رشدي الماضي
في بحث له، شَبَّهَ الدكتور علي محمّد فخري، واقع الديمقراطيّة في عالمنا العربيّ بالرّمح الضّائع، مُستعيرًا هذه الصّورة الرّمزية، من رواية الكاتب البرازيليّ المعروف پاولو كويلّو "الحاج إلى كومپوستل" الّتي يقوم بطلها برحلةٍ شاقّة مُضْنية عَبر جبال إسپانيا الوعرة، مشيًا على الأقدام، من أجْل العثور على رمحٍ له. لم تكن الرّحلة جسَديّة مُنهكة فقط، بل كانت أيضًا روحيّة، تحت توجيه وقيادة دليل روحيّ يُساعد البطل ويشجّعه على الإستمرار في مسْاعاهُ، بالرّغم من كلّ العَقابات؛ لكنّ البطلّ وهو يقترب من نهاية رحلتهِ، ومن لحظة حصوله على الرُّمح، يَطرح على نفسِهِ فجأة هذا السّؤال الّذي يُلخّص الرواية برمَّتها: هل كان هدف رحلتي وسِرُّ القيام بها العثور على الرُّمح، أم كان في الإجابة على سؤال آخر، وهو: إذا عثرت على الرُّمح فماذا سأفعل به؟!
اِسْتعمل، قارئاتي قرائي الدّكتور علي هذه القصّة البّسيطة، ليجعل عربَ اليوم، يطرحون على أنفسهم هذا السّؤال!! لقد كان في حيازتنا رمح مماثل، وهو في هذا الزّمن مفقود، ومنذ فقدناه، وُلدت ولمّا تَزل، المحاولات، في أن يكون لنا دور في اختيار مَنْ يحكمنا، دور يعتمد الحريّة والديمقراطيّة الحقيقيّة، لا المزيَّفة!! أنادي بضرورة القيام بإعادة إنتاج "الرّبيع العربيّ"!!
فنحن، زميلاتي زملائي، وبعد رحلة ومسيرة شاقّة، مليئة بالدّموع، مُخضّبة بالدّم، ومزدحمة بالهزائم والنّكسات، تعرفُ بعكس ذاك «البطل»، ماذا سنفعل بالرُّمح الّذي فقدناه!! وما ننتظره أن تؤاتينا فرصة الفرص مع علمنا، علم اليقين، بأنّها ليست بالأمر اليسير!!
وكيف لا؟! وها هو «الزّعيم» العربيّ يسكنه وَهْمُ احتقار السّلطة و«الخلود» معًا، فهو معصوم واستثنائيّ لا يمرض؟! ولا يشيخ؟! وعنده «كوكبة» من «المتعهّدين» الّذين يدافعون عن خطاياه؛ أمّا أخطاؤه فيكفي أن يُدْخِلَها إلى "المختبر" لتخرج "تفاحّةً مُحَجَّلة"!!
إذن، أخواتي أخوتي، أُمّتنا منكوبَة بـ"زعماء" الهزائم، الّذي يمكن تشبيه الواحد منْهم بميداس العربيّ الجديد، الّذي يلامس "الخيمة"، فيحوِّلها إلى قصر، ويلامس الهزيمة، فيحوّلها إلى انتصار، ويُزيّن رأسهُ بإكليل العار، محوّلًا إيّاه إلى إكليل غار؟!
أرسمُ هذه الصّورة، فقط من باب النَّقد الذّاتي، كمقدّمة ضروريّة لصناعة الوعي المعمّق.
من خلال قراءة تفكيكيّة لكُلّ عناصره، وعي نتلو مَعَه سورة الإنسان إلى ملح الأرض!!.. لماذا؟! لأنّي آمنت، ولمّا أزل، وسأبقى، بوجود (يس) العربيّ المناضل، والمتمرِّد الّذي يعشق الحياة الحرّة والكريمة الّتي تجعل اسمها فأسًا لفتح ما تبقّى من حصون!!!
ولأقول صباح الخير لك أيّها العربيّ الباقي، أيّان كُنْت، وفي كلّ منصب تتبوّأه، فأنت أنت الّذي سيصنع الواقع البديل، ويجعل صناعته عُرفًا يتوالد يوميّـًا وبدون توقّف، لإستراحة قصيرة، كي لا يصنع مِنّا ثانيةً رُمحُنا المفقود الّذي عثرنا عليه أخيرًا.