جميل شومر.. “ظريف حيفا”

مراسل حيفا نت | 20/04/2013

 

صوّره: وائل عوض

جميل داود شومر- ولد عام 1928 ويحتفل بميلاده في الثامن عشر من تشرين أوّل في كلّ عام. نشأ وتعلّم في المدرسة الابتدائيّة الأسقفيّة في حيفا في عهد الانتداب البريطاني، ثم تعلّم في مدرسة «الفرير» الثّانويّة، ولكن الحرب العالميّة قطعت استمراره في الدراسة، فانتقل للعمل في مكتب ضريبة الدّخل في حيفا.

عمل أمينًا عامّـًا للصندوق في الضّريبة حتّى سنّ التّقاعد، وفتح له مكتبًا لإدارة الحسابات والاستشارة، حتّى عجز عن العمل؛ وهو اليوم لا يزال صاحب النّكتة والقصّة الطّريفة والمواقف الظّريفة.

 

 كيف كان عملك في الضّريبة؟

بدأت العمل في الضّريبة، وكانت مكاتبها في الموقع الّذي أُقيم عليه المجمّع التّجاري «سيتي سنتر» اليوم. وأذكر أنّي تقاضيت راتبًا جيّـًدا في ذلك الحين، 6 ليرات، وقد صرفت أوّل راتب حصلت عليه على إحضار بعض الحاجيّات للبيت، والموادّ التموينيّة، ثمّ ذهبت إلى المقهى مع عدد من الأصدقاء، وأمضينا وقتًا نتبادل فيه النّكات والقصص الطّريفة.

وكانوا يرسلون معي حارسًا من المكتب حيث كنت أودّع أموال الضّريبة في البنك، باعتباري أمين الصّندوق. 

وفي ذات يوم جاءني رجل متقدّم في السّن، قال لي: حضرتك الخواجة جميل؟ هكذا كانوا يتوجّهون إلى الموظّفين الكبار، فقلت: نعم أنا هو. فقال: أنا لن أدفع لك الضّريبة، لأنّي توجّهت إلى رئيس البلديّة وطلبت منه أن يعفيني من دفعها، وقال: يجب أن أتوجّه إلى حضرتك لكي تعفيني أنت أيضًا. فقلت: هل قال لك ذلك الرئيس بنفسه؟ قال: نعم. قلت: حسنًا، وطلبت منه أن ينتظر للحظات خارج المكتب.

ثم خرجت ودعوته لكي يدخل، وقلت له: فعلًا لقد طلب منّي رئيس البلديّة أن أعفيك من الدفع، وقال إنّ عليك بعض الرّسوم الّتي يجب أن تدفعها وهي قيمة الضّريبة، فتفضّل هذه ورقة الدفع، واذهب إلى الصّندوق لتدفعها. فخرج مسرورًا لأنّ وساطة رئيس البلديّة كانت نافعة، ودفع قيمة الضّريبة كاملةً.

   

 منذ متى بدأت برواية النّكات؟

مسألة النكات والقصص الطّريفة، جاءت منذ المدرسة الابتدائيّة، فالثّانوية، ثمّ امتدّت معي حتّى اليوم، فقد كان المعلّم يختارني من بين الطّلاب لتقديم برنامج ترفيهيّ، أو عرافة الحفل، واكتشفوا صوتي آنذاك. فشاركت في جوقة التّرنيم الكنسي، ومن جهة ثانية أخذت أظهر في بعض الحفلات والمناسبات، ولاحقًا ظهرت في التّلفزيون وفي البرامج الإذاعيّة.

 

 اتّسعت شهرتك سريعًا على أنّك أفضل مقدّم للحفلات..

تقديم الحفلات فنّ بحدّ ذاته، وكذلك تقديم البرامج الإذاعيّة والتّلفزيونيّة. ويجب أن يتحلّى المقدّم بخفّة الدّم، والظّرافة، واللطافة، واللسان الطيّب، والروح المرحة، والنكتة الحاضرة على الدوام. وكثيرًا ما يواجه عريف الحفلات مواقف تضطرّه إلى الارتجال وسدّ الفراغ الّذي قد ينجم عن تأخّر هذا الخطيب أو ذاك، هذا المغنّي أو ذاك. كما يجب أن يتحلّى بالصّوت العذب؛ وبما أنّي أرنّم في الكنيسة فقد استخدمت صوتي للغناء، وهذا كان قليلًا جدًا.

وقد يظنّ المرء أنّ تقديم حفلة ما سهل للغاية وبسيط، ولكنّه في الواقع بحاجة إلى تحضير واستعداد، فكريّ ومعنويّ. وليس سهلًا أن تضبط احتفالًا يضم المئات، بمجرد ظهورك على المسرح، أو أن تلقي نكتة بصورة جافّة ومنفرة فلا يحبّها الجمهور، بل بالعكس. وهنا الحكمة، تكمن في حسن التصرّف، ومداراة الوضع على المسرح وفي القاعة، وحسن التخلّص من المواقف المحرجة.

 

 هل واجهتك مواقف مُحرجة على المسرح؟

طبعًا، لا يخلو الأمر من ذلك، ففي إحدى الحفلات تأخّر المغنّي الّذي كان سيحيي الحفلة، ولكن الفرقة الموسيقيّة كلّها كانت جاهزة، وأخذت الفرقة تعزف المقطوعات الموسيقيّة وتهيّء الجو لدخول الفنّان، ولكن هذا المغني لم يدخل، وعادت الفرقة للعزف مرّة وأخرى، وبقي المطرب غائبًا، وحاولوا الاتّصال به من وراء الكواليس، فتبيّن أنّ عُطلًا أصاب سيارته، فارسلوا له سيّارة بديلة، وما كان منّي إلّا أنّ بادرت إلى الميكرفون، وأخبرتهم بنكتة المطرب الذي صاح بالموال ثمّ نزل فورًا عن المسرح، فسألوه: إلى أين؛ فقال: سأذهب لأسمع أين يصل صوتي..

 

وأخذت أغنّي بعض المواويل الّتي أحفظها، وأردّد الأغاني الّتي أعرفها، حتّى وصل المطرب، وشرع بالغناء. وفي مرّة أخرى طلب منّي منظّم إحدى الحفلات أن أحيي أحد الحضور بعيد ميلاده؛ وفعلًا توجّهت إلى ذلك الشّخص بالتّهنئة والتّحيّة، وطلبت من الجمهور التّصفيق بمناسبة عيد ميلاد شخص عزيز في القاعة؛ طبعًا تجاوب الجمهور معي بتصفيق حار، وبعد لحظات، جاء إليّ شخص آخر وقال: أرجو أن تحيي أخي في عيد ميلاده، وتلاه آخر يريد تحيّة زوجته بعيد زواجهما، وثالث سيحيي الطّبيب الّذي عالجه في المستشفى، وغير ذلك من المناسبات، فقلت على المسرح: المعذرة أيّها الإخوة، إنّ المناسبات السّعيدة كثيرة، ولذا أرجو أن تصفّقوا خمس دقائق مرّة واحدة، تحيّةً لكلّ هذه المناسبات مجتمعة. 

 

 كثيرًا ما نسمع أنّ مَن يحفظ النكات ثمّ يرويها قد تواجهه مشكلة النكات البذيئة..

النكات البذيئة هي من طبيعة النكتة الّتي تعرض الموقف المحرج، أو الحالة الطّريفة، من دون قصد متعمّد، ولذا فإنّ مثل هذه النكات لا تليق بإلقائها أمام الجمهور أو في الإذاعة والتّلفزيون. وأنا أقوم عادةً بالتّصرف في رواية النّكتة لئلا تخدش الآداب، ولئلّا تمسّ الذوق العامّ، فأتصرّف بها وأتحاشا روايتها كما هي، ولكنّي أحافظ على روح النّكتة والموقف الّذي تعبّر عنه.

 

 ما هي البرامج الإذاعيّة والتّلفزيونيّة الّتي شاركت فيها؟

كثيرة ومتنوّعة، وكان أشهرها برنامج استوديو رقم واحد الّذي كان يقدّمه زكي المختار. وكانت هناك الأمسيّات التّلفزيونيّة الّتي ظهر فيها عدد كبير من الفنّانين والفرق الموسيقيّة، هذا عدا عن الأمسيّات الفنيّة على المسرح في معظم المدن والقرى.

 

 

 

 هل وضعت النّكات الّتي ترويها في كتاب؟

نعم، صدر لي كتاب بعُنوان «شومريّات منوّعة»، ووضعت فيه عددًا كبيرًا من النّكات التي جمعتها وحفظتها، أو التي رويتها بشكل مختلف وقالب متنوّع. كما كان الكتاب مبوّبًا ومصنّفًا بحيث وضعت النّكات المتعلّقة بكلّ باب، وكان لكل مجال نكاته الخاصّة. ولم يبقَ لديّ ولا حتّى نسخة واحدة من هذا الكتاب، ووضعت لي أنت مقدّمة له، وكنت أنت من أَطلق عليّ لقب «ظريف حيفا». فقد تناقلته الأيدي واختطفه الجمهور سريعًا. وللأسف لم أضع كتابًا آخر، لكنّ الأدراج في الطاولة كانت مليئة بقصاصات الأوراق، وعليها ملاحظات ونكات وطرائف، أعتقد أنّها تكفي لسلسلة من الكتب.

 

 قلت إنّك شاركت في جوقة التّرنيم الكنسي منذ الصّغر.. هل تابعت هذا المجال؟

طبعًا، فقد أصبحت مرنّمًا في كاتدرائيّة مار إلياس، وذلك ضمن جوق التّرنيم الكنسيّ الّذي قاده الطيّب الذكر المرحوم إلياس نجيم، وبعده إدوار سعد (أمدّ اللّه في عمره)، وكان إلى جانبي عدد من المرنّمين، أذكر منهم إلياس هلّون، كايد عبّود، فؤاد بحّوث، جوزيف خوري، سليمان سبيت، وغيرهم. كما أشرفت على تدريب عدد من الجوقات الكنسيّة في أماكن أخرى خارج حيفا، كالنّاصرة وشفاعمرو وعكّا وسواها.

 

 إذن كانت لك نشاطات كنسيّة متنوّعة، فماذا كان موقف الرئاسة الروحيّة من هذه النّشاطات؟

بالحقيقة تلقّيت كلّ الدّعم اللازم من الرئاسة الروحيّة، وكانت تربطني علاقة حميمة بسيادة المطران المرحوم مكسيموس سلوم. وسعى هذا المطران لكي أحصل على وسام رفيع من الكنيسة، هو وسام التّكريم لخدمة الكنيسة والحبر الأعظم، وهو صادر عن حاضرة الڤاتيكان، وقداسة البابا مباشرة. كما حصلت على شهادة تكريم من قداسة البابا الرّاحل يوحنّا بولس الثّاني، لقاء ما قدّمته للكنيسة وجوقات التّرانيم من خدمة في هذا المجال.

 

 وأنت من مؤسّسي «البيت المسيحيّ» في حيفا.

تأسّس «البيت المسيحيّ» في مكتبي عام 1978، وكانت نخبة من النّشيطين الّذين رغبوا بخدمة المجتمع والجمهور في حيفا. وعملت سكرتيرًا عامًا للبيت أكثر من 25 سنة، وقدّمنا فعّاليّات متعدّدة في نطاق البيت والكنيسة، ونظّمنا الحفلات الّتي تولّيت عرافتها إضافةً إلى الرحلات والجولات المتعدّدة في أنحاء البلاد. وبالحقيقة أصبحت للبيت المسيحيّ مكانة مرموقة بفضل جهود الأعضاء والهيئة الإداريّة.

 

 أحبّك الجمهور وانتظرك على المسرح، في الحفلات والأمسيّات.. فماذا تقول للجمهور؟

أحترم الجمهور وأحبّه، وهو يبادلني هذا الحب، وكثيرًا ما كنت أردّ على مكالمات هاتفيّة لأشخاص يريدون نكتة مستعجلة، أو قولًا مأثورًا، أو حادثة طريفة، فلا أبخل على أحد بشيء. ورغم أنّي لم أتزوّج، وليس لي أولاد، فإنّ المحبّين يأتون لزيارتي في هذا المشفى اللّطيف، ولا يمرّ يوم دون أن يزورني بعضهم.

والموظّفون هنا يستقبلون الزوّار، ويكرمونهم، وأنا أكنّ لكلّ فرد في هذا المجتمع التّقدير والاحترام والمحبّة. وأخصّ اليوم العاملين في هذا المشفى الّذين لا يتأخّرون ولا يتوانون عن تقديم أي خدمة علاجيّة، كما أنّهم لا يقصّرون في تقديم الرعاية والعناية لي، وأنا بدوري أدفع ثمن هذه العناية بنكتة من هنا وطرفة من هناك، فترتسم البسمة على وجوه الحاضرين.

 

 لا بدّ أنّك جمعت من الحكم والأمثال والأقوال الكثير.. فما أهم هذه العبر؟

توفّرت لدي مجموعة لا بأس بها من الأقوال المأثورة والحكم والأمثال الّتي كنت أدخلها ضمن أقوالي وحديثي مع الجمهور، ولعلّ أهمّ قول مأثور أتّعظ به اليوم هو «وما يصيبكم إلّا ما كتب اللّه لكم»، فقسمتي ونصيبي في هذه الحياة أن أمضي أيّامي الآن في هذا المشفى، وقد تعذّر عليّ النطق بسهولة نتيجة مرض الأوتار الصّوتيّة، ولا أستطيع الحركة والتنقّل بسهولة، ولكنّي لا أزال أحتفظ بمعنويّات عالية وروح المرح الّتي عرفني بها النّاس.

 

 نتمنّى لك العمر المديد وأن تستعيد صحّتك لكي تعود إلى الجمهور فتتحفه بأقوالك وأعمالك.

شكرا.. 

 

[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/j3"]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *