دولة تهدم بيوت مواطنيها

مراسل حيفا نت | 26/04/2015

حسين اغباريّة

 

دولة تهدم بيوت مواطنيها

لفتت عمليّة هدم بيت طارق خطيب في كفر كنّا، مؤخّرًا، النّظر إلى مسألة البيوت المهدّدة بالهدم في قُرانا ومُدننا. ومن هنا أتى قرار لجنة المتابعة العُليا إعلان إضراب ليوم واحد، يوم الثّلاثاء المقبل، 28 من الشّهر الجاري. وهي خُطوة احتجاجيّة على هدم البيت الّذي أعادت سواعد الكنّاويّين والمتضامنين معهم بناءَه من جديد.

ما أبشع عمليّة الهدم مهما كان السّبب ومهما كانت الآليّة لذلك. ما أبشع أن يفيق مواطن على هدير "بولدوزر" جرّافة جاءَت لتهدم بيته الّذي بناه بعرق جبينه وكمشروع حياة. ومن هنا هذا الشّعور العام بالسّخط والغضب الّذي يحسّه أهلنا على مرأى هدم البيت في كفر كنّا أو اقتلاع أهالي العراقيب من بيوتهم الّتي هُدّمت للمرّة الـ83!

إنّ ظاهرة البيوت المُهدّدة بالهدم مُطابقة لقضيّة القرى غير المُعترف بها المُهدّدة بالاقتلاع. إنّها ظاهرة لم تنشأ لأنّ العربيّ لا يريد الالتزام بأحكام القانون أو استصدار رخصة بناء بموجب قوانين التّنظيم والبناء، بل لأنّ المسؤولين عن تطبيق القانون لم يقوموا بواجبهم الأوّل، وهو إقرار خرائط هيكليّة وتفصيليّة لمعظم القرى والمُدن العربيّة. يعني إنّ المواطن العربيّ في كفر كنّا أو غيرها قد لا يستصدر رخصة بناء، لأنّه لا يستطيع ذلك لعدم وجود مخطّطات سكنيّة أو لعد استكمال هيئات التّخطيط لها.

إنّ القانون الّذي يقضي بالبناء وفق أحكامه هو القانون الّذي يفرض على هيئات التّخطيط، ومن بينها اللّجان المحليّة واللوائيّة والسّلطات المحليّة، أن تضع مخطّطات للسّكن وخرائط هيكليّة وتفصيليّة. وعندما لا تفعل ذلك فهي تخالف القانون بنفسها. لكن مَن يدفع الثّمن هم المواطنون الّذين يريدون مأوى وبيتًا يقيمون فيه حياتهم وأُسَرهم، فيبنون في أراضيهم، غير قادرين على انتظار توفير خرائط عادةً ما تستغرق 10 سنوات وأكثر حتّى يتمّ إقرارها نهائيّـًا إذا حصل أصلًا!

إنّه وضع غير إنسانيّ ومنافٍ لكلّ الأعراف أن تقوم الدّولة بهدم بيوت مواطنين أقاموها في أراضيهم الخاصّة، وليس على أراضٍ عامّة أو وسط شارع! لهو من القسوة أن تلجأ الدّولة الّتي لا تقوم بواجبها تجاه مواطنيها العرب بمعاقبتهم إذا أرادوا تحسين شروط حياتهم وسكنهم وتأمين أبسط الحقوق وأوّلها – المسكن! إنّه قانون الطّبيعة أن يتزوّج الإنسان ويبني أسرةً، وهو نفس القانون الّذي يفترض أنّ الإنسان بحاجة إلى مأوى له ولأسرته. لكن ليس من الطّبيعيّ أبدًا أن تأتي الدّولة لتمنع منه ذلك وتعاقبه بهدم بيته أو بفرض غرامات باهظة عليه أو الاثنين معًا.

إنّ الإضراب وسيلة من وسائل النّضال، نأمل له النّجاح ليكون رسالةً واضحة للسّلطات. ومن هنا دعوتنا للجميع أن يلتزموا به بما تتيح لهم ظروفهم وأحوالهم. وهو حدث يدعم الحراك السّياسيّ مقابل الحكومة ورئيسها، لضمان وقف سياسات الهدم وإلزامها بإيجاد حلّ جذري لقضيّة مُزمنة تُعيق حياة آلاف الأسر العربيّة وتقضّ مضجعها. ونتمنّى على قياداتنا أن تأخذ الموضوع بجديّة وأن تفرض على الحكومة حلّه حلًا جذريّـًا. 

 

ضرورة الحذر!

يُخيّل إلينا أنّ التّحوّلات حولنا في المِنطقة عامّة والقضيّة الفِلَسطينيّة خاصّة، أحدثت خربطةً عامّة في الأوراق. بل أنّ سيولة هذه الأحداث المتنقّلة المتشابهة المتناقضة المتداخلة المُنفصلة تصعّب علينا جميعًا اتّخاذ مواقف أو تحديد وجهة الأمور. ومع هذا، فإنّنا حيال سجالات تبدو لي كحوار الطّرشان لا طائل تحتها بين هذا الّذي يؤيّد هذا الطّرف أو ذاك، هذا الإجراء في مصر أو ذاك العنف في سورية. هذا يُشير إلى مناهضته للسّعودية وهذا إلى قطر وذاك لإيران ورابع لأمريكا وخامس لإسرائيل! وتختلط المواقف وتتشابك حدّ استعصاء تبيانها واستجلائها. بل يبدو لنا أنّ النّاس المؤدلجين وغير المؤدلجين قد أضاعوا البوصلة أو تجمّدوا في مواقفهم القديمة، رغم تغيّر الوقائع على الأرض.

من هنا اعتقادنا بضرورة الحذر والتأنّي والامتناع عن تحويل عدم قدرتنا على تبيان وِجهة الأمور إلى مشادات كلاميّة وخصومات واتّهامات وتراشق بالشّتائم أحيانًا كُرمى لعينيّ نظام أو بلد أو زعيم سرعان ما يسلك بشكل متناقض في اليوم التّالي.

علينا الإقرار بصعوبة تحديد المواقف ومعرفة جهة الرّيح. علينا الإقرار بأنّ اللّاعبين المشاركين في الأحداث لهم مصالح متناقضة في موقع أو متطابقة في موقع آخر. علينا الإقرار بأنّ اللّاعبين المُعلَنين والمخفيّين، من دول وأنظمة، لا يحتكمون للعدل أو للقانون الدوليّ وإنّما لمصالحهم، لا يتصرّفون من نُبل وسموّ أخلاق وإنّما من أيديولوجيّات وعقائد ومصالح وطموحات. ومن هنا فإنّ المفاضلة بين الدّول الشّريكة في الأحداث أو الضّالعة فيها سيصير ضربًا من العبث أو سيؤدّي إلى خطأ في الحُكم على الأمور، خاصّةً وأنّها متحوّلة بسرعة ومتنقّلة. وصحيح إنّها صنيعة قوى بعينها من دول في المِنطقة أو خارجها، لكنّها تقاطعت إلى درجة تشابهت فيه جميع الدّول وتطابقت سياساتها.

في المحصّلة يبدو أنّ خارطة المِنطقة لن تعود إلى سابق عهدها. وما كان في هذا الباب لن يكون. ومن الواضح أنّ صراع العقائد على الأرض العربيّة، وبهذه الدّرجة من العنف ومن التّدخّلات والتقاطعات، سيُنتج واقعًا جديدًا لم تتّضح معالمه إلى الآن. ولأنّ الأمر على هذا النّحو من المفضّل أن نمتنع عن القول جزافًا وعن إصدار أحكام بحقّ مَن يخالفنا الرّأي. نحن في هذا الوضع صرنا صدًى لما يحدث قريبًا منّا، وهذا ما زاد تفرّقنا وتشرذمنا في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة إلى التّروّي والحِكمة والتفكّر. لن يضرّنا لو تأنّينا وتروّينا. سنصنع لأنفسنا معروفًا، ولمجتمعنا أيضًا، إن راعينا شروط المرحلة وقسوتها علينا واعترفنا لأنفسنا أنّنا لا نستطيع دومًا تبيان التّفاصيل أو الإحاطة بها. فقد تسبقنا الأحداث. ولنعترف أنّنا قد نكون أسرى أفكار وأنماط سابقة فنعجز عن القراءة الصّحيحة للأحداث.

لأنّ الأمر على هذا النّحو علينا بالحذر وعلينا عدم ادّعاء معرفة الحقيقة كي تظلّ العلاقات الدّاخليّة متينة بما فيه الكفاية للحوار والنّقاش الّذي لا يُفسد للودّ قضيّة.

 

طوبى للمُكرَّمين

تعكس ثقافة تكريم المُجتمعات لمبدعيها في كافّة المجالات رقيًا حضاريًا ، ينزع إلى الإشراق ويجسّد قيمًا راقية ويعبّر عن التّقدير للعطاء أو للإبداع أو للألمعيّة. عادت ما يكون التّكريم مبنّيًا على أساس أن هناك حاجة لتكريم الشّخص أو الهيئة أو المؤسّسة والاحتفاء بهم  بفضل ما قدّموه أو ما جسدوه من معاني نبيلة وما تركوه من أثر وفضيلة لمجتمعهم.

أتخصّص في حديثي عن ثقافة التّكريم في حيفا، فمن حسن حظّنا أنّ في المجتمع هيئات وفعّاليّات وأشخاص واعون جدًا لضرورة تكريم مَن يتّسم مشواره بالعطاء والتّأثير والإبداع في أحد أنشطة الحياة والمجتمع. ولحسن حظّ حيفا، هناك الكثيرون ممّن يستحقّون التّكريم. وهم كُثر في كلّ مجال ومجال. كيفما نظرنا حولنا وجدنا امرأةً أو رجلًا يستحقّان التّكريم لعمل أو مسيرة حياة أو مواقف أو إبداع. بل بإمكاننا أن نرى إلى اللّامعين والمتميّزين في مجتمعنا في كلّ باب من أبواب الحياة. في الأدبيّ والأكاديميا والمجتمع والطّب والحقوق والسّياسة والتّربية والفنّ والاقتصاد إلى آخر القائمة.

إنّ مجتمعًا يكرّم المُبدعين من أبنائه وبناته ويعرف قيمة ما يقدّمونه ويعترف لهم بأدوارهم وإسهاماتهم هو مجتمع معافًى ويستحقّ اسمه. وقد شهدت حيفا حتّى الآن سلسلة من أمسيّات التّكريم كان المُحتفى بهم فيها من خيرة أبناء وبنات مجتمعنا من الأحياء أو من الّذين رحلوا تاركين لنا خلفهم إرثًا قيّمًا. وحبّذا لو إنّ التّكريم يتمّ في حياة الأشخاص وليس بعد رحيلهم. لا نريد أن نبقى أسرى مقولة إنّ الإنسان لا يعرف قيمة ما يملك إلّا بعد فقدانه. لا نريد أن نثني على المعطائين في حياتهم وبوجودهم معنا. نريد أن نعبّر لهم عن تقديرنا لمسيرتهم وهم معنا يتسلّمون منّا الهديّة أو الدّرع ويستمعون معنا إلى كلمة شكر وعبارة تقدير.

طبعًا، يُمكن للتّكريم أن يتّخذ أشكالًا متعدّدة، فلا يقتصر على أمسيّة أو هديّة. وقد جرّبنا في جمعيّة التّطوير الاجتماعيّ أن نلفت النّظر إلى أهميّة دور المربيّ والمعلّم في العمليّة الاجتماعيّة، فأطلقنا مبادرتنا إلى احتفاليّة المعلّم التّقليديّة في تشرين الثّاني من كلّ عام. نحتفي بهذا اليوم بطريقتنا بالمعلّم في المدرسة أو في أمسيّة ثقافيّة فنيّة يحضرها معظم المعلّمين من كلّ مدارس حيفا العربيّة. وقد لمسنا من سنة إلى أخرى أيّ أثر كبير تتركه الاحتفاليّة في النّفوس. من هنا، إدراكنا لأهميّة التّكريم الحقيقيّ والأصيل الّذي يأتي من موقع الاستحقاق. فهو يحمل أثرًا على المُحتفى بهم وعلى المُحتفين لأنّه يجسّد الكلمة الطيّبة ويعطي العبارة "أعطِ كلّ ذي حقّ حقّه" معناها الكامل والفعليّ. هذا ناهيك عن كون التّكريم بصيغته المُشرقة شكلًا من أشكال الإنصاف والعدل في تعامل المجتمع مع أبنائه وبناته. ويخيّل لي أنّ أمام المجتمع العربيّ في حيفا سلسلة طويلة من مناسبات التّكريم لأنّ مجتمعنا يعجّ أناس تميّزوا في أعمالهم أو في عطائهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *