تقرير خاص عن الفقر في الأحياء العربية
الأستاذ حسين اغبارية: "يجب وضع سياسة لتعزيز العدالة الاجتماعية والقومية وسدّ الفجوات الاجتماعية – الاقتصادية بين سكان المدينة".
مخطط المدن عروة سويطات "يجب الانتقال في الحلول من أزمة صراع البقاء إلى خدمة الأجيال القادمة"
تكشف صحيفة "حيفا" معطيات خطيرة ومقلقة عن الفقر في الأحياء العربية، والتي تشير إلى نسبة بطالة مرتفعة جدًا ومستوى معيشة منخفض للغاية، وهذا في ظل غياب التطوير التخطيطي والاستراتيجي وانعدام الفرص الاقتصادية المتساوية. نعرض في هذا التقرير الخاص أهم المعطيات عن الفقر في الأحياء العربية في حيفا، بناء على المسح التخطيطي والبحث الميداني "حيفا: المجتمع والأحياء العربية، معطيات قضايا ومطالب"، الذي أجراه مخطط المدن والمستشار التنظيمي عروة سويطات بطلب من جمعية التطوير الاجتماعي في حيفا.
معطيات خطيرة
وجاء في الدراسة أن هناك تفاوت اقتصادي حادّ بين الأحياء العربية وسائر أنحاء المدينة، فالأحياء التاريخية وادي النسناس، الحليصة، الحي الشرقي والبلدة التحتا هم الأكثر فقرًا في المدينة، إذ تشير الخرائط والمعطيات الأخيرة في الدراسة أن أكثر من ١٧ ألف عربي هم تحت تهديد شبح الفقر، فمستوى المعيشة المنخفض والفقر والبطالة في غالبية الأحياء العربية التاريخية هو الأكثر ارتفاعًا على مستوى المدينة وبفجوة كبيرة عن المعدّل البلدي العام.
بطالة حادّة وشحّ فرص العمل
أظهرت الدّراسة أن نسبة البطالة في الأحياء الحليصة والشرقي ووادي النسناس هي أكبر بكثير من المعدّل البلدي، بينما نسبة المشاركة في سوق العمل في عباس الأعلى (شارعي المطران حجار وجميل شلهوب) والألمانية هي أكبر من المعدّل البلدي. يعمل في حيفا الالاف من العرب من المنطقة المحيطة في حيفا فهناك ما يقارب 4 الاف عامل عربي من منطقة شفاعمرو وعسفيا والدالية الذين يعملون في حيفا يوميًا، من مجمل 152 ألف عامل في حيفا.
لائحة: نسبة القوى العاملة بحسب المنطقة. 2012. (عروة سويطات 2013).
* نشير إلى أن القصد في (وادي النسناس 1،2،3) هو تقسيم جغرافي لحيّ وادي النسناس، والفصل بين عبّاس الأعلى وعبّاس التحتا هو من الدوّار المركزي في شارع عبّاس.
لائحة: نسبة العاملين بحسب المهن. 2012. (عروة سويطات 2013).
وكما تبيّن الدراسة أن نسبة الذين يعملون بمهن أكاديمية في وادي النسناس والبلدة التحتا والكبابير والحليصة والهدار والحي الشرقي هي منخفضة جداً عن المعدّل العام. وفي المقابل تظهر الدراسة أن نسبة العاملين في مهنة المبيعات هي مرتفعة نسبيا. إضافة إلى أن نسبة المستقلّين في الأحياء العربية منخفضة، ونسبة الأجيرين في الحليصة هي الأكثر ارتفاعًا.
وتشير الدراسة إلى أن نسبة النساء العاطلات عن العمل في وادي النسناس والحليصة والحي الشرقي والكبابير هي أكبر بكثير من المعدل البلدي. وتبيّن من الدّراسة أن نسبة النساء العاملات في عمل غير مهني هي مرتفعة جداً في الأحياء العربية وكذلك نسبة العاملات في مهنة المبيعات مرتفعة جدًا عن المعدّل البلدي في الحليصة والحي الشرقي وعباس التحتا ووادي النسناس. كما أن نسبة اللواتي يعملن في مهنة أكاديمية في وادي النسناس والبلدة التحتا والشرقي والحليصة منخفضة جدا عن المعدل البلدي.
لائحة: نسبة العاملين بحسب المرافق. 2012. (عروة سويطات 2013).
تبيّن الدّراسة أن نسبة العاملين في سلك التربية والتعليم في حيّ عباس مرتفعة عن المعدّل البلدي وعن باقي الأحياء العربية. بينما نسبة العمل في التجارة وإصلاح السيارات في وادي النسناس والحي الشرقي والحليصة هي أعلى من المعدل البلدي. وتبيّن أن نسبة العاملين في البناء والهندسة في عباس ووادي النسناس والبلدة التحتا أعلى من المعدّل العام.
وأظهرت الدراسة أن هناك 678 عامل عربي في بلدية حيفا، من أصل 4754 عامل في البلدية، 69% من مجمل العاملين في البلدية هم من حيفا و14% من العاملين هم عرب.
وكما أظهرت الدراسة أن نسبة النساء في الحليصة وعباس اللواتي يعملن في قطاع التربية والتعليم هي أعلى من المعدّل العام، بينما النساء اللواتي يعملن في المجالات الصحة والعلاج في الحليصة والحي الشرقي أعلى من المعدّل العام. كما برز في الدراسة أن نسبة اللواتي يعملن في التجارة في حي وادي النسناس وعبّاس الأعلى هي مرتفعة وأعلى من المعدّل البلدي العام.
وجاء في الدراسة أن نسبة الذين يصلون إلى مكان العمل مشيًا على الأقدام في البلدة التحتا ووادي النسناس والحليصة هي أعلى من المعدل البلدي بكثير. بينما السكان العرب في الأحياء الكبابير وألنبي يحتاجون إلى أكثر من وسيلة تنقل واحدة للوصول إلى مكان العمل وبنسبة أعلى بكثير من المعدّل العام. وكما تبيّن أن نسبة الذين استخدموا سيارة للوصول إلى مكان العمل مرتفعة في منطقة عباس الأعلى عن المعدّل البلدي أضف إلى ذلك وجود عدّة مدارس في الحي، ففي ساعات الصباح الباكر (ساعات الذهاب إلى العمل وساعات المجيء إلى المدرسة) يبرز الاختناق المروري في حي عباس إضافة إلى النقص الحادّ في أماكن ركن السيارات لما يقارب 300 سيارة.
خارطة: نسبة المسجلين في أقسام الخدمات الاجتماعية والرفاه. 2012. مركز الإحصاء المركزي.
وتبيّن من خلال البحث أن غالبية الحاصلين على خدمات الرفاه الاجتماعي هم من الأحياء العربية، وهذا يدلّ على أزمة النهوض في الأحياء العربية وفي نفس الوقت على استثمار معيّن للبلديّة في مجال الخدمات الاجتماعية، بينما نقص في الخدمات الأخرى.
إذ تبيّن من خلال البحث أن 25% إلى 33% من سكان الاحياء العربية التاريخية معرّفين كذوي حاجة ماسّة للخدمات الاجتماعية بينما في الكرمل تصل النسبة إلى 3%، الأمر الذي يدلّ على فجوة اجتماعية واقتصادية حادّة بين الأحياء العربية والأحياء اليهودية في المدينة.
وفي حديث مع مخطط المدن عروة سويطات، الذي أجرى الدّراسة، حول الخدمات البلدية يقول "تستثمر بلدية حيفا في معالجة أزمة الفقر في الأحياء العربية من خلال توفير خدمات رفاه اجتماعي وخدمات اجتماعية في الأساس، ولكن هذه الطريقة لا تخرج الانسان والحيّ من دائرة الفقر بل تعتمد سياسة تطفئة الحرائق".
وأضاف سويطات قائلا "يجب إيجاد حلول جذرية تنمّي الأحياء وتوفّر فرص العمل والتطوير الاقتصادي، إذ أدّت عدّة مشاريع بلدية إلى إضعاف وادي النسناس والبلدة التحتا من ناحية اقتصادية، على سبيل المثال أدّى مشروع أنفاق الكرمل والذي يعتبر خط مروري سريع عابر حيفا، إلى تقليص حركة السير عبر البلدة التحتا، وذلك إلى جانب المجمّعات التجارية "جراند كنيون" و"كنيون حيفا" و"ماتام" و"ليف همفراتس" الذين أدّوا إلى إضعاف الهدار والبلدة التحتا تجاريًا بسبب جذب المحال التجارية الكبيرة من خلال المحفزات الاقتصادية وإبقاء تصنيف الأرنونا في البلدة التحتا مرتفعا نسبيًا ممّا لا يشجع المبادرين إلى تطوير تجاري في المنطقة مثلا تصنيف الأرنونا للمحال التجارية في شارع يافا هو "منطقة أ" كمركز الكرمل بسبب تعريف المنطقة كمنطقة تجارية مركزية، وهذا يضعف قدرة التجار البقاء في المنطقة".
الشبيبة العربية في خطر
خارطة: نسبة الحاصلين على شهادة بجروت. 2012.
وفي ظل ذلك بيّن البحث معطيات خطيرة حول العمل عند أبناء الشبيبة، إذ وجد البحث أن ما يقارب 30% من الشبيبة العربية في وادي النسناس ما بين الأجيال 15 -17 عامًا، يعملون خلال السنة، وفي المقابل نسبة الشبيبة العربية في الأحياء التاريخية الحاصلين على شهادة بجروت هي منخفضة جدًا ونسبة التسرّب من المدارس مرتفعة للغاية.
حسين اغبارية "بادرنا للدّراسة في ظل غياب التطوير والتخطيط البلدي"
وفي حديث مع الأستاذ حسين اغبارية، مدير جمعية التطوير الاجتماعي في حيفا قال "لقد جاءت دراسة الجمعية التي بادرنا اليها في ظل غياب التخطيط البلدي وشبه انعدام الرؤيا الاستراتيجية لأحيائنا العربية كافة فهناك العديد من القضايا والمشاكل المتفاقمة التي تواجهها أحياؤنا والتي أظهرها هذا البحث التخطيط والميداني الذي أشرف على تنفيذه من قبل الجمعية وأجراه الأخ مخطط المدن عروة سويطات".
وأضاف اغبارية قائلا "لم تفاجئنا نتائج ومعطيات البحث بل أكدت ما تداولناه وطالبنا به مرارًا وتكرارًا من بلدية حيفا وإداراتها المتعاقبة وأقسامها المختلفة، فمن المعطيات المؤكدة من البحث أن السكان العرب اللذين يسكنون في الأحياء التاريخية التقليدية هم الأكثر فقرًا والمستضعفين والمهمّشين من كل الأحياء الأخرى في حيفا المدينة".
وأشار اغبارية قائلا "فمن المشاكل الحياتية التي يعاني منها سكّان الأحياء العربية التقليدية الحليصة والحي الشرقي والبلدة التحتا ووادي النسناس بشكل خاص نذكر البطالة العالية التي تصل إلى ما يقارب 30%، مع العلم أن البطالة في صفوف النساء أعلى بكثير، وهذا في ظل أزمة السكن وانعدام البنى التحتية التي تسبب أزمات خانقة في الأحياء".
وأكّد اغبارية بناء على ما ذكر واستنادا إلى معطيات الدّراسة قائلا "أن هناك حاجة إلى وضع سياسة لتعزيز العدالة الاجتماعية والقومية وسدّ الفجوات الاجتماعية – الاقتصادية بين سكان المدينة. إضافة إلى الحاجة لبناء خطة اجتماعية – اقتصادية للرّفع من مستوى المعيشة عند السكان العرب في وادي النسناس والحليصة والحي الشرقي والكبابير والهدار(بسبب كونهم تحت المعدّل البلدي)".
مطالبًا بوجود "تمييز مصحّح للغبن الذي لحق بأحيائنا العربية وخاصّة التاريخية التقليدية منها، فمن الطفرة العمرانية الاقتصادية التي شهدتها حيفا في السنوات الأخيرة كإقامة المجمّعات التجارية وشق أنفاق الكرمل انعكس سلبًا على أحياء البلدة القديمة. رغم ذلك بقي تصنيف الأرنونا مرتفعا كما هو عليه ففي البلدة التحتا، ممّا لا يشجّع المبادرين إلى الاستثمار في هذه الأحياء، وبحسب لقاءات مع مجموعة من التجار من شارع يافا وألنبي ووادي النسناس أشاروا إلى حاجتهم بتوفير دعم من البلديّة لتعزيز المحال التجارية في المنطقة، والتخفيض من تصنيف الأرنونا".
وقال اغبارية "لا بدّ لنا في هذا السياق إلى الإشارة إلى تجاهل المؤسسات الرسمية لتطوير المرافق والمناطق العربية فنذكر مثلا، بحسب الدّراسة، أن منظمة اليونسكو قد أدخلت للميراث العالمي منطقة البهائيين والحي الألماني إلى قائمة المراكز الثقافية العالمية، دون شمل مراكز تاريخية فلسطينية. إضافة إلى أن المخططات السياحية البلدية تتمركز في الحي الالماني وحدائق البهائيين دون التخطيط إلى تطوير المركز التاريخي العربي في المدينة كمركز ثقافي يجذب السائحين".
واختتم اغبارية حديثه قائلا "في اعتقادنا هناك علاقة مباشرة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار حتى ننهض ممّا نحن فيه بين التطوير الاقتصادي وتطوير الموارد والمهارات والقدرات البشرية وتعزيز المنالية لفرص العمل وتميّز التطوير السياحي والتجاري في الأحياء العربية".
عروة سويطات "المركز التاريخي العربي هو القلب النابض ولكنه يعاني من جلطة"
وفي حديث مع مخطط المدن عروة سويطات والذي أجرى الدّراسة عن معنى هذه المعطيات قال "تشير معطيات الفقر الخطيرة إلى أن الأحياء العربية التاريخية غارقة في صراع بقاء مستمرّ، لذا يجب الانتقال من ثقافة صراع البقاء في مشاريع التطوير إلى خدمة الأجيال القادمة التي من شأنها كسر دائرة الفقر والنهوض الذي ينبثق من الفرص الكامنة وثروات المركز التاريخي العربي".
وأضاف سويطات قائلا "المركز التاريخي العربي هو القلب الثقافي النابض للمجتمع العربي الحيفاوي، ولكنّه يعاني من "جلطة" في التطوير الاقتصادي والاجتماعي لذا يجب تطوير خطة اقتصادية لتقليص البطالة ومحاربة شبح الفقر وسدّ الفجوات في الأحياء الحليصة والشرقي والهدار ووادي النسناس وتوفير فرص عمل ملائمة للسكان من خلال الاستثمار في توفير أماكن عمل قريبة من المركز العربي وادي النسناس والبلدة التحتا والحليصة وتسهيل الوصول إليها".
وأشار سويطات قائلا "هناك أهمية إلى الدمج بين التطوير الاجتماعي والإسكاني مع التطوير الاقتصادي في الأحياء العربية وادي النسناس والحليصة، بما أن مستوى المعيشة في البلدة التحتا ووادي النسناس والحليصة أقل بكثير من المعدّل البلدي ومن سائر الأحياء العربية، إضافة إلى نسبة كبيرة من السكان المحميين والمباني المهجّرة التي يتم بيعها للمستثمرين من تل أبيب، فلا يمكن تطوير منطقة البلدة التحتا دون تمكين السكان العرب في المنطقة ووادي النسناس والبلدة التحتا ووادي الصليب، لأن هذا المركز التاريخي والمديني والثقافي والتربوي للعرب في المدينة والشمال، هذا العصب والشريان المركزي لمجتمعنا، وبإمكانه توفير وحدات وحلول سكنية ومرافق اجتماعية ومبادرات اقتصادية سياحية تطوّر البلدة التحتا من خلال تمكين وتطوير المجتمع العربي، سكان المكان الأصليين".
وأضاف سويطات قائلا "على سياسات التطوير في المركز التاريخي العربي أن تهدف إلى تعزيز العدالة والحقوق والمساواة من خلال مشاركة السكان العرب في صناعة مستقبلنا ومصيرنا، وعلى التجدّد المدينيّ أن ينبثق من هموم وحقوق الناس واحتياجاتها ومواردها الاجتماعية والثقافية والبشرية، على التجدّد المدينيّ أن يعزز المركز التاريخي ومعانيه ودوره التاريخي والمستقبلي في المدينة".
واختتم سويطات حديثه قائلا "علينا كمجتمع وقوى مجتمعية وسياسية، التكاتف معًا وتوحيد القوة والنضال والأهداف، وابتكار طرق بديلة للتأثير على واقع الفقر الذي نعيشه من خلال العمل الجماهيري المنظم والاستثمار في رأس المال البشري وتطوير استراتيجيات مجتمعية احتجاجية تربط بين الهموم اليومية للناس وبين الحقوق الجماعية المستقبلية".
[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/176920888920142911063816"]