قل لي مع مَن تتواصل..؟!

مراسل حيفا نت | 24/04/2015

رجا زعاترة

حسنًا فعلت القائمة المشتركة بعدم التّجاوب مع دعوات زيارة إمارة قطر ولقاء جامعة الدّول العربيّة. ومن نافل القول إنّه مع أهميّة "المشتركة"، فمن يمثّل الجماهير العربيّة الفلسطينيّة الباقية في وطنها هو لجنة المتابعة العُليا، الّتي تضمّ تيّارات لا تشارك في انتخابات الكنيست. ولا مكان للعبث بهذا.القائمة المشتركة ليست إطارًا أيديولوجيّـًا، ولا يمكن أن نحمّلها أكثر ممّا تحتمل، ولا أن نتوقّع منها أن تقدّم أجوبة متكاملة على كلّ تناقضات وصراعات المِنطقة والعالم. ولكن بالنّسبة لنا في الحزب الشّيوعيّ و"الجبهة"، فإنّ اللّحظة السّياسيّة والتّاريخيّة تفرض مسوّغات جديّة لرفض الدّعوة، وليس عدم التّجاوب معها فحسب؛ كعمالة قطر ودورها في العدوان على اليمن والمؤامرة على سورية، وتورّط الجامعة العربيّة في المشاريع الأمريكيّة وتواطؤها مع إسرائيل.إنّ النّقاش الأساسيّ ليس على كوننا أو عدم كوننا جزءًا من الشّعب الفلسطينيّ والأمّة العربيّة، ولا على حقّنا الطّبيعيّ في التّواصل مع سائر الشّعوب العربيّة. فنحن نقول إنّه من حقّنا التّواصل مع الشّعوب العربيّة، ومن واجبنا رفض التّواصل مع المتآمرين على الشّعوب العربيّة. ومن الضّرورة بمكان عدم استغفال النّاس بالخلط بين هذا وذاك.إنّ التّواصل مع أنظمة تتلخّص كينونتها التّاريخيّة والحضاريّة والجيو-سياسيّة في العمالة والخِسّة وخدمة أمريكا وإسرائيل، والتّآمر على شعوب وحضارات ضاربة في عمق التّاريخ والجغرافيا؛ ليس فقط لا يندرج ضمن التّواصل مع الشّعوب، بل إنّه يسيء للتّواصل مع الشّعوب ومع قواها الوطنيّة الحيّة. ومن يريد أن يتواصل مع مثل هذه الأنظمة فليفعل هذا وحده، متى ما شاء وكيفما شاء، كما فعل حتّى الآن، وليتحمّل مسؤوليّة وتبعات هذا النّوع من "التّواصل"، ولا يحمّل وزره للقائمة المشتركة أو لجنة المتابعة العليا.إنّ التّواصل الأساسيّ والرئيسيّ، المحوريّ والجوهريّ، الأنقى والأرقى، الّذي نصبو ونرنو إليه، هو التّواصل مع قضايا وهموم النّاس؛ مع عامل نظافة من كفر مندا طُعِن في هرتسليا تحت وقع صرخات "الموت للعرب"؛ مع نائبة فلسطينيّة اختُطفت من بيتها في منتصف اللّيل لأنّها تقف مع المقاومين والأسرى، مع نساء من النّقب يكافحن من أجل العيش الكريم وتحقيق ذاتهنّ وتربية أبنائهن؛ مع عائلات من سعوة ودهمش وكفر كنا هُدمت بيوتها وخيامها؛ مع طلّاب متميّزين من أم الفحم يعرضون مبادراتهم العلميّة ويحلمون بتعلـّم الفيزياء والتقنيّات العالية؛ مع نساء من عرّابة البطّوف يُمنعن من قطف العكّوب لكي يستحوذ عليه تجّار الكيبوتسات؛ مع حاضنات ومربيّات عربيّات ويهوديّات تناضلن لضمان مكان عملهنّ وقوت يومهن؛ مع فنّان يافع من المغار معرّض للسّجن لرفضه الخدمة الإجباريّة في جيش يحتلّ شعبه؛ مع شابة من تل أبيب ترفض أن تحتلّ شعبًا آخر؛ مع شباب من معلول يقومون بعمل تطوّعي قرب كنيسة قريتهم المهجّرة التي ستقصدها أم الياس وأم علي بعد يومين لتحتفلا بالفصح المجيد وتستذكرا المجد التليد؛ مع أمّهات وآباء من حيفا وشفاعمرو يريدون لأطفالهم حياةً آمنة من التّلوّث والإشعاع ومن الأمراض الخبيثة؛ مع مربّين ومربّيات يقترحون منهاجًا بديلاً لتدريس المدنيّات؛ مع أشخاص أصحاب إعاقات يطالبون بالكرامة والمساواة في الحياة وفي الخدمات؛ مع أهالي كفر برعم بعد اعتداء إجراميّ على مقبرة قريتهم المهجّرة؛ مع جامعيّات وجامعيّين من النّاصرة ورهط يضطرّون للدراسة في جنين والخليل وبيت لحم وعمّان بسبب امتحان الـ"بسيخومتري" وغيره من عقبات القبول؛ مع مجموعة من المسرحيّين يريدون تأسيس مسرح صغير في أحد زواريب عكّا أو وديان حيفا؛ مع أطبّاء وأكاديميّين وعاملين اجتماعيّين من النّاصرة وسخنين ويركا يريدون تطوير مؤسّسات صحيّة وتربويّة واجتماعيّة تخدم النّاس وتطوّر المجتمع؛ مع ثلاثة أجيال من البراونة أو الصفافرة أو الحطاطنة يمشون سويًا في مسيرة العودة؛ مع مواطنين من الطّيبة يطالبون بحقّهم الأساسيّ في البناء على الأراضي الّتي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.

وأحيانًا، فالتّواصل يكون مع ممرّضة في مستشفى أو طبّاخ في مطعم، لمجرّد أن تقول لهما "يعطيك العافية".

هذا هو مفهومنا للتّواصل.. وهذه هي خياراتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *