شهدت مدينة حيفا، مساء الثّلاثاء (7.5.2013) مسيرة الألوف التّاريخيّة، والّتي تعتبر من أضخم المسيرات ضد العنف والقتل والجريمة يشهدها تاريخ عرب الدّاخل، في أعقاب مقتل الشّاب محروس زبيدات، والتي شارك فيها قُرابة عشرة آلاف شاب وشابّة، رجل وامرأة، طفل وشيخ، من حيفا وخارجها، هزوّا أركان المدينة، مُطلقين صرخة مدويّة ضد العنف والإجرام وضدّ قتل شباب حيفا غدرًا وقتل النّساء.
وأكثر ما ميّز المسيرة أنّ عددًا كبيرًا من الشّبيبة، الشّباب والشّابات، والجيل الأمل الصاعد، هم مَن أطلق صرخة مسيرة الألوف، وهم مَن قادوا اللّجنة الشّعبية ضدّ العنف في حيفا، والمكوّنة من مئات الشّباب والشّابات أبناء حيفا، وكافة القوى الوطنيّة والسياسيّة والجمعيّات الأهليّة ولجان الأحياء العربية في حيفا، إذ شارك في المسيرة الألوف من طلّاب المدارس والشّباب، كما شارك حشد من أهالي مدينة سخنين والجش والقدس والعديد من النّاشطين والقوى الأهليّة من خارج مدينة حيفا.
وطافت المسيرة شوارع مدينة حيفا إنطلاقًا من مدرسة «المتنبّي»، مرورًا بشارع عبّاس، نزولًا إلى شارع الجبل (هتسيونوت)، ومن ثمّ شارع الخوري، وصولًا إلى ساحة السّلط بالقرب من (برج الأنبياء) «مچدال هنڤيئيم»، حيث عقد المهرجان الخطابيّ.
قاد المسيرة شباب وشابات حيفا رافعين اللافتات تحت شعار «معًا نمنع الجريمة القادمة»، تقدّمهم والد المرحوم محروس زبيدات، سمير عيسى، والدة المرحومة آلاء ظاهر. وقد رفع المتظاهرون شعارات كُتب عليها «ضد العنف والتفرقة في حيفا» و«حيفا موّحدة ضدّ الجريمة» و«حيفا واحدة وموحّدة ضدّ المجرمين» و«اتّحدوا لإنهاء العنف» و«الشّرطة شريكة في تفشّي العنف والجريمة» و«ممنوع السّلاح» و«لنعيد الأمان والأمن إلى حيفا» و«العنف للأغبياء وليس للأذكياء» و«نعم لوقف قتل النّساء فورًا» و«متخلّيش المجتمع يقتل أحلامك» و«لا مكان للعنف في حيفا» و«يا محروس ارتاح ارتاح احنا منكمّل كفاح» و«لا للقتل» و«لا للعنف» وغيرها من الشّعارات المعبّرة.
كما هتف المتظاهرون هتافات مندّدة بالعنف محمّلين الشّرطة مسؤوليّة استشراء جرائم العنف والّتي كان آخرها في حيفا، الشّاب محروس زبيدات. وبرز من بين الهتافات، خلال المسيرة الغاضبة: «الشّعب يُريد إسقاط الإجرام»، «يا حيفاوي علّي الصّوت.. ضد العنف وضد الموت»، «عالمكشوف وعالمكشوف.. أسلحة ما بدنا نشوف»، «نادي يا حيفا العظيمة.. ما في شرف بالجريمة»، «يا شاب ما بدنا تموت ع العنف ما بدنا سكوت»، «يا محروس يا جبّار دمك ما بروح هدر»، «يا حيفاويّ ليش ساكت أمن ولادك مش ثابت»، «بدنا أمن وأمان ونرجّع أيّام زمان»، «يا محروس شوف شوف احنا طلعنا وما في خوف»، «بالرّوح بالدم نحميك يا حيفا»، «يا محروس اسمع اسمع للمجرم مش راح نركع»، «يا قاتل اطلع برّا حيفا عربيّة حرّة»، وغيرها.
ومن بين القيادات الّتي شاركت في المسيرة النّواب محمّد بركة، باسل غطّاس ومسعود غنايم، النّائب السّابق عصام مخّول، أعضاء البلديّة هشام عبدُه، وليد خميس، وعيدنا زاريتسكي، بالإضافة إلى أعضاء البلديّة السابقين اسكندر عمل، أيمن عودة، وفتحي فوراني، وعدد من رجال الدّين والشّخصيّات البارزة في المدينة. إلى جانب ذلك تمّ التّوقيع على عريضة ضد العنف.
وقد تحدث خلال المهرجان الخطابي الذي عقد في ساحة السلط وتولى عرافته الشاب عروة سويطات، كل من مازن غنايم رئيس بلدية سخنين باسم عائلة المرحوم محروس، المربي والمدرب سمير عيسى، الشاب وسيم أبو عيسى، الشاب عصام حداد، والدتي المرحومتين آلاء ظاهر وهالة فيصل، عم المرحوم زبيدات،كما والقت الشابة كرمل خمرة شعرًا هادفًا ضد جرائم القتل والعنف المتفشية في الآونة الأخيرة. إضافة للعديد من الشّخصيات الجماهيريّة والدينيّة والنواب العرب د. باسل غطاس ومسعود غنايم ومحمد بركة.
وشارك أيضا في المظاهرة عوائل ضحايا القتل والعنف في مدينة حيفا، كلّ من عائلة محروس زبيدات وهالة فيصل وآلاء ضاهر ورواد بستوني ووسام بلان وزياد شناوي وحمودي نزال وناصر نزال. وقد افتتح المهرجان بالوقوف دقيقة حداد على أرواح ضحايا العنف والقتل.
سويطات: 7.5 هو يوم مفصليّ وتاريخيّ لمدينة حيفا
افتتح المهرجان النّاشط عروة سويطات، وعضو اللجنة الشّعبية في حيفا، بكلمة حيّا فيها أهالي حيفا على تلبية الدعوة والخروج عن الصّمت بالألوف للمطالبة بإنزال أشدّ العقوبات على المجرمين والقتلة، ومحمّلًا الشّرطة المسؤوليّة الكاملة لقضايا الجريمة والعنف ومقتل محروس زبيدات. كما ناشد سويطات جميع القوى السياسيّة والأهليّة والتربويّة بالعمل على محاربة قضيّة العنف، مُعتبرًا تاريخ (2013/5/7) مفصليّ في تاريخ حيفا نحو تحمّل المسؤوليّة الذاتيّة والعمل بشكل جدّي على تحويل هذه المظاهرة ورسالتها إلى نهج دائم ومبادئ وثوابت لأهل حيفا، خصوصًا بين جيل الشّباب الّذي كان له الدّور الأكبر في تنظيم هذه المسيرة من خلال دخول الأحياء والبيوت والمدارس والساحات.
غنايم: جسمٌ دخيلٌ اخترق مجتمعنا
كانت الكلمة الأولى لرئيس بلديّة سخنين مازن غنايم الّذي تحدّث باسم أهالي مدينة سخنين، قائلًا «محروس ليس ابن حيفا فقط بل ابن كلّ الجماهير العربيّة، وحضور النّاس يؤكّد وحدة مجتمعنا الحيّ، ويثبت أنّ مجتمعنا بخير، إلّا أنّ جسمًا دخيلًا اخترق مجتمعنا وهو آفة العنف. ما من أحد يريد لهذا السّرطان أن يدخل جسده ويتفشى إلى بيته أو مجتمعه، لذلك كلّنا مسؤولون ويجب أن نربّي أولادنا تربيةً سليمة، لأنّ هذا السّرطان لا يليق بعاداتنا وتقاليدنا ومجتمعنا، ولهذا فالمسؤولية ليست ملقاة على مدير المدرسة ورئيس البلدية وعضو الكنيست وغيرهم، إنّما على علتق كلّ فرد من أفراد هذا المجتمع».
عيسى: لنعيد حيفا إلى أيّامها السّابقة
وتحدّث المدرّب سمير عيسى، عضو اللجنة الشّعبية في حيفا، الّذي قال: إنّ هذه المظاهرة هي صرخة مدويّة في وجه العنف، وإعلان الخروج عن حالة الصّمت الّتي كانت تلفّ غالبيّة أهالي حيفا الشّرفاء، طامحين بإعادة حيفا إلى أيّام سابقة، أيّام خالية من الجريمة.
كما دعا عيسى إلى إبعاد عائلة القاتل من مدينة حيفا، وإبعاد كلّ الدّخلاء على نسيج حيفا الاجتماعيّ الّتي عكّرت صفو المدينة.
محروس رمز لثورة الشّباب في حيفا
ثمّ تحدّثت مجموعة من الشّباب الحيفاويّين النّاشطين والمنظّمين للحدث، معلنين انطلاق حركة شباب حيفا، إذ تحدّث كلّ من: وسيم أبو عيسى وعصام حدّاد ونرمين عودة عن أحلام الشّباب بمستقبل أفضل يملأه المحبة والسّلام والأمان، معتبرين أنّ صرخة اليوم هي صرخة محروس، وهي بداية التّغيير، وثورة نحو مجتمع واعٍ وموحّد وجريء ومليء بالحياة، مؤكّدين أنّ محروس هو رمز هذه الثّورة والنّهضة، داعين جميع البلدات العربيّة إلى المشاركة في هذا الحراك الجديّ، الّذي يقوده الشّباب، مختتمين بوصية وقول محروس: «محبّة زائد أمان يساوي حياة».
وفي الختام تحدّث عدد من أهالي ضحايا العنف، بينهم عم الشّاب المرحوم محروس زبيدات ووالدة الشّابة المرحومة آلاء ضاهر ووالدة الشّابة المرحومة هالة فيصل، الّذين أكّدوا أنّ هذه المظاهرة أعطت لهم الأمل بعد الألم، وأن هذا الشّعب حيّ لا يموت، يصنع الحياة من جديد بالوحدة والتّكاتف، داعين النوّاب العرب والجمعيّات العربيّة ولجنة المتابعة العليا ولجنة رؤساء السّلطات المحليّة العربيّة الى إبقاء هذه القضيّة على سلّم أولويّاتهم.
«نحبّ الحياة.. ونحبّ بلدنا»
وفي حديث لصحيفة «حيفا» مع النّاشط عروة سويطات (عضو اللّجنة الشعبيّة) حول المسيرة، قال: «تحيّة فخر واعتزاز لأهلنا في حيفا وبالأخص مئات الشّباب والشّابات الّذين وصلوا اللّيل مع النّهار على مدار أسبوعين، وقادوا اللّجنة الشّعبية وأكّدوا في مسيرة الألوف أنّ المحبّة والتآخي هما الطريق والأمان، والهدف والانتماء وتطوير الحياة في بلدنا هو المبدأ». وأضاف قائلًا: «تجمّعنا كي نصرخ بأعلى صوت أنّنا نحبّ الحياة ونحبّ بلدنا وملتزمين لها، رسالتنا هي الخير والمحبّة والأمان والانتماء والوعي والمبادئ والعلم والعمل والمصلحة العامة والاحترام المتبادل والوحدة المجتمعية وكشف الطاقات العظيمة الكامنة عند الشّباب والشّابات الّذين أطلقوا مسيرة الألوف». واختتم سويطات حديثه، قائلًا: «أسّسنا اللجنة الشّعبية ضد العنف والجريمة قاطعين على أنفسنا عهدًا أن مسيرة الألوف هي الانطلاقة، وأنّنا نملك القوة والطاقات والمهارات والقدرات والإرادة، موحّدين لعهد جديد».
«لا مكان للعنف بيننا»
وفي حديث لصحيفة «حيفا» مع مجموعة من الشّباب والشّابات الّذين عملوا لإطلاق مسيرة الألوف، قال النّاشط ورد كيال: «هذه المسيرة تأتي بعد مقتل شباب وصبايا من حيفا، كان آخرهم صديقي محروس زبيدات (18 عامًا).. مقتل محروس أضاء لنا – نحن الشّباب – الضّوء الأحمر، معلنًا أنّ الخطر قد يطال جميع الشّباب، ولا بدّ من العمل معًا لإيقاف ناقوس الخطر».
وأضاف كيّال: «اجتمعنا تحت إطار واحد، ليس منتميًا لأيّ حزب معيّن، إلى جانب أهلنا، وأهل حيفا، مصرّين أنّ لا مكان للعنف بيننا، وعلينا أن ننتظم جميعًا لردع هذا الوباء. وقد نظّمت هذه المسيرة الشبابيّة على يد شباب وشابات حيفاويّين، وبمساعدة وتجربة كبارنا.. فللمرّة الأولى نحن الشّباب مَن بدأ وقاد، والقيادات والأحزاب سارت وراءنا. قمنا بعمل هامّ ومفصليّ في كفاح مجتمعنا ضدّ العنف، ونشاطنا هزّ المدينة وأيقظ كلّ فلسطينيّ. لن نسمح لأيّ كان أن يركب الموجة و«يركب على أكتاف» وتعب الشّباب الّذين واصلوا العمل ليل نهار، وأثبتوا أنّهم يصنعون التّاريخ.. نحن لا ننتظر أحدًا، نحن نصنع التّاريخ».
وأكّد كيّال «إقامة حركة شباب حيفا ووضع برنامج عمل تربويّ توعويّ هو أمر هامّ.. لهدف التّأكيد على كلّ مَن تسول له نفسه بإحداث الفوضى واستعمال العنف أنّنا موجودون في السّاحة، ولن نسمح لقلّة مشرذمة «دخيلة» بتلويث مجتمعنا.. علينا أن نعيد حيفا إلى سابق عهدها».
«حان وقت الحراك»
وفي حديث مع الناشط الشّاب وسيم أبو عيسى (عضو اللّجنة الشعبيّة)، قال: «تحيّة شبابيّة حيفاويّة ووطنيّة، وتحيّة فخر واعتزاز لكلّ الّذين كسروا حاجز الصّمت موحّدين، لنقول معًا: لا نريد العنف ولا نريد الإجرام ولا نريد أن تقطف بعد زهرة من بستاننا، نريد الأمان والمحبّة والأخوّة والوحدة، نريد أن نطوّر وننمّي مدينتنا».
وأضاف أبو عيسى: «باسمي وباسم كلّ الشّرفاء نحمل أملًا بمستقبل أفضل، عاملين وفق رسالة محروس: المحبة + أمان = حياة إلى كلّ مدرسة، وكلّ بيت، وكلّ شارع، وكلّ حارة».
ودعا أبو عيسى الشّباب والشّابات للانضمام إلى «حركة شباب حيفا» لأخذ زمام الأمور والعمل على التّغيير، فقد حان وقت الحراك».
«إنّها مسيرة حياة»
أما النّاشطة نردين خطيب، فقالت: «قبل خمس سنوات جئنا إلى مدرسة «المتنبّي» كالفراشات فرحين بالحياة.. باحثين عن الحريّة والنور.. شربنا من ينبوع العلم، وتعلّمنا معنى الحياة وعبّرنا عنها بأفلامنا.. عملنا ضدّ العنف. نحن نسعى من أجل التّغيير، كي نبني معًا، مجتمعًا نفتخر به ويفتخر بنا..»
وأضافت: «لم نحلم يومًا بأن نعيش كابوسَ الغدر والقتل.. لم نتخيّل أن يصل العنف إلينا ويمسّنا.. نحن هنا لنقدّم الحلّ البديل، فلم تكن هذه المسيرة حادثًا عابرًا، بل مسيرة حياة»
«لم تنتهِ المهمّة هنا.. بل من هنا تبدأ»
وفي حديث مع النّاشط شادي زعبي، قال: «أنا فخور بأهل حيفا وكلّ من لبّى النداء. عمل بجدّ ودخلنا كلّ بيت ووصلنا إلى كل فرد.. وهكذا صنعنا بهمّة الأهل مسيرة الألوف. لم تنتهِ المهمّة هنا، بل من هنا تبدأ.. سنكمل رسالة محروس: نعم للحياة».
«هذه المسيرة ثورة تغيير»
أمّا النّاشطة نرمين عودة، قالت: «اعتقدنا أنّنا نعيش بمجتمع مسالم، إلى أن سمعنا بخبر مقتل «أسلم» النّاس في مجتمعنا، صديقنا وأخونا الغالي محروس زبيدات، الّذي لم يفكّر يومًا أن يؤذي إنسان ولا حتّى في الكلام، وعندما قتل اعتصر قلبنا عليه حزنًا، لكنّنا وقفنا من جديد، لأنّنا علما أنّ الجيل القادم سيعيش، إن لم نخرج عن صمتنا. هذه المسيرة كانت عبارة عن ثورة.. ثورة تغيير. محروس سيبقى حيّـًا في قلوبنا، رمزًا للوئام ولمحاربة العنف.
«هذه المسيرة ثورة تغيير»
وفي حديث مع النّاشط عصام حدّاد، أكّد أنّ قضيّة محروس قضيّة كلّ إنسان فينا، وأنّ محروس هو مثال الثورة والنهضة والفكر والوعي. وأشار حدّاد إلى أنّ هذا التكتّل هو بمثابة صرخة لجميع المجتمعات والبلدات العربيّة بأنّ شباب وأهل حيفا هم قدوة لكلّ إنسان يريد أن ينتفض ضدّ.
ووجّه حداد نداء إلى الأهل وجميع المؤسّسات، طالبًا منهم أن يمنحوا الشّباب الثّقة، مركّزًا على دور الشّباب الرئيس والمؤثّر في هذا المجتمع.
(تصوير: حمودي غنّام ويعقوڤ سبان)