مطانس فرح

غصّت قاعة كنيسة مار يوحنّا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، مساء السّبت الأخير، بالمئات من الأهل والأصدقاء والمعارف والمدعوّين، وعدد كبير من طاقم مدرسة "راهبات النّاصرة"، ومتذوّقي الأدب والإبداع والفنّ، الّذين حضروا خصّيصًا لمشاركة الكاتبة الحيفاويّة الواعدة الموهوبة، المتميّزة والمتفوّقة في دراستها، طالبة الصّف العاشر في مدرسة "راهبات النّاصرة"، دُنيا خوري، ولادة باكورة أعمالها "همس الملائكة" تزامنًا مع عيد ميلادها السّادس عشر.  ولحضور معرِضَ رسومات الفنّانة التّشكيليّة المُبدعة إليان صالح – مارون.تولّت عرافة هذه الأمسيّة الإبداعيّة، الشّاعرة سماهر نجّار، الّتي أمتعت الحضور بسلاسة أسلوبها وتقديمها المميّز، وتمكّنها من اللّغة العربيّة.  فبعد التّرحاب، استهلّت الأمسيّة بالقول: "اليوم عَرفتُ أنّ السّماء تُمطر رقصًا غجريّـًا، وتحترف كتابة العيش كحبّات البُنّ. في كلّ ليلة قرأت كتابَ دُنيا أدركت وقع صدور العاشقين على أرصفة موانئ الأمل، الصّلاة والخشوع."عندما تقرأ دُنيا تدرك في لحظة أنّك أمام كاتبة تتأمّل الحياة، تنظرها.. تنقلها من حيّز إلى آخر،  تستفيضك روحها المتعلّقة على سجلّات حواسّ لا يألفها إلّا مَن خاطبت نفسه "غِيا"؛ غِيا تلك الطّفلة الّتي تعبق برائحة اليُتم لتأخذها دُنيا إلى الكلمات باستعارات تُعيد إليها الحياة كلّ مرة.. غيا الأمل والاستمرار.

"دُنيا تملك من الاستفاضة مَلكة الإصغاء إلى رنين أوتار عود له نوتات من الرّقة وبحور من العمق، لوحات من الحبّ و أيقونات من الإيمان. دُنيا تهمس إلى أبعد من صدى الوديان وتخاطب ألم الإنسانيّة وتُحلّق كالصّقور فوق المسلّمات وتتوق حالمةً إلى وهم حقيقيّ."كلمات دُنيانا تشهق بأنوثة غضّة تعبث لتطال أمواج المستحيل، وتتعثّر في جَوى الهوى (شدّة العشق وما يورثه من حزن – م.ف.).. تتناغم، تتهادى وتتراقص مع مكنونات قلبها حتّى تجتاح مساحات مشاعر وتنتصب كسنديان تاريخيّ العصور."من نصّ إلى آخر دنيا لا تغفل أن تسأل الحياة وتعبق من معلّميها في الشّعر  أو  الأدب أو الكتاب، طريق علم وعنفوان تجعلها ثابتة… فكيف لا؟ وهي تقرأ جبران والمتنبّي وتخاطب أفلاطون وسقراط.."فلسفة حياتيّة هي كاتبتنا، لا يُستهان بها، إن رأيتها تعدّ الرحيل إلى عالم أكبر وأكبر وتختلط عليك الأمور، لتتركك تفكّر وتفكّر وتستهويك الحيرة وأنت تقرأها، فهل هي الطّفلة الصّغيرة أم الكاتبة؟… إنّ العظماء طريقهم من فرح الحياة بهم، ومن إبداع زهر السّندس، ومن احتراق الأمس وهدايا الغد."وكانت الكلمة الأولى، بعد التقديم، للأرشمندريت أغابيوس أبي سعدى (كاهن رعيّة الرّوم الكاثوليك في حيفا)، هنّأ من خلالها الكاتبة الواعدة دُنيا، وعدّد مناقبها، مُشيرًا إلى أنّها المُحبّة المؤمنة بالله وبقدراتها معًا، المتفوّقة والمميّزة، الحالمة والواقعيّة في آنٍ واحد. كما أشاد بتربيتها وإيمانها ومواظبتها على الصّلاة، منوّهًا إلى مشاركتها، العام المنصرم، في مسابقة "فارس الميلاد" للمدارس المسيحيّة، ووصولها إلى المرتبة الثّانية في هذه المسابقة، رغم تأكيده أنّها جديرة بالمرتبة الأولى.ومن ثمّ تحدّث د. محمّد عقل (دكتور في اللّغة العربيّة وآدابها)، الّذي عمل على تنقيح الكتاب وتدقيقه لغويّـًا، وممّا قاله: "المجموعة الأدبيّة "همس الملائكة" هي باكورة نتاج الكاتبة دُنيا خوري، وهي طالبة في الصّف العاشر في مدرسة "راهبات النّاصرة". أنا لم أتعرّف إلى الكاتبة شخصيّـًا، وإنّما قرأت نصوصها بتمعّن، ودقّقتها لغويّـًا، وقد جذبتني تلك النّصوص لما فيها من صور قلميّة رائعة، وخواطر وهمسات دافئة، وقصص رمزيّة تصوّر حياة النّاس وأحلامهم بأسلوب شائق وجذّاب."إنّنا نلمس روحًا شفّافة وموهبة نادرة في صاحبة هذه المجموعة، تبشّر ببزوغ نجمة في عالم الأدب، وهي بحاجة إلى دعم ورفد من رجال اللّغة والأدب.. أجمل المنى إلى الكاتبة دُنيا بمناسبة إصدار باكورة أعمالها الأدبيّة، وأنا على يقين بأنّه ستتلوها مجموعات كثيرة…".تلت كلمته فقرة فنيّة بصوت الفنّان إلياس عطا الله، لأغنيّة "مُضناك" للشّاعر الكبير أحمد شوقي ومن ألحان موسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب، لاقت استحسان الحضور.ومن ثمّ كانت كلمة للدّكتورة تميمة كتّاني (محاضرة في اللّغة العربيّة وآدابها في كليّة سخنين وكليّة القاسمي)، أشادت من خلالها بالكاتبة دُنيا وتمنّت لو أنّها استطاعت أن تكتب بالعربيّة في سنّ مبكّرة – كما فعلت دُنيا – مُشيرةً إلى أنّه رغم تقدّمها بالسّن، ما زالت تتعلّم دومًا، من الصّغير قبل الكبير، مؤكّدةً أنّها استفادت وتعلّمت من تجربة الكاتبة دُنيا، أيضًا. متمنّيةً تبادل الأفكار والإبداعات بينهما مستقبلًا.تلتها وصلة فنيّة من عزف الفنّان والملحّن وسيم خشيبون وضابط الإيقاع فهد خوري، لموسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب بعُنوان "عندما يأتي المساء"، تفاعل معها الحضور ولاقت إعجابه.في قلب كلّ واحد منّا شاعر صغير، يكبر الشّعر فيه ليصبح الوطن قصائد شوق، ويكون هو شاعر القضيّة والتّراب.. فكانت الكلمة للشّاعر خالد إغباريّة (المشيرفة)، الّذي هنّأ الكاتبة دُنيا وتمنّى لها التّوفيق والنّجاح في أعمال مستقبليّة، مُشيرًا إلى الحسّ الشّعريّ في كتاب "همس الملائكة" والبُعد الأدبيّ للكاتبة الواعدة دُنيا.ومن ثمّ تحدّث الأستاذ حميد آغا (مدير مدرسة  "الجليل" – عكّا سابقًا، محاضر في كليّة "غوردون"، عضو إدارة في مؤسّسة "بيت الكاتب" – النّاصرة والنّاطق الإعلاميّ باسمها)، قائلًا: "حظيت بشرف مرافقة الكاتبة الأديبة دُنيا خوري في رحلتها مع مخاض إشهار باكورة أعمالها "همس الملائكة". منذ اللّحظة الأولى، وعند قراءة أولى نصوصها أيقنت أنّني أمام كاتبة واعدة، ينبض قلمها إبداعًا وتتدفّق حروفها تميّزًا."نصوصها تُثير أسئلة الوجود والإنسان والحريّة، تخاطب الفكر وتحاكي الرّوح بأسلوب فلسفيّ، بعيدًا عن النّمطيّة والسّرد التّقليديّ الّذي أصبح الزّمن مختلفًا به. إنّ بُنية النَصوص موسيقيّة تعتمد على الكثافة والتّركيز ضمن رواية شاملة للواقع تنفتح على فضاءات الرّوح."فكلّ هذا الإبداع حرّض بداخلي واستنفر رغبتي على إخراجه لحيّز النّور ضمن إصدار يضيء الدّرب ويثري الفكر ويُغني الرّوح.. ومن هنا بدأت رحلتي مع أديبتنا برفقة والدتها المربّية الفاضلة نهى خوري. وفي نهاية هذه الرّحلة الممتعة الشّاقة دأبنا أن نقدّم إضافة إلى إبداع الكتابة، حلّة جميلة مزركشة بلوحات فنيّة إبداعيّة تزيده جمالًا على جمال للفنّانة التّشكيليّة إليان صالح – مارون".أمّا ضابط الإيقاع الأوّل وسام خوري وابنه مارتين خوري (الحائز على المرتبة الأولى في مسابقة مدرسة "الكرمليت" للمواهب) قدّما وصلة إيقاعيّة إبداعيّة مميّزة، بمرافقة فهد خوري، تفاعل معها الحضور جدًا وطرب لها.إنّ لوحات الفنّانة إليان صالح – مارون الّتي أحاطت الحضور داخل القاعة لفتتهم وشدّتهم ولاقت استحسانهم وإعجابهم بذوقها الفنيّ الرّاقي وريشتها الإبداعيّة، حيث أثارت اللّوحات السّرياليّة أو الفواقعيّة أي "فوق الواقع" فضولهم، ودغدغت مشاعرهم..، فكانت بعض لوحاتها أشبه بلوحات أحد أعلام المدرسة السّرياليّة، الفنّان الرّسام سلفادور دالي.. والسّرياليّة هي مذهب حديث في الفنّ والأدب يهدف إلى التّعبير عن العقل الباطن بصورة يعوزها النّظام والمنطق، وهي آليّة أو تلقائيّة نفسيّة خالصة، يمكن من خلالها التّعبير عن واقع اشتغال الفكر، إمّا من خلال ريشة فنيّة أو شفويّـًا أو كتابيّـًا أو بأيّ طريقة أخرى.وللفنّانة المُبدعة إليان كانت كلمة.. "إنّه مساء الجمال والإبداع.. مساءُ الرّيشةِ واليـَراع.. من دواعي سُروري أن أكون معكم في هذه الأمسيّة مُلبّيةً نداء القلم والفكر والإبداع. إنّها أمسيّة فنيّة مليئة بالتّعابير.""همس الملائكة" – ولنا في الخيال حياة.. تأثيرٌ هامّ على ما نراهُ ونقرأهُ اليومَ والغد، كـُتِـبـَت بـأنامل ذهبيّة، بأنامل دُنيا الصّـبية، وجـُسّدَت بـلوحاتي الفنيّة الخياليّة بالأسلوب السّرياليّ الّذي يدمج ما بين الواقع والخيال، لوحات مليئة بالأحاسيس المـُعَبّرة. فما نراهُ اليوم, هو مزيجٌ من الأفكار والخيال المتناغمة معًا."إنّي فخورة بتصميم ورسم صورة غلاف كتاب "همس الملائكة".. إنّهُ كتاب خاصّ ومميّز بمعانيهِ وصورِهِ. للغلاف مضمون يَحوي ما بِداخِلِه، فهذه اللّوحة مـُشـْبـَعـَة برموز موجودة بين الأسطر والصّفحات، منها: الأجنحة، اللؤلؤة السّوداء والرّمان."اِسمحوا لي أن أحدّثـَكـُم قليلًا عنّي وعن دُنيا.. فما أجمل اللّقاء حين يكونُ لمعلّمةٍ وطالبة في مدرسة واحدة."إنّي خرّيجة معهد "أورانيم" بامتياز، ومعلّمة فنون في مدرسة "راهبات النّاصرة" – حيفا، ومُعالِجة عن طريق الفنّ. شاركتُ بعدّة معارِض مع جمعيّة "إبداع" للفنون التّشكيليّة في كفر ياسيف، ودعمَهُم لي كان مُحَفّزًا لِعَرض لوحاتي في عدّة بلدان."حين أغوصُ في أعماقِ لوحاتي، تـأبـى الرّيشة أن تـفارق أناملي، فـأجَسّدُ أفكاري وخيالي على لوحاتٍ فنيّة."ودنيا الصّبية الجميلة، الطّالبة الموهوبة والمُبدعة، أحبّت القلم وأبدعت بِفكرٍ وأدَبٍ سامٍ. وحين تلتقي الرّيشةُ بالقلم يـُـكـــوّن هذا الجمال وهذا الإبداع".بعدها جاءت معزوفة عن الأخوين رحبانيّ للفنّان وسيم خشيبون (عود) والفنّان فهد خوري (إيقاع).ومن ثمّ جرى حوار بين عريفة الأمسيّة سماهر نجّار والمُحتفى بها، الكاتبة دُنيا، عن تجربتها الكتابيّة الإبداعيّة، الّتي بدأتها في سنّ مبكّرة، وهي لم تزل في الصّف السّادس الإبتدائيّ.برز خلال الحوار تمكّن الكاتبة دُنيا من شدّ الحضور، ومن اللّغة العربيّة ومفرداتها، كما برز حسن كلامها وبداهتها.. فدار الحوار الشّائق حول محطّات عدّة في حياة دُنيا، بدءًا بأمل الوالدين بقدومها، وانتظار ولادتها لأكثر من أحد عشر عامًا، وعلاقة دُنيا بالله الّذي تخبره عن كلّ شيء، وبالحياة والأمل، وبزرع بذور الخير في قلوب الآخرين ورسم الابتسامة على وجوههم. عن شغفها بالكتابة والمطالعة والقراءة والعلم، عن أحلامها وذكرياتها، عن حياتها الحقيقيّة والعبثيّة، عن عالمها الدّاخليّ وإيمانها بهدفها المنشود ومثابرتها بالوصول إليه.هذا وخصّت دُنيا والدتها نُهى بكلمة مؤثّرة، قالت فيها: "كيف يكون لون ضياء أيّامي دون حضورك يا أمّي؟.. كيف ترتوي قافيتي دون لجين جبينك وسهرات هفواتك؟.. ذاكرتي هي تألّقك كالمشهد الآخر كلّ نهار في مسرح حياتي، وأنت تطرّزين الصّلاة أطواقَ شهد حريريّ على وسائدي.. نُهى أميّ رفيقة دربي.. كلّ إنسان له شكر في هذه اللّيلة.. له عبَق الكلمات الجميلة.. له امتنان.. له محبّة… أمّا أنت يا أمّي فلك احتراف الشّكر.. لك دمع العين.. لك قرارة المهد واحتضان الوسائد.. شكري لك لا حدود له.. فافرحي بي حتّى آخر رمق".من ثمّ تحدّثت المعلّمة جزيل زيتون (معلّمة اللّغة العربيّة) في مدرسة "راهبات النّاصرة" عن تجربتها مع دُنيا، واكتشافها ومضات كتابات دُنيا الإبداعيّة، واحتضانها وتشجيعها لها.. فكانت هذه الأمسيّة بالنّسبة لها حدثًا عظيمًا شهدت خلالها ولادة باكورة أعمال تلميذتها المميّزة والمُبدعة. حدث يشرّف المعلّمة والمدرسة معًا.هذا وتحدّث باسم جمّال (مدير مدرسة "راهبات النّاصرة" الثّانويّة) بكلّ فخر واعتزاز عن التّلميذة المتفوّقة الجادّة والمثابرة والمؤدّبة والمرحة، متمنّيًا لها النّجاح في كلّ خطواتها ومشاريعها ومثمّنًا دور الأهل والمعلّمين والمدرسة.ثمّ كانت كلمة أخيرة لمفتّش مدرسة "راهبات النّاصرة" السّابق، د. ميشيل سليمان، الّذي أثنى على دور الأهل والهيئة التّدريسيّة في مدرسة "راهبات النّاصرة" بصقل موهبة الطّالبة/الكاتبة المُبدعة دُنيا، وبمدى إعجابه بعُنوان الكتاب "همس الملائكة" الّذي يوحي بالرّاحة والهدوء النّفسانيّ، وببشائر أمل وخير. كما أشاد بجماليّة لوحات الكتاب بريشة الفنانة إليان صالح – مارون، وتمنّى أن تولد مثيلات دُنيا في مجالات إبداعيّة وأدبيّة وشعريّة وفنيّة مختلفة، لأنّنا في وقت في أمسّ الحاجة فيه لجيل مثقّف مُبدع خلّاق. وانتهت الأمسيّة المميّزة بأغنيّة "غنّيلي شوي شوي" للسيّدة أم كلثوم، من كلمات الشّاعر بيرم التّونسي وألحان الموسيقار زكريّا أحمد، احتفاءً بسيّدة الحدث دُنيا، الّتي أمتعتنا بغنائها أيضًا.يُذكر أنّ إلودي صالح أشرفت على صنع الحلويّات وتزيين القاعة بالورود بلمسة فنيّة إبداعيّة أضفت جمالًا على جمال الأمسيّة.

[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/83740631020151605094224"] مشاركة المحتوى عبر: