تعود مجدّدًا إلى منصّة مسرح الميدان، برعاية جمعية بلدنا وحَراك حيفا، يوم الثلاثاء 4.6.2013 مسرحيّة "في ظلّ الشهيد" – مونودراما يؤدّيها وسيم خير وكتبها الفنان الراحل فرانسوا أبو سالم. كان يفترض أن يسافر وسيم إلى بيروت لعرض المسرحية في مهرجان مسرح "دوّار الشمس" للمسرحيين الشباب الذي خصّصه المخرج اللبناني ومدير المهرجان روجيه عسّاف لتكريم الفنان الراحل فرانسوا أبو سالم، وخطط أن تعرض في افتتاح واختتام المهرجان. ولكن كلّ إجراءات استصدار وثيقة سفره من السلطات الإسرائيلية لم تسفر سوى عن خيبة امتدّت بين بيروت وحيفا.
لماذا نعيش كلّنا "في ظلّ الشهيد" إذا كنّا جميعًا أبطالاً مثله؟! نعتقد ونحن نلاحق حلمنا الفرديّ أننا أصحاب رسالة تتكامل مع رسالة الفدائيّ المقاوم، إنها "مقاومة من نوع آخر" نقول. ونحن في الواقع نستمدّ شرعية هذه الفكرة من الفدائي نفسه، وإلاّ فلا قيمة لهذا الوهم الذي يحفظ ماء وجوهنا… وينطبق هذا على سيرة الأخوين نضال وجابر من أيّام الانتفاضة الأولى إلى مابعد أوسلو. ولكن شيئًا ما يرتبك في هذه المعادلة السهلة المريحة.
قطع طالب الطبّ نضال حلمه بالضبط مع استشهاد أخيه جابر، وفقد معنى الحياة، وهو يبحث عن موت له معنى كموت أخيه "البطل".. وفي الوقت نفسه يشكّ في "جدوى" قتل 18 يهودي في تلك العملية الاستشهادية في نتانيا. المسرحية مُرّة مُرّة كثيرًا، كأنّها قصة فشلين فلسطينيين!! كأنّها قصة إخفاق مشروع التحرر الوطني الفلسطيني.
نضال ما زال منذ قطع دراسته واقفًا يحرس مستشفى للأمراض العقلية، يُراوحُ بين العقل والجنون، لا هو عاقل خارج المستشفى ولا هو مجنون داخله. مشبّعًا بمشاعر الفشل: فشله هو وأخيه، يقترب من فقدان عقله، علمًا أن "وظيفة الدماغ" في صنع المعاني والخيارات المختلفة هي الرسالة التي كان يستعدّ للدفاع عنها حين استشهد جابر. ولكن حكاية هذه المسرحية لا تكتمل إذا لم نذكر أن فرانسوا أبو سالم الذي انتحر بحثاً عن المعنى نفسه، هو من كتب نصّ المسرحية.
ومن ملخّص كراسة المسرحية نقرأ: (الانتقال من «عقل القطيع» إلى «العقل المبدع»، يعني، بحسب البوّاب/ البروفيسور، التخلّص من البقايا الحيوانية في الأدمغة البشرية، كما يحمل رفضاً للعلاقات القائمة على القوّة والقهر والتمييز والاضطهاد، وخروجاً من التبعيّة العمياء للزعيم أو الجماعة. هنا يكرر فرانسوا أبو سالم مراراً اقتباسه عن الفيلسوف الإغريقي إبيكتيتوس «ليس العالم هو سبب معاناتنا، بل طريقة نظرنا إلى العالم حولنا»).
وسيم خير "يكْفتُ" نفسه وقلقه كلّه
وسيم خير – الفنان الشابّ صاحب الرسالة، (الفن كمقاومة) "يكْفت" أمامنا نفسَه، وقلقَه كلّه، في أداء مهووول طيلة هذه هذه المونودراما المطوّلة. كثير ممّا توارى تحت النصّ يحضره وسيم خير بجهوريّة مدوّية على خشبة المسرح في أداء يُعلي قامة النص طبقات فوق طبقات.
وسيم خير الممثل والمخرج المسرحيّ، يتجاوز نفسه باستمرار وبسرعة عجيبة، يخوض التجارب واحدة تلو الأخرى؛ ينتقل من الإخراج إلى التمثيل، من المسرح إلى السينما (فيلم "مخاض")، إلى الفيديو آرت. ولأنه يتعاطى الفنّ كرسالة، كأداة نضاليّة بمضمون يُسائل الواقع بلا توقّف وينتابه القلق ضيفًا معزّزًا مكرّمًا. يقول وسيم إنه لن يوفّر وسيلة أو أداة يراها ملائمة لإيصال الرّسالة/الصوت، حتى لو كانت الغناء! علمًا أنه تعلم المسرح مدّة سنة ونصف في جامعة حيفا، وفُصلَ لأنه كما أبلغ في تقييم الأكاديميّة "إن فيروس المسرح لا يسري في جسدك"، ولكن يبدو لي أن ولكن يبدو أن وسيم خير هو فيروس يسري في جسد المسرح!.
ثم انتقل إلى معهد "بن تسفي" وبعد مدّة أوقف الدراسة بنفسه. والسبب: ("شعرت أنهم يكبحونني. هناك "طريقة" لكل شيء.. لكل مؤلف .. ولا يمكن تجاوزها"). ومن يومها سيُضبط وسيم خير متلبّسًا جُرمَ التجاوز.. تجاوز نفسه، تجاوز التعاليم، تجاوز "الطريقة". (في اليوبيل قال لي كثيرون: "هِهْ!! شو عم تعمل بتشيخوف؟! عم تخرّب.. مش هيك تشيخوف!". هذا وسيم خير!.
بقي أن نذكر أن المسرحية من تأليف واخراج الراحل فرنسوا أبو سالم والمخرجة الألمانية الألمانية باولا فونفيك، تصميم الإضاءة: الفرنسي فليب أندريو؛ ترجم النصّ عن الفرنسيه : عامر خليل وإيهاب أبو معمر؛ إنتاج : مسرح الحواكتي الجديد – رام الله.
[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/214093908020130106020245"]