا حيث البحر والأسوار، الأزقّة وروائح التّوابل في أسواقها، ونشأت صداقات شبابيّة مع أبنائها لا تزال محفورة في الذّاكرة. بعدها انتقلت العائلة إلى حيفا والتحق بمعهد العلوم التّطبيقيّة ("تخنيون") وحصل على لقب مهندس، وعمل بعدها في هندسة البناء لسنين عدّة، كما عمل معلّمًا للرّياضيّات.

التقينا الشّاعر أنور سابا وسألناه عن كتاباته..

هواياتي قراءة الكتب الفلسفيّة النّاقدة، الرّوايات والشّعر. وأحبّ الرّسم وسماع الموسيقى الكلاسيكيّة. تذوّقت الأدب منذ نعومة أظافري واستمتعت بالكتابة والشّعر منذ حداثتي. عندما التحقت بمعهد العلوم التّطبيقيّة ("تخنيون")، انصرفت عن الأدب وخصّصت جُلّ وقتي للمواضيع العلميّة ولعملي كمهندس.قبل خمسة عشر عامًا عاودني الشّوق للأدب والقراءة، وعدت أستقي وأنمّي ملكة الشِّعر الّتي لازمتني منذ الطّفولة، فالتحقت بدورة لمؤسّسة "هيلكون" لكتابة الشّعر عام 2001. كنت أدرك الفترة الزمنيّة القصيرة المُتاحة لي، إذ بدأت الكتابة ولي من العمر خمسون عامًا، فتوجّب عليّ أن أبحث وأدرس الأدب، وأتعرّف على المدارسَ الشّعريّة بشكل مكثّف ومُركّز، وأتعرّف على الشّعر العالميّ الحديث، والتعمّق بنقد الحداثة عن طريق دراسات عديدة لشعراء ونقّاد وأدباء من الصّف الأوّل.

ما أهدافك الرّئيسة من الكتابة؟

الكتابة هاجس يعتري الإنسان ولا تستطيع الفكاك منه. يحاصرك ساعات اليوم كلّه ولا يستقرّ أو يهدأ إلّا بعد أن تأخذ القلم وتخطّ. فأنا أكتب لأفلت من هذا الهاجس، ثمّ أنشر ما كتبت لمن يهمّه الأدب والشِّعر. والهدف من تحرير تلك الطّاقة المخزونة في عقلي هو لأطلع الآخرين على فلسفتي الحياتيّة، وأشدّد على ما يهمّني، من المواضيع الاجتماعيّة الّتي نعاني منها، ناقدًا ما هو فينا. ولا يخفى أنّي أخصّص جزءًا من كتاباتي للمرأة وأثرها على الفكر والحضارة، وربطها بمحاور عدّة، كالأرض والسّماء والحريّة والعشق والبقاء.

هل هناك مواضيع وقضايا تتناولها بشكل مباشر؟

أعالج طروحات فلسفيّة اجتماعيّة عدّة؛ مثل تعريف الوطن، وخصوصًا في وقت ضاقت حدود الأوطان وقَيّدت حدوده ملكات العقل، أو كيف نعرف الوطن الإنسانيّ الأوسع الّذي لا حدود له أو جدران، وما هي الهُويّة؟ وهناك أيضًا القصائد الغزليّة الّتي أكتبها مفصّلًا كاملَ مُركبات جمال المرأة، لتصبح القصيدة وحدة متماسكة وامرأة تجول على الورق. كما أتطرّق للنّكبة من جانبها الإنسانيّ، وأثرها الحضاريّ والنّفسيّ على الأجيال الّتي عاشتها، أو تلك الّتي عانت من نتاجها. وأكتب ناقدًا وضع الشّرق الحاليّ، وعن الألم والمعاناة الإنسانيّة النّاتجة عن الحروب والثّورات، وما آلت إليه أوضاع الأطفال، النّساء والكهول، من الحرمان والجوع والبؤس والقتل والتّشرّد.

هل لكَ محاولاتٌ وتجارب أخرى غير الشِّعر، كالنّقد والقصّة؟

لم أطرق باب القصّة والنّقد؛ بل هناك تخطيط أوليّ لرواية لا أعلم إن كان سيولد منه شيء.

كم كتابًا أصدرتَ حتّى الآن؟

أصدرت حتّى الآن كتابين: الأوّل "عزف على خاصرة الكلمة"، والثّاني "فراشات على الورق". ومجموعة "عزف على خاصرة الكلمة"، إشارة إلى عزف الموسيقي على الكمان، وحين يكتب الشّاعر قصيدته يكون عزفه على خاصرة الكلمة فتصبح الكلمة لحنًا والقصيدة نغمًا. أمّا الفراشات فترمز إلى العاشق الّذي يفنى ويحترق في عشقه، وهذه من رموز الصّوفيّين، الانصهار الكامل في الذّات الإلهيّة. أمّا فراشاتي فتشير إلى ذوبان الكلمة بتعابيرها ومكوّناتها وجماليّاتها، وذوبانها كفكرة على الورق.

حسب رأيُكَ، أينَ بلغ أدبنا المحلِّيّ؟

يزخر أدبنا المحليّ بالنتاج القصصيّ والشّعريّ، على تنوّع مدارسه ومناهجه؛ فمنه ما هو رفيع المستوى، ومنه ما لا يستحقّ النّشر. وأشعر أحيانًا أنّ هناك إسهال أدبيّ لا حدّ له لكثرة ما يُنشر، ولسهولة الطّباعة، وكثرة التملّق. يشبه الأمر مذراة في بيادر تذري الحصاد فيسقط القمح على الأرض ذو الحبوب الصّالحة الّتي تترك أثرًا فاعلًا، والقشّ الّذي يتطاير في الهواء غبارًا لا أثر ولا أسف عليه.

ما رأيُكَ بمستوى النّقد المحليّ؟

ثمّة كثير من النّقاد، وقليل منهم يلجون أعماق السّطور وخفاياها، وهناك من يترفّع منهم عن النّصوص المطروحة، وذلك يعود ربّما لهشاشة العمل الأدبيّ المحليّ، أو عدم معرفتهم بالأدباء والشّعراء. أتمنّى أن يفتح النقّاد أبوابهم، وأن يشكّلوا اتّحاد نقّاد، ويضعوا المعايير والموازين اللّازمة الّتي يتطرّقون بموجبها لدواوين الشّعراء والمواضيع الأدبيّة الأخرى.

بعدَ رحيل الكبار، أمثال: محمود درويش وسميح القاسم وجمال قعوار وغيرهم، هل هنالك من الشّعراء مَن سيملأ مكانهم؟

غياب شخص ما، أديب أو شاعر من هذه القامات، قد يترك فراغًا مؤقتًا؛ ولكن الزّمن والتّجربة كفيلان بأن يُشار إلى من يأتي بعدهم ويضع بصماته الهامّة وتسجّل أعماله بإصبع من نور. وكلّ جيل وله رجاله.

ما هي النّدوات والمِهرجانات الأدبيّة والثّقافيّة الّتي شاركتَ فيها؟

شاركت في كثير من النّدوات والمِهرجانات، وخاصّة المحليّة. أذكر على سبيل المثال: ندوات شعريّة في مبنى مسرح "السّرايا" بيافا لشعراء يهود وعرب، مِهرجان القدس الشّعري، مِهرجان الشّعر في المطّلة، مِهرجانات شعريّة لمؤسّسة محمود درويش الإبداعيّة، مِهرجانات شعريّة عالميّة في قرية المغار "مِهرجان نَيْسان الدوليّ" .

من هم الشُّعراءُ والأدباء الّذين تأثّرتَ بهم؟

تأثّرت بمشواري بكثير من الشّعراء والأدباء منهم نزار قبّاني، محمود درويش وسميح القاسم اللّذين صاغا الهُويّة الشّعريّة لكثيرين، ومن الشّاعر الأردنيّ أمجد ناصر الّذي تفوح من قصائده رائحة البداوة الأصيلة، أدونيس لتنظيره وتفكيكه للأفكار والحدث الشّعريّ السّياسيّ الدّينيّ، بدر شاكر السّيّاب وحنينه لجيكور وشبح الموت الّذي يلاحقه، الشّاعر طه محمّد علي وقصائده المبسّطة وكأنّها بكر الشّعر. تأثّرت أيضًا بجبران، محمّد الماغوط، أحلام مستغانمي وغيرهم، كثير من الأدباء العالميّين.أمّا الكتب الفلسفيّة النّاقدة فأذكر منها: جلجامش، الدّين والأيديولوجيا، مدخل إلى التّنوير الأوروبيّ، أساطير الإغريق، الرّهبنة والتّصوّف وسواها. هذه الكتب تفتح قنوات تترابط معًا، حاملة محصّلة الآخرين إليك، لتُغني ذهنك وفكرك وترفعك إلى الفكر العالميّ، فتطلّ عليه من مقعدك في صالتك.

الشّعر من الشّعور، فكيف يكونُ شعورُكَ الدّاخلي بعد كتابةِ القصيدة؟

كتابة القصيدة هي عمليّة ولادة، فهناك أوّلًا الإخصاب، ويحدث هذا من رؤيا أو حدث أو فكرة أو صورة، بعدها يبدأ التّكاثر والكتابة الأوّليّة، إلى أن يحين وقت الولادة، فيزداد المخاض والألم والحيرة والتوقّع والتّغيير والمراجعة، وانتقاء المصطلحات والبحث عمّا هو أفضل. وتنهكني الكتابة وتؤرقني إلى أن تكتمل القصيدة وتخرج للمتلقّي فتصبح مُلكه.

أين نشرتَ كتاباتك وقصائدك، هل في المجموعات الشّعريّة فقط؟

نشرت قصائدي الأولى في الصّحف المحليّة، ثمّ نشرت أيضًا في مجلّات "هيلكون" الشّعريّة الّتي ينشر فيها شعراء يهود وعرب أعمالهم الأدبيّة. ولم تبخل عليّ وسائل الإعلام بالمقابلات واللّقاءات الإذاعيّة منها والتّلفزيونيّة، العبريّة والعربيّة. حتّى صحيفة "هآرتس" نشرت لي قصيدة بعُنوان "زوابع من الشّمال".

نحنُ الآن في عصر العولمة والـ"إنترنِت"، هل ترى أنَّ الـ"إنترنِت" والحاسوب أصبح يحتلّ معظم الوقت، ويُبعد القارئ عن الكتاب أو المجلّة؟

صحيح أنّي أطالع بعض المقالات والإصدارات على الـ"إنترنِت"، لكنّني أفضّل الكتاب والصّحافة الورقيّة. لأنّك تشارك كلّ حواسك في قراءَتها فأنت تراها وتلمسها، حتّى أنّك تشمّها. ويمكنك الرّجوع إلى ما يلفت نظرك، والتّأشير على ما يهمّك، وتلخيص الموادّ على صفحات الكتاب. نعم هناك نصيب قويّ للصّحافة والأدب على شاشة الحاسوب، لكن ستبقى باعتقادي الصّحافة والكتب الورقيّة مهمّة ورائدة، وخصوصًا الكتب الأدبيّة.

كلمة أخيرة تحبّ أن تقولها في نهايةِ اللّقاء، عبر صحيفة "حيفا"..

أوجّه كلمتي لكلّ فرد في مجتمعنا، وخصوصًا لشبابنا، وأقول: حافظوا على اللّغة وجمالها، اقرأوها وتمتّعوا بأدبها وشعرها، لا تبحثوا عن الطّرق السّهلة للتّعبير، فأنتم تملكون لغةً ثريّة، وملكات غير محدودة الجمال، غوصوا في بحورها واجمعوا لؤلؤها وحافظوا على لسانكم ولغّتكم الجميلة للأجيال القادمة بعدكم.

شكرًا جزيلًا..

أهلًا وسهلًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *