ما معنى أن الإنسان يولد من جديد؟
هل تتوق إلى أن تولد من جديد؟ هل تشتاق إلى أن تتغيَّر تمامًا ولا تفعل ما كنت تفعله من قبل؟ هل ترغب في رؤية نفسك إنسانًا جديدًا؟ هل أنت مُتعبٌ من الخطيئة والمعصية التي ترتكبها ولا تعرف كيف تتخلَّص منها؟ ترى الدنيا سوداء والمستقبل قاتم اللَّون؟ هل تعبت من نفسك ومن كلّ مَن هُم حولك؟ هل ترغب في أن تتخلَّص من حالتك هذه؟ الحلّ هو: الولادة من جديد؟ تُصبح إنسانًا جديدًا تمامًا. لكَ فِكرٌ مختلفٌ وتستطيع تكوين عاداتٍ صحيّة وعلاقاتٍ سليمة مع ذاتك ومع مَن هم حولك والأهمّ مع الله .
وهذا ما جاء من أجله المسيح وشرحه في إنجيله المقدَّس. ففي بداية إنجيل يوحنا، يُعرِّف الوحي الإلهيّ أولاد الله بأنّهم "الذين وُلِدوا لا من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله" (يوحنا 1: 13). هذه الولادة من الله أو الولادة الثانية يقول عنها الوحي المقدَّس أيضًا: "مولودين ثانيةً لا من زرعٍ يفنى، بل ممّا لا يفنى، بكلمة الله الحيّة الباقية إلى الأبد" (1 بطرس1: 23). "إن كان أحدٌ لا يولَد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3: 3). وهذا القول الأخير نَطَقَ به المسيح في حديثه مع نيقوديموس معلِّم اليهود .وكان ردّ نيقوديموس عليه: "كيف يمكن أن يولَد الإنسان وهو شيخ؟ ألعلَّه يقدر أن يدخل بطن أمِّه ثانيةً ويولد" (يوحنا 3: 4). طبيعيٌّ ليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود هو تغيير الذهن والقلب، أو بمعنًى آخَر، الإرادة والمشاعر. فيقول الكتاب المقدس: "قلبًا نقيًّا اخلق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدِّد في داخلي" (مزمور 50: 10)، "ولا تتشبَّهوا بهذا الدهر، بل تحوَّلوا إلى صورةٍ أخرى بتجديد أذهانكم لتَختبروا ما مشيئة الله الصالحة المرضيّة الكاملة" (رومة 12: 2)، "أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجدَّدوا بروح أذهانكم، وتلبسوا الإنسان الجديد، الذي خُلِقَ على مثال الله في البِرِّ وقداسة الحقّ" (أفسس4 :22- 24).
ولكن كيف يولَد الانسان من جديد؟ قبل أن نجيب عن هذا السؤال يجب أن نعرف: لماذا يحتاج الإنسان إلى الولادة الثانية؟ الواقع أنّه يحتاج إليها بسبب ما أحدثته الخطيئة فيه من تشوُّهٍ أدبيٍّ وروحيّ. وفي هذا يقول الكتاب المقدَّس: "ورأى الرّبّ أنّ شرَّ الإنسان قد كَثُرَ في الأرض، وأنّ تصوُّر أفكار قلبه إنّما هو شرِّيرٌ كلّ يوم" (تكوين 6: 5)، "القلب أخدع من كلّ شيء" (إرميا 17: 9). لأنّه من الداخل، من قلوب الناس تخرج الأفكار الشرِّيرة: الزنى، الفسق، القتل، السرقة، الطمع، الخبث، المكر، العين الشرِّيرة، التجديف، الكبرياء، الجهل، وجميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان (مرقس 7: 20-23). ويقول أشعيا النبي أيضًا: "الرأس كلّه مريض والقلب بجملته سقيم. من أخمص القَدَم إلى الرأس لا صحّة فيه، بل جروحٌ ورضوضٌ وقُروحٌ مفتوحة لم تُعالَج ولم تُعصَب ولم تُليَّن بدُهنٍ" (1: 5-6). هذا هو حال الإنسان بعد أن دمَّرته الخطيئة، والحل ليس في إصلاح الشكل الخارجيّ، بالأخلاق والتديُّن الظاهريّ والسلوك الحضاريّ. الإنسان عاجزٌ عن أن يرفع ثقله إلى أعلى، كما لا يستطيع أن يمسك برباط حذائه، ويرفع نفسه إلى فوق، فهو يحتاج إلى قوَّةٍ من خارجه، وبمعنى أصح، هو بحاجةٍ إلى تدخُّلٍ إلهيّ.
كيف يتمّ هذا؟
1) على الإنسان أن يعترف أنّ عنده مشكلةً وهي الخطيئة، وأنّه غير قادرٍ على علاجها في ذاته (رومة 7: 18–24).
2) على الإنسان أن يؤمن أنّ موت المسيح الكَفَّاريّ (بديلاً عن كلّ إنسان) هو الطريق الوحيد للحصول على الغفران الإلهيّ: "ودم يسوع المسيح ابنه يُطهِّرنا من كلّ خطيئة" (1 يوحنا 1: 7)، "هكذا أحبّ الله العالم حتّى إنّه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة" (يوحنا 3: 16)، "له يشهد جميع الأنبياء أنّ كلّ مَن يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أعمال 10: 43)، "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس 1: 7).
3) على الانسان أن يتوب عن خطاياه ويتركها، وفي هذا يقول الكتاب المقدَّس :"من يكتم خطاياه لا ينجح، ومَن يُقِرُّ بها ويتركها يُرحَم" (أمثال 28: 13)، "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادلٌ حتّى يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا من كلّ إثم" (1 يوحنا 1 : 9)، "ليترك الشرِّير طريقه، ورجل الإثم أفكاره، وليَتُبْ إلى الرّبّ فيرحمه، وإلى إلهنا فإنّه يُكثِر الغفران" (أشعيا 55: 7).
4) قبول المسيح كربٍّ ومخلِّص، وفي هذا يقول الكتاب المقدَّس :"وأمّا كلّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله" (يوحنا 1: 12)، "لأنّك إِنِ اعترفت بفمك بالرّبّ يسوع، وآمنت بقلبك، أنّ الله أقامه من الأموات فإنّك تَخلُص" (رومة 10: 9)، "إذًا، إن كان أحدٌ في المسيح، فهو خليقةٌ جديدة" (2 كورنثوس 5: 17).
5) "سكنى روح الله في الإنسان"، في هذا يقول الكتاب المقدَّس: "إذ آمنتم خُتِمتم بروح الموعد القدُّوس" (أفسس 1: 13)، "أم لستم تعلمون أنّ جسدكم هو هيكلٌ للروح القدس" (1 كورنثوس 6: 19)، "إنّما أقول: اسلكوا بالروح، فلا تَقضُوا شهوة الجسد" (غلاطية 5: 16)، "وأجعل في داخلكم روحًا جديدًا، وأنزع قلب الحجر من لحمهم، وأُعطيهم قلب لحم" (حزقيال 11: 9)، "المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يوحنا3: 6).
ستقول: كيف أفعل كلّ هذا؟ إنّه أمرٌ صعبٌ جدًّا وكثير، فكيف أفعله؟ ليس صعبًا، بل هو أمرٌ لا يأخذ من الإنسان سوى بضع ثوانٍ أو دقائق معدودة. فإنّ الدَّور الأصغر عليك والدَّور الأكبر على الله. مثلما تتعطَّل سيارةٌ عن الحركة والسبب هو انتهاء البنزين منها. فكلّ ما على صاحبها أن يفعله هو أن يملأ السيارة بالبنزين. لكنّ الدَّور الأكبر هو على البنزين. فهو الذي يحترق حتّى تسير السيارة. كذلك أنت الآن وبعد أن فَرِغَت روحك من كلّ شيءٍ جيّدٍ في الحياة. فقط عليك أن تذهب للشخص الوحيد الذي لديه القدرة على خلاصك وتطلب منه. وهو بدوره عليه أن يُغيِّرك. فكلّ ما عليك هو أن تذهب إلى الله شخصيًّا وتعترف بحالتك وتطلب منه أن يُغيِّرها والدَّور الأكبر في تغييرك هو على الله وليس عليك.
كيف يعرف الإنسان أنّه وُلِدَ من جديد؟ وما هي مظاهر الولادة الثانية؟ نقول: إنّ المولود من الله:
1) يُحِبّ الله وله شركةٌ معه: "عطشت إليكَ نفسي" (مزمور 63: 1)، "تشتاق وتذوب نفسي إلى ديار الرّبّ" (مزمور 84: 3)، "إلى اسمك وإلى ذكرك اشتياق النفس، نفسي في اللَّيل اشتاقَتْكَ، وروحي في داخلي تَبتكر إليكَ" (أشعيا 26: 8-9).
2) يُبغض الخطيئة: "كلّ مَن يثبت فيه لا يُخطئ، كلُّ مَن يخطئ لم يبصره ولا عرفه" (1 يوحنا 3: 6)، "كلّ مَن هو مولودٌ من الله لا يفعل خطيئة، لأنّ زرعه يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطئ لأنّه مولودٌ من الله (1 يوحنا 3: 9).
3) يصنع البِرّ: إن علمتم أنّه بار، فاعلموا أنّ كلّ مَن يصنع البِرّ مولودٌ منه" (1 يوحنا 2: 29).
4) يحفظ وصايا الله: "بهذا نعرف أنّنا عرفناه إن حفظنا وصاياه" (1 يوحنا 2: 3)، "مَن قال إنّه ثابتٌ فيه ينبغي أنّه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضًا" (1 يوحنا 2: 6).
5) يُحِبّ الآخرين: "نحن نعلم أنّنا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأنّنا نُحِبّ الإخوة" (1 يوحنا 3: 14)، "مَن قال إنّه في النور، وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة" (1 يوحنا 2: 9)، "إن قال أحدٌ إنِّي أُحِبّ الله وأبغض أخاه فهو كاذب، لأنّ مَن لا يُحِبّ أخاه الذي يراه، كيف يستطيع أن يُحِبّ الله الذي لا يبصره (1 يوحنا 4: 20).
6) يغلب العالم: "إن أَحَبَّ أحدٌ العالم، فليست فيه محبّة الآب" (1 يوحنا 2: 15)،" العالم يمضي وشهوته، وأمّا الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1 يوحنا 2: 17).
7) يَثبت في الله: "لأنّنا قد صرنا شركاء المسيح إنْ تمسَّكنا ببداءة الثقة ثابتة إلى النهاية" (عبرانيِّين 3: 14)، "كن أمينا الى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 2: 10).
أفلا تتوق إذًا إلى أن تنال الولادة الجديدة؟
ولادة الإنسان الجديد خروجٌ دائم
مشكلة الإنسان هي أن لا يشعر بوجود الله
لنطرح سؤالًا، ونُجيب عنه، كمقدّمة بسيطة لما سيأتي تباعًا. ورغمَ أنّ الجواب سيصدمكم لا محالة، لكن الجرأة والصراحة يجبُ أن تتوفّر في علاقتنا مع الله! ومع إيماننا المسيحيّ ككلّ. فالخوفُ شللٌ وفقدان العلاقة مع الله وتشويه الصورة الحقيقيّة.
هل نتوصّل يومًا إلى الإستطلاع، أو معرفة ماهيّة الله وجوهره؟ الجواب هو: نعم ، بدون أدنى شكّ.. لكن، كيفَ يمكنُ هذا؟ إنه جنونٌ.
مَن عَرَف جوهر الله ؟ مَن أدركَ كنه الله وأسراره؟ نعم، مؤكّد أنّ الجواب خطيرٌ جدّا، لكننا وبكلّ صدق، علينا أن نكون جريئين: يسوع الناصريّ. نعم، مع يسوع كلّ ما نريده من الله، عرفناه. فيسوع هو جوهر الله. ولا يمكننا أن نفكّر في الله ونتأمّل به، خارجًا عن واقع وتاريخ يسوع الناصريّ. لكن، فلننتبه جيّدا لأمر مهمّ: أيّ واقع يا تُرى هذا الذي، من خلاله، ندرك جوهر الله؟
إنه واقع "الخبرة الفصحيّة"، آلام – موت – قيامة. فسرّ العلاقة البنويّة هي: ألم وموت وقيامة. وهذه الأمور الثلاثة ظاهريّا، هي، واحد. فكما يقال دائمًا: إنّ قيامة يسوع هي في آلامه وموته؛ إنّها خبرة حياة، وليس وهمًا أو أسطورة من أساطير هوميروس وغيرها.
هذا التفسير، لا ينطلقُ من: الــ "أتصوّر"، و "أظنّ"، أو من المزاج أو المصادفة. إنه ينطلقُ من بشر لهم حدودهم وأطباعهم وحضاراتهم. الله ليس جماد، بل أيقونة حيّة، متحرّكة، نحو الأمام، نحو المستقبل. وما قصّة المجوس الذين نراهم في إنجيل متّى 2، إلاّ اختصارًا لكلّ المسيرة الطويلة في اكتشاف الإنسان لله. فالنجم: هو الطبيعة وعبادتها كـ "مرحلة البدايات"، وفيه نرى، الطبيعة مجمعُ الآلهة، آلهة البدايات، آلهة الطبيعة، إله المعابد.. إلخ
جاءَ الوحي كاشفا لنا واقعًا حيّا، إله الوعد، إله الطريق، إله يعطي علامات، إله التاريخ الواقعيّ. وهذا ما نراهُ في الكتاب المقدّس: مسيرة العهد القديم، وأخيرًا سيقولُ الإنجيل بحسب متّى: سترونَ طفلا! أي الإنسان. إنه بداية حضور الله الدائم مع الإنسان. انتهى زمنُ الشعور الدينيّ البدائيّ القديم المتمثّل في عبادات ٍ وهميّة لآلهة منوّعة.. يلتجأ إليها الإنسان من أسفل إلى أعلى… وبدأت مرحلة جديدة من أعلى إلى أسفل: الوحي وكشف الله عن ذاته، للإنسان.
ولا بدّ، هنا، أن يولد الشكّ. وولادة المخيّلة والحاجات العاطفيّة.. بعض الناس، لإنّهم فهموا هذا على ضوء العلوم الحديثة، تركوا حتى فكرة الله، أو أصبحوا "لا دينيّين"، لا مبالين بوجود الله وبعلاقتهم معه، إلاّ من خلال العلم والبحث التجريبيّ. فهناك فرقٌ بين فكرة الله، وبين الله حسب الخبرة الفصحيّة.
هنا نحنُ نعملُ بحسب المثل الذي يقول: التجربة أكبرُ برهان، ومن عاشَ واختبرَ، اكتشف أكثر من مجرّد البرهان الخارجيّ الرياضيّ للأمور، أي من الخارج.
يسوع هو، طريقٌ. وطريقٌ ليس سهلا ومبلّطا. بل مليء بالمطبّات ومحفوفٌ بالمخاطر. هناك من لا يريد أن يخاطرَ ويغامر؛ ويفضّل الركون للراحة، والاستقرار. يسوع يكشف لنا الله: أبًا وابنا وروحًا قدسًا، وهو في هذا الكشف، لا يبني "إسكلّة فكريّة" نصعدُ عليها، بل يعطينا طريق الحياة الحقيقيّة .
العلاقة خروجٌ وتحوّل
الإيمانُ هو رغبة، الإنسان جوعانٌ إلى الحبّ. والله يريدُ ويرغبُ في العلاقة، لإنه هو، في ذاته، "خصوبة" وعلاقة دائمة. الله، جوعانٌ للعلاقة. حياته علاقة حبّ وعطاء، ولا يريدُ إلا "العلاقة"، والعلاقة داخل المحبّة، لا يمكنُ أن تكون " فكرة مجرّدة "، أو يمكنُ أن نضعها في مختبر التحاليل العلميّة، فهذا نقضٌ لله ولكيانه، لا يتفلسفُ يسوع أبدًا في كشفه لله كالعُلماء اليوم، فإنه لا يُدخل الله في الفلك والرياضيّات والعلوم ومسارات الكواكب… إلخ. بل يكشفه "أبٌ" ! علاقة الله هي كيانية جوهريّة وجدانيّة، تشمل الإنسان ككلّ لا جزءًا منه.
خطرُ العلاقة، هو التقوقع على ما عندنا، فالانغلاقيّة، كما ذكرنا، هي وجود مغلق على الله وعلى الحياة. وانتفاخٌ في الذات وغرورٌ على ما يمليه علينا فقط العلمُ بدون الله
الإنسانُ يقف أمام ذاته ليطرح أسئلة: من أنا؟ من أين أتيتُ؟ ولماذا؟
وهذه الأسئلة، التي في سكينة خلوته، يطرحها الإنسان دائمًا، ولو بصوتٍ غير مسموع، لا يمكنُ أن يجد لها جوابًا من خلال العالم والتقنيّة، فإن أردنا أن نكتشف الجواب عن هذه الأسئلة الجوهريّة بواسطة العالم والعلم فقط، فإننا سنضعُ أنفسنا في تجارب ابليس الثلاث ليسوع الله يريدُ أن يدخل في علاقة مع الإنسان من خلال: التساؤل، البحث، التأمّل، الإستمراريّة، والخبرة، والعلاقة، والأهمّ: أن نكتشفَ سرّ الدهشة. وهنا، نستطيعُ القول: إنّ يسوع، في كلّ حياته، كان مصابًا بالدهشة والتعجّب في عمق كيانه .. دهشة المحبّة والعلاقة مع الله ليكشفها للعالم المحتاج لها اليوم الله، هو إتصالٌ. والإتصالُ يحتاجُ إلى لغة، واللغة التي يريدها الله: المحبّة والتواضع. لإنّ جوهر الله وكيانه هو: المحبّة والعطاء والتخلّي. فسرّ كلّ علاقة حقيقيّة، يمكنُ كشفها، إذا نظرنا إلى: خبرة الأبوّة والأمومة. فهذه العلاقة، هي علاقة خروجٌ وتحوّل من – وإلى – الآخر. ما هو سرّ الأمّ أو الأبّ؟ إنه الحبّ، البذل، التخلّي. إنه العيش في الآخر. فهذا الطفلُ الذي هو، قطعة لحم صغيرة، خرجَ من رحم الأمومة. والإتصال بين الأمّ وطفلها، ليس إتصالا فكريّا، بل هو سر كبير. إنه ليس مجرّد فطرة وعفويّة. بل مشاعر وأحاسيس. لا يمكنُ أن نفسّرها بكلمات، لأنّه مستحيل.