ويبقى العرب غرباء في أوطانهم

مراسل حيفا نت | 19/04/2013

 

 

ما أصعب أن يشعر الشّخص غريبًا وهو في وطنه.. وما أتعس وضع العرب الّذين لم يهجروا أوطانهم ولم يعتدوا على أحد، لكنّهم عاشوا محكومين و«غُرَباء» في وطنهم..

إلّا أنّ المحزن في الأمر والمُحبط كذلك هو الوجود على هذا الحال منذ مئات السّنين، فلا يمكن لوم العثمانيّين الأتراك أو الإنچليز أو الأمريكان أو اليهود، فقط، بما آل إليه وضع العرب، لأنّهم منذ أكثر من ألف عام – على الأقلّ – لم يستطيعوا أخذ زمام الأمور، أو أن يتّفقوا على رأي يجمعهم، فباتوا مذ حينه طُعمًا سهلًا ولقمةً سائغة، فأصبح من السّهل جدًا استغلالهم وتفرقتهم.

 

نرى شعوبًا كثر تختلف فيما بينها، ولكنّها تتّحد وتقف صفّـًا واحدًا، فتضع الخلافات جانبًا عندما تعلم بوجود عدوٍّ مشترك أو كارثة ما؛ أمّا العرب فلا يطبّقون مقولة «أنا وأخي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريب»، فيكون تطبيقهم وفق مقولة: «أنا وابن عمّي على أخي، وأنا والغريب على ابن عمّي..!!». فعند كلّ اختلاف نجد سببًا للخلاف، وإن لم نجده نُخلقه!!

 

فإن لم نختلف على السياسة فعلى الثّقافة، وإن لم نختلف على الثّقافة فعلى الدّيانة، وإن لم نختلف على الدّيانة فعلى المذهب، وإن لم نختلف على المذهب فعلى التّوجّه.. وهكذا نختلف ونختلف، ونكره بعضنا بعضًا..!

منذ أكثر من ألف وخمسين عامًا، جاء للعرب عبقريّ الفلسفة والحكمة والشّعر. فقال أبو الطّيب المتنبّي:

الرّأيُ قبل شجاعةِ الشُّجعانِ

هُوَ أَوَّلٌ وهـــي المحــلُّ الثّاني

فإذا هُما اجتمعا لنفسٍ حُرَّةٍ

بلغت من العلياءَ كلَّ مَكانِ

 

لماذا قال ذلك؟.. لأنّه رأى العرب مُعتادين على فكرٍ آخر كليّـًا، يعملون وفق «شريعة» «دِب دبَّتَك العافية» و«كلّه عند العرب قطّين».. لا تنقصهم الشّجاعة ولكن ينقصهم وضع هدف والعمل على تحقيقه؛ فمَن لا يضع هدفًا أمامه ويصبو إلى تحقيقه لا فائدة منه.. ولذا بسالة وشجاعة العرب دون خطّة أو هدف تضيع وتتبخّر وتأخذها الرّياح!

 

والأنكى من هذا كلّه أنّ العرب لا يتعلّمون من أخطائهم، ويعودون على الأخطاء والغباوات مرّةً تلوَ الأخرى، فـ«ينجحون» فقط في إلقاء اللّائمة على الآخرين. فـ«الحكيم لا يُلدغ من جرحه مرّتين» أو «لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين»، ولكّن العرب – للأسف – ليسوا حُكماء، ويُلدغون من الجرح والمكان ذاته آلاف المرّات، ولا يتعلّمون..! لماذا.. أغباء هم أم جهلاء؟!!

وقد لخّص أبو الطيّب العربيّ وضع العرب التّعيس كغُرباء في وطنهم، فقال:

 

مغاني الشَعبِ طيبًا في المغاني

بِمَنْزِلَةِ الــرَبيعِ منَ الزَمــانِ

وَلَكِــنَّ الفَتــى العَــرَبِيِّ مِنها 

غَريبَ الوجهِ واليَدِ واللِسانِ

 

مضت أكثر من ألف وخمسين سنة.. والعرَب نفسِ العرب تقريبًا، ما زالوا غُرَباء في وطنِهِم، لا بل غُربتهم زادَت واستفحلت. لماذا إذًا نلقي باللّائمة على الغرباء الّذين يستغلّون خلافاتنا، وتفكّكنا، وعدم صواب قراراتنا، وانعدام وحدتنا.. فكيف لنا أن نلوم شابّاتنا وشبابنا الّذين يحاولون التنصّل من عروبتهم والانجراف والانصهار مع الغرب والغرباء بعد أن دبّ بهم اليأس ولا يلمسون أيّ تغيير إيجابيّ ويرون العرب يتقهقرون ويتراجعون إلى الوراء؟!!

 

أنا في تخوّف كبير على مستقبل أبنائنا وبناتنا، فماذا سينتظرهم عندما يكبرون؟! أخاف أن يربوا ويكبروا في فقاعة الغربة.. فهل سيرضون بالغُربة داخل أوطانهم أم أنّهم سيبحثون عنها في الخارج ويفضّلونها ويتنصّلون من عروبتهم قلبًا وقالبًا. فالخيارات أمامهم، بكلّ أسف وألم، لا تبشّر خيرًا..

يكفينا هذا الضّياع ودعونا نضع خطّة وهدف ونبحث لنا ولهم عن حلّ..!!

(حيفا)

 
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *