نحف

مراسل حيفا نت | 28/04/2015

نحف

بقلم: د. كميل ساري عالم الآثار

تقع قرية نحف قُرابة عشرين كيلومترًا إلى الشّرق من عكّا، على تلّة من الصّخر الجيريّ الّذي يعتبر سهلًا لحفر آبار المياه والتّخزين، والقبور وما شابه ذلك. أشارت الأبحاث الأثريّة على أنّ بداية الاستيطان في القرية يعود إلى عصر البرونز الأوسط، لا سيما بسبب وجود نبع مياه هناك. هدّمت القرية وبُنيت من جديد مرّات عدّة عبر العصور القديمة ما بين الفترة الكنعانيّة والفترة الصّليبيّة. خلال فترة المماليك كانت نحف ضمن مدن قضاء صفد، ولكن خلال الفترة العثمانيّة كانت تابعة لقضاء عكا.

لمحة عامّة

مصدر الاسم "نحف" ليس واضحًا تمامًا، على من الرغم أنّه ورد في عدّة مصادر تاريخيّة: الأقدم من بينها يعود إلى القرن الثّالث عشر ميلاديّ. من هنا، فنحن لا نعلم اسم الموقع من الفترات القديمة مثل الرّومانيّة أو الهيلينيّة.وصف حاكم قيسارية "يوحنان الألماني" عام 1249 ميلاديّ، القرى بالقرب من عكّا فيذكر من بينها "Casale enef" ("نحف"). كما ورد اسم القرية في مصادر أخرى تحت الاسم "Nef"."فيكتور جيرن"، زار القرية في القرن التّاسع عشر، وصفها وتطرّق إلى الاسم أيضًا: "تتواجد قرية نحف على تلّة منحدراتها مزروعة بالتين والزيتون وعلى قمّتها تتواجد المنازل. بعض المنازل تشمل الحجارة القديمة إلى جانب الجديدة. شارعان رئيسيّان يؤدّيان من القرية إلى السَّهل المزروع بشجر الزّيتون. هنالك يتواجد النبع الّذي تتدفّق مياهه من الجبل إلى ناووس قديم ومنه إلى حوض للماء. بعض تلك المياه تصل إلى حوض آخر وجزء منها مباشرة إلى ريّ الحقل. الخلاصة، أنّه بسبب هذا النّبع عرفت للمكان أهميّة في العصور القديمة. حاليًا عدد سكّان الموقع 400 شخص. خلال الفترة الصّليبيّة سُمّي الموقع Nef".

الحفريّات الأثريّة ونتائجها

الحفريّات الأثريّة الأولى جرت في نحف عام 1961 ولا زالت مستمرّة (على فترات متقطّعة) حتّى أيامنا، بإدارة سلطة الآثار. من أبرز الحفريّات تلك الّتي جرت عام 1978 في المنحدر الشِّماليّ من التلّة، حيث تمّ الكشف صدفة على بقايا معمل لصناعة الفخّار، خلال أعمال بناء منزل في المكان. يشمل معمل الفخّار عادة على مواقع للعمل: مكان لتحضير الطّين (تنظيفه، جبله وما شابه ذلك)، مكان للعربة وعليها صنعت الأدوات، مكان في الظّلّ لتجفيف الأدوات بعد صناعتها، والفرن يتمّ فيه حرق الأدوات في المرحلة النّهائيّة. خلال الحفريّات من العام 1978، لم يكن بالإمكان الكشف عن جميع أجزاء المعمل ذلك، لأنّ موقع التّنقيبات تحدّد فقط داخل قطعة الأرض المعدّة للبناء. وكشف في الجزء الجنوبيّ عن بقايا غرفتين مستطيلتين، وإحداهما كانت مرصوفة بالفسيفساء الأبيض. على الرّغم من عدم العثور داخل الغرف على مكتشفات تشير إلى ماهيّتها، لكن يمكننا الافتراض أنّها جزء من معمل الفخّار، لكونها مرتبطة بالسّاحة التي فيها عُثر على فرنين لحرق الأدوات بعد صناعتها.الفرنان تابعان لنمط الفرن الدّائريّ، وقد بُني كلّ منهما من طابقين تفصل بينهما أرضيّة تشمل العديد من الثّقوب ليمر من خلالها الهواء السّاخن: في الطبقة العليا تمّ وضع أدوات الفخّار بينما كانت الغرفة السّفلى للحرق. حفظت هذه الغرفة بكاملها (قطرها 2.5 مترًا وارتفاعها 2.25 مترًا)، بينما لم تحفظ الغرف العُليا كاملة. أمّا الفتحة لإدخال الحطب فكانت بطبيعة الحال من جهة السّاحة التي توسّطت الفرن وباقي غرف المعمل. هذا النّمط من الأفران اشتهر بالعصور القديمة في اليونان، تركيا، جنوب إيطاليا وباقي مدن حوض البحر المتوسّط. ووفقًا لأدوات الفخّار يمكننا تحديد تاريخ الفرن والمعمل إلى نهاية الفترة الرومانيّة وبداية الفترة البيزنطيّة (القرن الثّالث والرابع ميلاديّ).قُرابة 7 أمتار إلى جنوب الفرن تمّ العثور على قبور منحوتة في الصّخر من الفترة ذاتها. الأمر ليس غريبًا إذ تدلّ المكتشفات الأثريّة على أنّه خلال تلك الفترة كانت المِنطقة الصّناعيّة بعيدة ومنفصلة عن المنازل السّكنيّة. وقد شملت المِنطقة الصّناعيّة المعامل على أنواعها (الفخّار، النّبيذ، وما شابه ذلك) والقبور أيضًا، ذلك لإبعاد الرّوائح الكريهة عن المِنطقة السّكنيّة.أُجريت عام 2001 حفريّات في الجزء الشِّماليّ من التلّة كشفت عن بقايا آثار الاستيطان من الفترة البيزنطيّة بما في ذلك بقايا حاجز من الرّخام، من المحتمل أنّه تابع لكنيسة كانت في المِنطقة. إلّا أنّ أهميّة تلك الحفريّات تكمن في العثور على أنقاض مبانٍ من الفترة الكنعانيّة الوسطى وتعتبر هذه المرّة الأولى الّتي يتمّ العثور فيها على بقايا من تلك الفترة. كما عُثر خلال التّنقيبات ذاتها على بقايا مبنى من الفترة الهيلينيّة (القرن الرّابع ق.م).أجريت في العام 2006 حفريّات في القسم الجنوبيّ – الغربيّ من التلّة، وعُثر خلالها على بعض أدوات الفخّار من الفترة الإسلاميّة الأولى (القرن السّابع والثّامن ميلاديّ). أمّا الحفريّات من العام 2010، الّتي أجريت على قمّة التلّة، فقد كشفت عن خمس مراحل من الاستيطان تعود إلى حقب زمنيّة مختلفة: الأقدم من بينها آثار مبنى يعود إلى عصر البرونز الأوسط، تليها بقايا مبان من الفترة الهيلينيّة (القرن الرابع ق.م.)، ومرحلتان من البناء تابعتان للفترة الأمويّة، الأولى من بينها احتوت على بقايا مبنى هُدم إثر حريق، وعلى أنقاضه أقيم مبنى آخر خلال الفترة الأمويّة. على أنقاض تلك المباني عُثر على بقايا أدوات يعود تاريخها إلى العصور الوسطى (القرن الثّالث عشر م.).وأجريت في العام ذاته (2010) حفريّات في القسم الجنوبيّ الشّرقيّ من التلّة الأثريّة، كشفت عن بقايا استيطان من الفترة البيزنطيّة والأمويّة. تكمن أهميّة تلك الحفريّات في العثور على بقايا أدوات من الزجاج، الّتي هي عبارة عن نفايات ناتجة عن صناعة أدوات الزّجاج. تدلّ تلك المكتشفات على وجود معمل لصناعة الزّجاج في الموقع خلال الفترة البيزنطيّة. كما تمّ العثور على جزء من بقايا حمّام عموميّ، حيث كشف عن بقايا أجزاء الغرفة السّاخنة منه. وفقًا لأدوات الفخّار تمّ تحديد تاريخه إلى نهاية الفترة البيزنطيّة.

الصّور المرفقة:

1 – أفران الفخّار الّتي عُثر عليها عام 1978.

2 – جدران المبنى من الفترة الأمويّة.

3 – بقايا الحمام العموميّ – الغرفة الساخنة.

4 – بقايا أدوات الزّجاج من الفترة البيزنطيّة.

 

[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/146568525920152804014719"]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *