رسالة المطران بقعوني لمناسبة عيد الفصح

مراسل حيفا نت | 05/04/2015

·   أدعو الجميع إلى فتح قلوبهم من جديد للرّب يسوع * هل نحن مستعدّون لبذل أنفسنا كما فعل يسوع؟ * كلّ ما جرى ليسوع من أحداث وأقوال اتخذتها الكنيسة نبراسًا في تعاملها مع المؤمنين * المؤمن الّذي لا يتواضع ولا يخدم ولا يضحّي فإنّه سيرى نفسه متكبّرًا وبعيدًا عن روح الله * كم مرّة نواجه التّجارب التي تجعلنا نتنكّر ليسوع وتعاليمه * لا يكفي أن نحصل على الأسرار أو نحفظ الوصايا، ولا نعمل بها في حياتنا العاديّة وواقعنا المعاش * كيف يمكن أن نتوب ونعود لممارسة الخطيئة؟! * ليست المعايدة مجرد كلمات نردّدها، بل يجب أن نعيشها ونختبر مفاعيل القيامة في حياتنا *

 

نايف خوري

"إني أرى الشّعب بحاجة إلى هذا العيد، وبحاجة للاختبار المتجدّد لقيامة يسوع المسيح، فرح القيامة، رجاء القيامة، قوة القيامة في حياتهم، إنّهم يحبّون الرّب ولكنّهم بحاجة ماسّة لاختبار قوّة يسوع في حياتهم ومحبّة يسوع لهم". هذا ما قاله سيادة المطران جورج بقعوني، رئيس أساقفة عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل في لقاء حصريّ مع صحيفة "حيفا".

وأضاف أنّ هذه المرّة الأولى التي يحتفل فيها بعيد القيامة في حيفا، "أدعو الجميع إلى فتح قلوبهم من جديد للرّب يسوع. ونحن نجتاز هذه الأيّام أسبوع الآلام، وخاصّة خميس الأسرار تجارب عديدة. وتساورنا نوازع كمسيحيّين، بأنّنا نريد على شكل السيد المسيح ومثاله، ومن جهة أخرى حبّ السّلطة وحبّ المال، والحماسة التي ليست بمحلّها للمسيحيّة، فعلى قدر ما نكون متشبّهين بيسوع، على مستوى الأشخاص، هل نحن مستعدّون لبذل أنفسنا كما فعل يسوع؟ أو أن نضحي ونتواضع من أجل الآخرين؟ أو نخدم وليس أن نُخدم كما يجب أن يتكوّن المسيح فينا، ونصبح على صورة يسوع. لأنّ المسيح لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدُم، وبذل نفسه وأسس سرّ الإفخارستيا وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي، خذوا اشربوا هذا هو دمي، واصنعوا هذا لذكري. فالّذي يرغب أن يكون مع المسيح وعلى مثاله، مدعو أيضًا ليكون مثله فيبذل نفسه وجسده في سبيل الآخرين".

وأشار سيادة المطران بقعوني إلى أنّ عيد القيامة هذا يمتاز في الكنيسة بأنّه العيد الكبير، وهنا أرى المؤمنين، أبناء الكنيسة يأتون للصّلاة بأعداد كبيرة في هذه المواسم، وهذا ما أرجو أن يكون على مدار السّنة كلها. وقد اختبرنا في عيد الشّعانين فرح النّاس ورغبتهم بالتّعبير عن محبّة يسوع والكنيسة وإيمانهم. لأنّ الأعداد التي حضرت، من آلاف المصلّين هم يعبّرون عن هذا الإيمان.

وتطرّق سيادته إلى النّواحي الإنجيليّة في أسبوع الآلام، وقال: إنّ الأناجيل المقدّسة كتبت بعد سنين من قيامة يسوع، كإنجيل لوقا الذي كتب بعد نحو ثمانين عامًا من القيامة، وإنجيل متّى وقد كتب بعد ستين عامًا. وكلّ ما جرى ليسوع من أحداث وأقوال اتخذتها الكنيسة نبراسًا في تعاملها مع المؤمنين، لكي يعيشها المؤمن ويحيا بموجبها. إنّ المؤمنين الّذين يرغبون بالعمل نتيجة إيمانهم بأقوال وأعمال يسوع يتوجّب عليهم أن يكونوا أقوياء، وذلك لكي يحتمّلوا ويحملوا صليب يسوع الّذي طالبنا بأن نحمله في حياتنا العامّة والخاصّة، بل في حياتنا اليومية.

ومضى يقول عن أهم الأسرار التي اتخذتها الكنيسة وقد أسّسها يسوع كان سرّ الإفخارستيا وسر الكهنوت، وسرّ التثبيت والميرون، وهذه أسرار مارسناها يوم أمس الخميس، ولذا يعرف هذا اليوم بخميس الأسرار. فكيف يجب أن نعيش هذه الأسرار، يتساءَل سيادة المطران بقعوني. وقال إنّ المؤمن الّذي لا يتواضع ولا يخدم ولا يضحّي فإنّه سيرى نفسه متكبّرًا وبعيدًا عن روح الله والمسيح، والله جعلنا أسمى من كلّ المخلوقات، وجاء المسيح وثبّتنا بالمعموديّة لكي نتقدّس بروحه وجسده ودمه اللّذين نتناولهما في سرّ الإفخارستيا.

وانتقد سيادته أولئك الّذين يظنّون أنفسهم أقوياء بدون المسيح، ويعتقدون أنّ بوسعهم تغيير العالم اعتباطًا، وقال: يجب ألّا نكون مثل بطرس وبعض التّلاميذ الّذين طالبوا يسوع بدخول الملكوت والجلوس عن يمينه وعن يساره في عرش مجده، وهم يظنّون أنّه يبني مجدًا ومملكة على الأرض لكي يصبح ملكًا على شعبه. فقال لهم إنّ مملكتي ليست من هذا العالم، وأنتم لا تستطيعون أن تحتملوا ما أطلبه ولا أن تصطبغوا بالصبغة الّتي أصطبغ بها أنا. ونجد بطرس يقف خائفًا في الخارج لدى محاكمة يسوع، وأثناء التحقيق معه، فأنكر ثلاث مرّات قبل أن يصيح الدّيك أنّه يعرفه، وصار يحلف أنّه لا علاقة له بيسوع.

وقال سيادته، نحن أيضًا في هذا الزمن ننكر يسوع وننفي أنّنا نعرفه، في حياتنا اليوميّة، وكم مرة نواجه التّجارب التي تجعلنا نتنكر ليسوع وتعاليمه. بل نعمل أكثر من ذلك بأن نقوم بدور يهوذا الذي خان يسوع وقبّله قبلة الخيانة وأسلمه للجنود، ويعمينا حبّ المال والجري وراء الجاه واللّهاث وراء الزّعامة والسّلطة. لا يكفي أن نحصل على الأسرار أو نحفظ الوصايا، ولا نعمل بها في حياتنا العاديّة وواقعنا المعاش. فنحن نعرف وصيّة عدم القتل، ولكنّنا نقتل، ووصيّة عدم السرقة ومع ذلك نسرق، وسائر الوصايا ولا نعمل بها، فما الجدوى من الوصايا والأسرار إذن؟ نحن تعمّدنا مرّة واحدة، فهل يمكن أن ننسى مواهب العمّاد والنّعم التي يسبغها الله عليها في هذا العماد؟ وكذلك سرّ الإفخارستيا المعاش، وسرّ التّوبة، فكيف يمكن أن نتوب ونعود للممارسة الخطيئة؟ وربّما الخطيئة ذاتها، فما معنى التّوبة والالتزام بالامتناع عن الخطيئة والإقلاع عمّا يسببها؟  

ونوّه سيادته إلى أنّنا كمسيحيّين فقد تجدّدت عهودنا وطهارتنا بالعمّاد، هذا السّر الّذي جعلنا نحيا في حالة النقاء وبعيدًا عن الخطيئة الأصليّة التي أخرجت آدم وحواء من الفردوس. فالعمّاد يجمعنا على محبّة المسيح، ويبعدنا عن التصلّب بالأفكار والقلوب، والتعصب الأعمى، والكراهية والبغضاء، والعنف والظّلم. ولماذا نقوم بكلّ هذا حيال الآخر، من هو هذا؟ أليس أخي بالمعموديّة، أليس قريبي في المسيح؟ وإذ نحن في يوم الجمعة العظيمة يجب علينا أن نقف تحت أقدام الصّليب ونصلّي، لا أن نقف متفرجين على يسوع، ولا أن نشترك في دقّ المسامير في يديه ورجليه وطعنه بحربة. لأنّ الشّيطان، أو إبليس لم يكن يرغب أن يصلب المسيح، وكان يقاوم مسألة الصلب، ويحاول أن يبعد يسوع عن صليبه لأنّ يسوع أراد أن يُصلب، ومات طوعًا وباختياره، وإبلبس، أو روح الشّر كان يعرف ماذا سيأتي بعد الصّليب، وماذا سيحدث بعد موت يسوع، طبعًا هي القيامة، ومن يستطيع أن يقوم من بين الأموات سوى الإله؟ الشيطان كان يعرف ذلك لكي لا يثبت له المسيح أنّه إله، ولكن يسوع أبى إلّا أن يعمل مشيئة أبيه الّذي أرسله. وها نحن نجتاز مراحل درب الصّليب مع يسوع لنبلغ القيامة يوم الأحد ونقول المسيح قام.     

ويقدّم سيادته معايدة للمؤمنين، المعايدة التي يقولها كلّ مسيحي: المسيح قام، حقًا قام. وليست المعايدة مجرّد كلمات نردّدها، بل أن نعيشها ونختبر مفاعيل القيامة في حياتنا. كلّ واحد منّا مسؤول عن نفسه وعن عائلته وعن أسرته ويحرص على سلامتها ويحافظ عليها حفاظه على نفسه.

واختتم كلمته متمنّيًا للجميع قيامة مجيدة وأيّامًا مديدة. والمسيح قام، حقّا قام، نسجد لقيامته في اليوم الثّالث.

[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/205998716220150504101658"]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *