من حيفا إلى العالميّة
إنّ الموسيقى أعذب وأجمل لغات الشّعوب، إنّها لغة عالميّة لا تعرف الحدود؛ ولغة عرّام الموسيقيّة اخترقت الحدود لتصل به ومعه إلى العالميّة.
شابّ حيفاويّ مثقّف، من مواليد حيّ وادي النّسناس العربيّ العريق، يحمل اللّقب الأوّل (B.A) في موضوع الموسيقى، ويحضّر للّقب الثّاني (M.A) في موضوع العلاج بوساطة الموسيقى في جامعة حيفا.
بدأ وسام عرّام التّطبيل في سنّ مبكّرة جدًّا، وعن ذلك حدّثني قائلًا: "بدأت التّمرّن على الدّربكّة (الطّبلة) في سنّ سبع سنوات، ضمن دورات كانت تُعقد في "بيت الكرمة" ("بيت هچيفن")، وكانت في حينه الدّربكّة مصنوعة من الفَخّار". وأضاف: "خلال مثابرتي على التّعلّم والتّطبيل على مدار أعوام، استطعت – لدى بلوغي السّادسة عشرة – إتقان جميع الأنواع (الجانِرات) الإيقاعيّة والتّقليديّة العربيّة في التّطبيل.. ومن حينها بدأت التّفكير في ما هو جديد، التّفكير في تجديد هذه الآلة الإيقاعيّة، تطويرها، وتطويعها". وأكمل، قائلًا: "فور إنهائي الدّراسة الثّانوية، التحقت بمدرسة "ريمون" في "رمات هشارون" لتعلّم موسيقى الجاز".
من الإيقاعات الشّرقيّة البحتة وتعلّقك بالطّبلة إلى موسيقى الجاز.. هل لك أن تفسّر لنا ذلك؟
عرّام: دائمًا كنت أشعر بأنّ موسيقى الجاز تسكنني وأسكنها.. فهي جزء منّي وأنا جزء منها. ورغم الفروقات بين الموسيقى الشّرقيّة والغربيّة، إلّا أنّ حبّي للطّبلة والإيقاعات الشّرقيّة لم يمنعني من الانبهار والتّعلّق وحبّ موسيقى الجاز. كان هدفي الأوّل، من خلال تعلّمي موسيقى الجاز، أن أجد نفسي وأخلق لها موسيقى جديدة، تحوي إيقاعات مختلفة ومغايرة عمّا هو مألوف وموجود. كنت أبحث عن موسيقى تعبّر عنّي، وتتحدّث إيقاعاتها باسمي. كنت أحلم بإيجاد «طبلة جديدة» خاصّة لوسام عرّام، طبلة تميّزه عن غيره، طبلة تحمل بصمته وتوقيعه!
وكيف بدأت بتحقيق حلمك؟
عرّام: بدأت البحث عن إيقاعات غربيّة لأدمجها مع الإيقاعات الشّرقيّة خلال التّطبيل، لخلق لغة موسيقيّة جديدة. فانضممت إلى فرقة جاز، وبدأت التّجوال والسّفر معها، بدءًا من رام الله وانتهاءً بالمشاركة في مِهرجانات جاز دوليّة كبيرة، في الصّين وفرنسا وعدد من الولايات الأمريكيّة المتّحدة. وشاركنا في مِهرجانات جاز كبيرة. هذه المشاركات أكسبتني خبرة كبيرة؛ خصوصًا أنّي كنت أطبّل على آلة شرقيّة، برفقة أرني لورنس، أفضل عازفي السّاكسفون، الّذي كان له بصمة دامغة في عالم الجاز.. فكم كان جميلًا هذا الانسجام التّامّ، بين الآلة الشّرقيّة (الطّبلة/الدّربكّة) والغربيّة (السّاكسفون).. وجدنا معًا لغة جديدة أثّرت في المستمعين وأدهشتهم؛ لغة مزجت ما بين إيقاعات الطّبلة و"ميلودي" (نغم) و"هرموني" (توافق) الجاز. لقد استطعت أن استغلّ «حرّيّة» الجاز لتوظيفها في إيقاعات الطّبلة.
عن أيّ حريّات تتحدّث في الموسيقى الغربيّة، ألا يوجد حرّيات في الموسيقى الشّرقيّة أيضًا؟
عرّام: إنّ "ريتم" وإيقاع الجاز يختلفان عن إيقاعات الطّبلة. لموسيقى الجاز مبنًى خاصٌّ. حيث يمكنك الارتجال لدى عزف الجاز بأسلوب مميّز، وأن تدخله إلى عالمك الخاصّ؛ وهذا ما لم أستطِع فعله في استخدام الطّبلة كآلة شرقيّة، فقط. صحيح أنّ هناك حرّيّات، أيضًا، في الموسيقى الشّرقيّة، ولكنّ ذلك يأتي في إطار محدود ومعيّن. وأنا أحاول أن أخرج عن هذا الإطار، بجمل إيقاعيّة، تحوي موسيقى شرقيّة وغربيّة، موسيقى حرّة تحمل بصمتي وتعبّر عنّي وتتحدّث باسمي.
هل درست الموسيقى الغربيّة؟
عرّام: نعم. عندما قطنت الولايات المتّحدة، دأبت على تعلّم الموسيقى اللّاتينيّة لدى أحد الخبراء فيها. وكنت، دائمًا، أنسب كلّ ما أكتسبه وأتعلّمه من إيقاعات غربيّة، لاتينيّة كانت أو "جازًا"، إلى عالمي الشّرقيّ، أعود بالإيقاعات الغربيّة إلى الطّبلة.. فالطّبلة كانت تستحوذ على تفكيري دائمًا، خصوصًا أنّ هدفي من وراء ذلك كان تحديث إيقاعات الطّبلة.. أسخّر الطّبلة (الدّربكّة) خلال التّطبيل وأحملها إلى عالمي، وأطوّعها وفق إدماج إيقاعاتي الغربيّة والشّرقيّة.
أين تجد نفسك أكثر، في الإيقاعات الشّرقيّة أم الغربيّة؟
عرّام: أطبّل الشّرقيّ البحت، وأتقنه وأعشقه، ولكنّ ذلك لا يناقض أسلوبيَ الخاصّ. بل يُثري ويُغني ويميّز عملي كضابط إيقاع (طبّال). أعمل على («ستايل») أسلوب خاصّ لوسام عرّام، أسلوب لا يشبه أحدًا. أنا أعمل على ذلك منذ سنين طويلة، وها أنا، اليوم، أجد نفسي على الطّريق الصّحيح، بعد مُضيّ قُرابة 15 عامًا.
هل تفضّل أن تكون ضابط إيقاع ملتزمًا أم حرًّا؟
عرّام: في التّطبيل المُلتزم أو المقيّد (الشّرقيّ) أنا أخدم الموسيقى الموجودة وأقدّم للجمهور ما هو مطلوب منّي، بينما في التّطبيل الحرّ فأنا أطبّل لنفسي ولذاتي، أحمل الإيقاعات الغربيّة إلى عالميَ الخاصّ.. أخلق خلال التّطبيل جملًا إيقاعيّة خاصّة، وأتفنّن وأتلذّذ في أسلوب تقديمها.
مع مَن شاركت من الفرق الموسيقيّة المحليّة؟
عرّام: عملت كضابط إيقاع (طبّال) مع غالبيّة الفرق الموسيقيّة المحلّيّة، ومع خيرة المطربين في الأعراس؛ عدا الحفلات والعروض والتّسجيلات الخاصّة. لقد اكتسبت – ضمن مشاركتي في حفلات الأعراس – خبرة كبيرة؛ وكضابط إيقاع تعلّمت الالتزام والقيادة والمسؤوليّة.
وضمن العروض والحفلات الموسيقيّة الخاصّة، شاركت دلال أبو آمنة وڤيڤيان بشارة وسلام أبو آمنة وغيرهنّ، كما سجّلت ألبومًا موسيقيًّا قبل سنة ونصف السّنة، تقريبًا، مع ميشيل سجراوي، حمل عُنوان "پوپ أراب"؛ حيث قدّمت فيه إيقاعات جاز واستمتعت جدًّا بتسجيله. كما شاركت في عروض كثيرة وسط الجمهور اليهوديّ، وعملت مع فرق لاتينيّة عدّة، وجوقات عديدة.
إذًا أنت تقدّم أنماطًا وأساليب عدّة من التّطبيل..
عرّام: كلامك صحيح. يمكنني تصنيف العمل بأربعة أنماط: موسيقى الـ"پوپ" العربيّة في الأعراس؛ الموسيقى العربيّة الكلاسيكيّة في الأعراس؛ "الطّبلة المجنونة"، وهي الطّبلة الّتي أستوحيها من عالميَ الخاصّ وعالم الموسيقى الغربيّ؛ وضابط أو عازف الإيقاعات.. وبهذه الأنماط الموسيقيّة المختلفة أصبحت ملمًّا بضبط الإيقاع في الشّرقيّ القديم والـ"پوپ" عرب الحديث. إضافةً إلى أنّ تعلّمي الإيقاعات الغربيّة أثّر فيّ كثيرًا، وغيّر وحسّن من أدائي وساعد في تكوين عزفيَ الخاصّ.
وهل تعزف على آلة موسيقيّة أخرى، عدا التّطبيل؟
عرّام: درست العزف الكلاسيكيّ على الپيانو، ولكنّي لم أحترفه. إلّا أنّ ذلك ساعدني جدًّا على سماع نغمات الآلات الموسيقيّة الغربيّة بشكل أنجع وأفضل، كما ساعدني على تفهّم عزف الآخرين؛ فأصبحت أعمل على النّغم أكثر خلال التّطبيل برفقة فرق موسيقيّة كبيرة، حيث أصبحت أطبّل بشكل أفضل وأضبط إيقاعاتي بشكل أنجع، وذلك لأنّي أصبحت أسمع الأنغام الموسيقيّة بشكل أنقى، فأعطي بذلك لكلّ آلة «حقّها» على المسرح، كي تُسمَع بشكل أفضل.
وكيف تمّ اختيارك للمشاركة في مهرجان موسيقيّ دوليّ للجاز؟
عرّام: توجّه إليّ منظّمو مِهرجان الجاز العالميّ في أوكراينا، لهدف الاشتراك في هذا المِهرجان الّذي عُقد بداية شهر حَزيران الجاري. وقد شاركت في هذا المِهرجان 41 دولة، ضمّت 270 عازفةً وعازفًا من كبار المحترفات والمحترفين. حيث تمّ اختيار 40 عازفة وعازفًا للتّصفيات النّهائيّة، ومن بينهم تمّ اختيار 15 عازفةً وعازفًا ليتوّجوا فائزين. حيث يقوم الفائزون بتسجيل ألبوم موسيقيّ مشترك في أحد أكبر إستوديوهات التّسجيل العالميّة في أوروپا، كما يحظون بجولة موسيقيّة على مدار شهور في دول أوروپيّة عدّة.
وما هي التّحضيرات الّتي كانت ضمن هذا المهرجان؟
عرّام: بُعيد وصولنا أوكراينا، قمنا بتدريبات مكثّفة يوميّة مع العازفين المشاركين قبل أيّ عرض أمام الجمهور ولجنة التّحكيم، وقد تمّ اختيار العازفين للعزف كفرقة واحدة بوساطة القرعة. بعد التّدريبات واختيار المعزوفة المطلوبة، وخلال العزف الجماعيّ كان ينفرد العازف، أيضًا، ويتميّز في عزفه. فحكم وتقييم لجنة التّحكيم المؤلّفة من عشرة أعضاء من كبار الموسيقيّين والخبراء في هذا المجال في العالم، يعتمد، أساسًا، على العزف الانفراديّ، كما يعتمد على الاندماج والانسجام مع باقي العازفين في الفرقة؛ وقدرة تحكّم العازف بالآلة الّتي يعزف عليها وحرفيّته ومِهنيّته في تطويعها للمقطع الموسيقيّ المعزوف.
كيف وصلت إلى النّهائيّات؟
عرّام: من خلال التّصفيات وخلال وصولي إلى النّهائيّات، تمّ اختياري كأفضل عازف من بين جميع المشاركين عن فئة الإيقاع. وقد حصلت على شهادتين، لا واحدة! شهادة من لجنة التّحكيم صُنّفت بها في المكان الأوّل في الإيقاع؛ والثّانية «محبوب الجمهور»؛ فبتصويت مكثّف على مدار ثلاثة أيّام، تمّ اختياري من قبل الجمهور الموسيقيّ الأفضل من بين المشاركين؛ حيث أحبّ الجمهور تطبيلي وأثنوا عليه. وفي اليوم الأخير، وبعد انتهاء المِهرجان، قدّمت "ماستر كلاس" (حصّة معلم)، حضرها عدد كبير من المعجبين ومتذوّقي الفنّ والموسيقى، قدّمت خلالها شرحًا عن الطّبلة والإيقاعات الشّرقيّة، وتحديدًا عن كيفيّة تحويلي لهذه الآلة الشّرقيّة وإقحامها في إيقاعات غربيّة، وتليينها وتطويعها ونسجها لتندمج بشكل فنّّيّ جميل، يلقى استحسان المستمع.
هل تمّت تغطية الحدث إعلاميّـًا؟
عرّام: نعم، لقد اهتمّت الصِّحافة المحلّيّة والعالميّة بمِهرجان موسيقى الجاز الدّوليّ، وحضرت أكثر من 140 محطّة تلفزة عالميّة بثّت هذا الحدث الهامّ، فالنّجاح كان باهرًا والاهتمام كان عالميًّا. وقد راودني شعور رهيب وفخر كبير يصعب وصفهما.
حدّثنا عن مشاريعك المستقبليّة..
عرّام: منذ لحظة إعلاني ضمن الفريق الفائز، المؤلّف من 15 عازفةً وعازفًا، وحصولي على الشّهادتين، بدأت العروض تنهال عليّ من كلّ حَدَب وصَوب. هذه المشاركة الدّوليّة فتحت أمامي أبوابًا عديدة. فخلال الأشهر القريبة القادمة، سأشارك في مِهرجانات موسيقيّة في روسيا، وبعدها سيتمّ تسجيل الألبوم الموسيقيّ مع أعضاء الفرقة، والتّحضير لجولة موسيقيّة في أنحاء مختلفة من أوروپا.. وهذا بحدّ ذاته أعتبره، شخصيًّا، إنجازًا كبيرًا.
هل تفكّر بالعمل على إصدار ألبوم موسيقيّ خاص بك، أو «كونسيرت» موسيقيّ خاصّ؟
عرّام: أفكّر في ذلك، ولكنّ الأمر ليس بالسّهل؛ فأنا أبحث عن الأفضل قبل أن أقوم بتسجيل أيّ ألبوم أو التّحضير لأيّ «كونسيرت» موسيقيّ. أنا أصبو، دائمًا، إلى الأفضل، فقد رسمت لي طريقًا وها أنا ماضٍ بخطًى ثابتة فيها. وعندما أشعر بأنّ الوقت المناسب قد حان، فسأكوّن فرقة موسيقيّة مميّزة خاصّة بي، لننطلق، معًا، نحو العالميّة.
أتخطّط إلى الاستقرار في الخارج؟
عرّام: سأبقى في مدينتي الحبيبة حيفا، بين أهلي وأصدقائي وأحبّائي، ومن حيفا الحبيبة سأنطلق نحو العالميّة.
وما هو حلم وسام عرّام؟
عرّام: حلم وسام عرّام بدأ يتحقّق.. أريد أن أجد حرّيتي في الجاز وأن أفرد جناحيّ وأحلّق عاليًا مع التّطبيل. أن أقدّم للجمهور والأجيال الصّاعدة نوعًا جديدًا من الإيقاعات، نوعًا مميّزًا من الطّبلة؛ فرغم كوني طبّالًا إلّا أنّي أتميّز بالموسيقى الغربيّة، وموسيقى الجاز خصوصًا. أنا لا أقلّد أحدًا؛ لأنّ مثاليَ الأعلى – كان دائمًا وأبدًا – وسام عرّام الخياليّ، ذلك الشّخص الّذي رسمته في بالي.. وها هو حلمي بدأ يتحقّق فعلًا، فمشواري الفنّيّ نحو العالميّة قد بدأ..!
ويكون بذلك وسام عرّام الحيفاويّ/الدّوليّ أوّل طبّال عربيّ يحمل شهادتين دوليّتين ضمن مِهرجان دوليّ للعزف، شارك فيه كبار العازفين في العالم.
كلّ الاحترام عرّام.. وإلى الأمام.
[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/68752923220132506070027"]