32 على تأسيس بيت النعمة في حيفا

مراسل حيفا نت | 17/09/2014

 

نايف خوري

بادر المرحوم كميل شحادة برفقة زوجته لتأسيس بيت النعمة، قبل 32 سنة، ليصبح مؤسسة اجتماعية خيرية، تقدم المعونة للمحتاجين في كافة مرافق الحياة الاجتماعية والسلوكية، دون تفرقة في الدين أو العرق أو الجنس.

ولكن يد المنون اختطفت مؤسسها كميل شحادة وهو لا يزال في أوج عطائه عام 2000، غير أن زوجته الساهرة على المشروع تابعت طريقه النبيل، وجمعت أولادها حولها، وقادت مسيرة زوجها في العمل على النهوض ببيت النعمة ليحقق الأهداف التي وضعت نصب أعينهم. واحتفلت المؤسسة يوم الاثنين الماضي، الثامن من أيلول، بمناسبة تأسيس بيت النعمة، والذي يصادف عيد ميلاد السيدة مريم العذراء.

التقينا بجمال شحادة، نجل المرحوم كميل شحادة، وهو المدير العام لبيت النعمة:    

–       لنتعرف أولا على بيت النعمة

–       بيت النعمة مؤسسة خيرية اجتماعية تأسست سنة 1982 على يد والدي المرحوم كميل شحادة وزوجته أغنيس. والفكرة هي أن يصبح هذا البيت مأوى للمحتاجين، المساجين، نزلاء شارع، عائلات مستورة، التي يمكننا أن نقدم فيه الدعم والمساعدة قدر استطاعتنا بدون أي تفرقة، عِرق، جنس ودين. طبعا بمشيئة ربنا ومساعدته وتحت رعاية العذراء التي نحتفل بميلادها، استطعنا أن نتمم الرسالة على مدى 32 سنة ونحاول أن نكملها حتى بعد وفاة الوالد سنة الألفين.

–       ونشاطكم اليوم يتعدى حيفا أيضا.

–       نعم، نحن نعمل في الأراضي المقدسة تقريبا في كل مكان خصوصا مع المساجين، أما العائلات المحتاجة والشباب في خطر فنحن نركز نشاطنا في منطقة حيفا. وبما أن الخدمات التي تعطيها البلديات قد تطورت أكثر من ذي قبل، فقد تعاملنا في سنوات سابقة مع كل أنحاء الجليل.

–       ماذا تقدمون في المؤسسة في بيت النعمة، وماذا تفعلون؟

–       بيت النعمة هو كاسمه بيت، ويحتضن هذا البيت المساجين، الذين يسكنونه هنا مع عائلتنا، نتناول طعامنا على مائدة واحدة، نعيش في نفس المكان، وفي ذات الوقت نساعدهم حتى يتأهلوا للعيش في المجتمع، وحتى تصبح لديهم فرصة أخرى كآدميين ليروا جوانب أخرى في الحياة، فيتقدمون بها ويعودون أناسا طبيعيين في المجتمع. هذا بالإضافة إلى الخدمات الأخرى التي نقدمها للعائلات المحتاجة والشبيبة في خطر في المركز عندنا هنا، ونساعدهم حتى يتقووا ويقفوا على أرجلهم دون مساعدة أحد.

–       أعداد كبيرة من المحتاجين هم الذين يحصلون على هذه الخدمات؟

–       لدينا هنا مكان لخمسة عشر سجينًا، يسكنون معنا. وخلال السنة نعمل مع حوالي مائة وعشرين شابا وصبية في مركز الإثراء للشبيبة في خطر، ونعمل مع حوالي 300 عائلة من منطقة حيفا. وكما ذكرت من قبل، فإننا نقدم المساعدة للعائلات والأفراد من كافة الطوائف والجنسيات الذين يأتون إلينا للحصول على الخدمات.

–       من هم المساجين الذين يأتون إلى هنا وما هي نوعية جرائمهم؟

–       كل أنواع الإجرام الناتج عن استعمال المخدرات، ويمكن أن يكون من القتل وحتى السرقة. كل أنواع الجريمة ما عدا السجناء السياسيين وأصحاب السوابق في الاعتداءات الجنسية. فهؤلاء لا نستطيع استقبالهم. وأما غير ذلك فمن أي نوع.

–       هل تقومون بعملية تأهيل هنا؟ كيف يتم ذلك؟

–       أولا أنت تنظر للإنسان السجين هذا الذي يخافه المجتمع والمجتمع ينبذه ولا يريده، كإنسان. هكذا علمتنا الكتب السماوية وهذا ما أرشدنا إليه السيد المسيح، أن كل إنسان خلق على صورة الله ومثاله، وهذا عنواننا أولا بالتعامل معه. ثم نجد مكانا لتشغيل السجين وتوفير العمل له لكي يتقاضى راتبا. القضية غير سهلة، والجميع يخافون ذوي السوابق. ونعود لنبني له علاقة مع العائلة، وعندما تنتهي فترته عندنا سيتمكن من الخروج إلى مكان يأويه ويستبقله، ويعود ليصبح جزءا من المجتمع وغير منبوذ، لئلا يعود لينتقم من المجتمع,

–       كيف يتم اختيار المساجين حتى يأتوا للتأهيل عندكم هنا؟

–       لدينا طاقم مهني مختص، ونحن نقوم بالزيارات داخل السجون ونلتقي بالسجناء، ونرى أولا إذا كان السجين على استعداد تام لكي يساعد نفسه، نحن لا نستطيع فرض مساعدتنا على أي شخص. وكل من يحتاج إلى مساعدة ويرى أنه يريد المساعدة نقدم له الأدوات حتى يتمم هذه العملية، وطبعا بعد فترة من العمل واللقاءات والتقارير التي نحصل عليها من العاملين الاجتماعيين عن السجين داخل السجن، نقرر إذا كان ملائما لكي يحضر إلى هنا أم لا. ولكن عندما يأتي إلى بيت النعمة يبدأ مرحلة ذات تسعة أشهر، ويسكن معنا هنا، ويعيش عندنا، ويمارس حياته العادية والطبيعية، طبعا بإشراف المسؤولين في المؤسسة، فيخرج إلى العمل، وبعد انقضاء فترة التأهيل يعيش حياته في المجتمع. ونحرص على دوام الاتصال به والاطمئنان عنه، فيأتي إلينا مرة في الشهر، وهنا يتم فحصه لنرى نتائج المخدرات والكحول عليه، وإجراء لقاء مع العاملة الاجتماعية، ونتمم مسيرتنا معه حنى نقويه ويتمكن من الاعتماد على نفسه.

–       ونأتي إلى أهم مشروع قمتم به هنا وهو مشروع تجديد الكنيسة.

–       نعم كنيسة السيدة هي الكاتدرائية الأولى لحيفا من أهم الكنائس الموجودة فيها من الناحية التاريخية، وفيها ضريح المطران غريغوريوس حجار والمطران مكسيموس سلوم. كانت مهجورة حوالي 40 سنة حتى جاء الوالد والوالدة عام 1982 وبدأنا بأعمال الترميم حتى تصبح القلب النابض لمؤسسة بيت النعمة، وطبعا كل عملنا هنا نقوم به تحت بَركة السيدة العذراء، وأعتقد أن هذه واحدة من الأمور التي تجعلنا نتابع مسيرتنا وإيماننا بالله تعالى والعمل بحسب الإنجيل وحماية سيدتنا مريم.

–       الكنيسة مستعملة اليوم ويؤدي فيها المؤمنون صلواتهم.

–       أكيد، فإن كنيسة السيدة اليوم هي جزء فعال في قلب رعيتنا، ونمارس فيها جميع الطقوس والشعائر الدينية كالجنازات والأكاليل والعمادات والصلوات المختلفة وخدمة أسبوع الآلام، إلى جانب الصلوات العادية في الآحاد والأعياد.

–       لا بد أن لهذا المشروع تكاليف باهظة والأمور التي لديكم بحاجة لميزانيات مالية.

–       لدينا ميزانيات التي يتم إقرارها في آخر السنة على يد محاسب، طبعا لدينا هنا مشروع ضخم كترميم الكنيسة الذي قمنا به، ومشروع التأهيل ومساعدة المحتاجين في المجتمع، وهذا يتطلب تكاليف كبيرة تأتي كلها من التبرعات، والحمد لله لدينا أشخاص كرماء جدا في الأراضي المقدسة وخارج البلاد الذين يساعدوننا على الدوام. وإذا أعطيتك تقديرا للمبالغ التي نصرفها على الفعاليات التي تجري عندنا في كل سنة فهو من 400- 500 ألف دولار.

–       بالإجمال كيف تنظر إلى 32 سنة التي مرت وخاصة إذا كانت النتائج المرجوة تتحقق؟

–       بالنسبة لي، أنا جمال، الذي كان عمري حوالي شهر عندما فتح والدي المؤسسة وأتيت إليها، لا أرى سوى النعمة. النعمة ليست من الناس بل هي نعمة لي. فاليوم عندما تعطي ويعود إليك هذا المحتاج بالشكر والابتسامة، أو ترى الفرحة عمّت بيتًا معينًا، فهذه هي النعمة بالنسبة لي. وأكيد حققنا نجاحات كثيرة. ويكفي عندما ترى إنسانا واحدا سعيدا فهذا يغنيني عن كل أموال الدنيا، ويمنحني اكتفاءً ذاتيا، بحيث يصعب على الإنسان أن يشرحه، ويصعب أن يتحدث عنه، لأنه شعور داخلي لوحده فقط يجعلك تشعر بالاكتفاء.

–       شكرا جزيلا وكل عام وأنتم بخير.

–       وأنت بألف خير.

وتحدثنا مع أحد النزلاء الذي اعتذر عن الإفصاح عن هويته، وهو يتأهل في بيت النعمة، بعد أن كان سجينا:

–       سجنت على قضية بيع مخدرات وكنت محكوما 6 سنوات وأمضيت 4 سنين، ثم أتيت هنا لكي أتلقى المساعدة، ويقدمونها لي في كيفية العمل والتعامل مع الناس، لأني لم أشتغل في حياتي ولا مرة. وهنا يضموننا إلى الشغل مع المسؤولين عنا. ونأتي فنجد الطعام والحمّام، ومن لديه مشكلة فالعاملة الاجتماعية موجودةـ، يجلس معها وتساعده. إذا كانت لدي أي مشكلة مع الأولاد ومع الزوجة فإنهم يساعدوننا في حل المشاكل. وهنا يأخذون منا ما نقبضه ويعطوننا مصروفا ما يكفي حوالي 4 آلاف شيكل. وأنا كتاجر سموم كنت أكسب كل يوم 4 آلاف شيكل وأصرفها فورا، ولم أستطع التصرف مع الراتب 4 آلاف في الشهر. ولكن هنا يساعدوننا كيف نصرف بعضا من الراتب في الشهر وندخر من 4 آلاف شيكل.

–       كم عمرك؟

–       أنا اليوم 42 سنة

–       وماذا تعمل اليوم؟

–       أشتغل الآن في البناء، وبدأت من قبل في النظافة، وأنا أقوم بأي مساعدة في البناء وأعمل معهم. وأشتغل معهم وأقبض راتبي. والحمد لله

–       أنت تشتغل وتعود للنوم هنا.

–       أنا أشتغل صباحا حيث أخرج الساعة السابعة من هنا، وأعود الساعة 4.

–       كيف ترى؟

–       كيف أرى؟ أنا سعيد هنا، لأن هذه سادس مرة أحبس فيها، وقبل ذلك سجنت 5 مرات. كنت أخرج من السجن، أشرب وأسكر من الفودكا والويسكي وأعود لبيع السموم والمخدرات، وأمضي سنة أو سنة ونصف ثم أعود للسجن مرة أخرى بذات المشكلة، هي هي، فاليوم أصبح عمري 42 سنة وهذه المرة السادسة. وهنا يساعدونك كيف ترى الحياة وكيف ترى أولادك وتعيش معهم، وكيف تتحدث مع زوجتك ومع أهلك. وليس كل الوقت سكر وسكر.

–       وهذه ستكون المرة الأخيرة؟

–       يعني بعد كل هذه المساعدة التي آخذها هذا يكفي، الحمد لله، أنا أشتغل بأربعة آلاف شيكل وعايش، وأتي هنا ونحن مبسوطين، وبعد 5 شهور أنتهي من هنا، وأرجع إلى المسكن إلى الأولاد، ونكمل في حياتنا.

–       وتعيش حياتك طبيعية.

–       إن شاء الله أعيشها طبيعية بدون مشروب، بدون سموم ولا مخدرات، بدون بيع ولا مشاكل.

–       أتشعر بأنك نظيف؟

–       نعم أشعر، أشعر بأني نظيف، فأنام باكرا وأنا مرتاح بلا ضجة، أصحو صباحا لوحدي. أصبح عمري 42 سنة ولم أشتغل بحياتي، هذه أول مرة أشتغل فيها وصار لي 4 شهور أشتغل في نفس المحل الحمد لله، وإن شاء الله سأكمّل المشوار.

–       إن شاء الله. موفق.

–       بارك الله فيك.  

 

                                       

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *