بدعوة من السّفارة الفِلَسطينيّة في المغرب ووزارة الثّقافة المغربيّة، شاركت مكتبة ودار النّشر الحيفاويّة "كلّ شيء"، لصاحبها صالح عبّاسي، في معرِض الكتاب الدّوليّ للدار البيضاء في المغرب، في دورته التّاسعة عشرة، والّذي امتدّ من 29 آذار المنصرم حتّى 7 نَيْسان الجاري.
كانت مكتبة ودار النّشر الحيفاويّة "كلّ شيء" "الفِلَسطينيّة" الوحيدة المشاركة في المعرِض من ضمن 900 دار نشر عربيّة وأجنبيّة، بمشاركة نحو 50 دولة عربيّة وأجنبيّة، وبحضور أزيَد من 400 كاتب ومُبدع مغربيّ و120 كاتبًا ومُبدعًا عربيّـًا وأجنبيّـًا؛ وقد اختير للمعرِض عُنوان "لنعش المغرب الثّقافيّ".
ولهذه المناسبة انضمّ إلى مكتبة "كلّ شيء" طاقم صحيفة "حيفا"، ممثّلًا بالمدير العامّ والمحرّر المسؤول، راني عبّاسي؛ ومدير التّحرير، مطانس فرح؛ لحضور المِهرجان الثّقافيّ الدّوليّ في الدّار البيضاء.
الثّقافة أساس الإبداع والابتكار
جاء في كلمة افتتاح المعرِض، تذكير من الخطاب الملكيّ لذكرى ثورة الملك والشّعب: «على الشّباب القيام بدوره في الحياة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ إلّا أنّ عليه الانخراط، أيضًا، في مجالات الإبداع الثّقافيّ والفنّيّ.
فالثّقافة تُعدّ، اليوم، رافعة أساس للإبداع والابتكار وتغذية الرّوح وإبراز الشّخصيّة الوطنيّة، وهي – بالتّالي – المحرّك لديناميكيّة المجتمع، الّذي بقدْر ما يعتزّ بتعدّديّة روافده، بقدْر ما يظلّ متمسّكًا بتنوّع خصوصيّاته وانفتاحه على العالم».
فتَحْتَ رعاية الملك محمد السّادس (ملك المغرب)، والتزامًا بموعدها الثّقافيّ السّنويّ، نظّمت وزارة الثّقافة المغربيّة، بالتّعاون مع مكتب معارض الدّار البيضاء، الدورة التّاسعة عشرة للمعرِض الدّوليّ للنّشر والكتاب (من 29 آذار حتّى 7 نَيْسان 2013).
ولم تقتصر هذه الدّورة على مقاربة الذّاكرة الثّقافيّة الوطنيّة بكلّ تعدّداتها وحمولتها الحضاريّة، أو الإنتاجات التّاريخيّة والأدبيّة الهامّة، بل جاءت لتحقّق القُرب الثّقافيّ من كلّ شرائح المجتمع المغربيّ عبر مختلف جهاته وأطيافه، بما جعل من الثّقافة مُنتَجًا رفيعًا ونبيلًا، وأساسًا لمسلسل الإصلاح والتنمية المُستدام في المملكة المغربيّة.
كتّاب.. شعراء.. نقّاد.. مبدعون
وكما جرت العادة خلال الدّورات السّابقة، وفي سياق تكريس أواصر الأخوّة والصّداقة بين المغرب وأشقّائه وأصدقائه الثّقافيّين، حلّت ليبيا ضيفة شرف على هذه الدّورة.
فقد التقى ألوف الزّائرين لمعرِض الكتاب عددًا كبيرًا من الكتّاب والنّقّاد والشّعراء والمبدعين من العالم العربيّ، وحظوا بمشاهدة أحدث الإصدارات الأدبيّة والثّقافيّة من كبرى دور النّشر في العالم العربيّ.
وجاءت فقرات «ساعة مع كاتب» لتضيف قيمة لمثل هذه اللّقاءات، كونها تضع أكبر الكتّاب الّذين راكموا رصيدًا إبداعيّـًا وتجربة كتابيّة لافتة في مجالات إبداعيّة متنوّعة وجهًا لوجه، أمام جمهور قرّائهم في حوار مفتوح، صريح وشفّاف. حوار يجسر المسافة المتخيّلة بين الكاتب وقرّائه وعموم الجمهور كذلك. فهي لحظة احتفاء حميميّة بتجارب إبداعيّة، استطاع أصحابها إيصالها إلى عموم القرّاء، لتصبح مُلكًا لهم.
حيث كانت هذه الدّورة من معرِض الكتاب فرصةً لتقديم المنتَج الكتابيّ الجديد لجمهور القرّاء والمهتمّين. فكانت غنيّة وحافلة بالإصدارات الجديدة في المجالات كافّة وفي مختلف التّخصّصات.
تاريخ المغرب المتجدّد
كانت المحاضرة الافتتاحيّة يوم الجمُعة (29 آذار) للدّكتور محمّد القبلي (مؤرّخ ومدير المعهد الملكيّ للبحث في تاريخ المغرب) تحت عُنوان: «تاريخ المغرب كرصيد متجدّد ومشروع مواطن»، ناقش خلالها أبرز المحطّات التّاريخيّة والتّحوّلات الحاصلة وتأثيرها على مفهوم المواطنة ومعناها.
وفي اليوم التّالي، قدّم الدّكتور محمّد جبران (الباحث اللّيبيّ) محاضرة قيّمة حول العلاقات التّاريخيّة المغربيّة ودورها في إنجاح التّنمية الثّقافيّة المشتركة.
«موليير المغرب»
وضمن إحدى ندوات "الذّاكرة"، تمّ الاحتفاء بأحمد الطّيّب العلج، فنّان "القاع المغربيّ" الأصيل. فلم يكن من باب المصادفة إطلاق لقب «موليير المغرب» على الفنّان والشّاعر والكاتب المسرحيّ الرّاحل أحمد الطّيّب العلج، وإنّما منحه هذا اللّقب محبّوه وعشّاق أعماله، بالنّظر إلى ما راكمه من أعمال فنّيّة، في الكتابة الزّجليّة أو التّأليف الغنائيّ أو مجال المسرح، كتابة وأداء؛ وهي المحصّلة الّتي كانت تستمد خصوصيّتها وفنّيّتها من تربة الواقع المغربيّ، ومن تراثه وتاريخه وثقافته الشّعبيّة.
جائزة «الأركانة»
هذا ومُنحت جائزة "الأركانة" العالميّة للشّعر، والّتي يمنحها بيت الشّعر في المغرب، للشّاعر الإسپانيّ الكبير أنطونيو چامونيدا..
وينتمي چامونيدا إلى ما يسمى بجيل الخمسينيات (أطفال الحرب)، وهو ابن الشّاعر الإسپانيّ أنطونيو، الّذي كان ينتمي إلى تيّار الحداثة. وقد حاز چامونيدا حوائز أبداعيّة عدّة، أهمّها: جائزة "ثيربانتس" (2006)، جائزة الملكة صوفيا للشّعر الإيپرو-أمريكي (2006)، الجائزة الوطنيّة للشّعر (1988)، جائزة "قشتالة وليون للآداب" (1985).
ومن أهم أعماله الشّعريّة والأدبيّة: رائعته "وصف الكذب"، "مورتال"، "الأرض والشّفاه"، "انتفاضة جامدة"، "الدّمية والقدر"، "شواهد القبور"، "العمر"، "الصّقيع"، "حارس الثّلج"، "السّموم"، وغيرها الكثير.
وتأتي جائزة "الأركانة" ضمن المشهد الثّقافيّ المغربيّ، لما يتمتّع به من صدقيّة وروح منفتحة على الآخر؛ رهانها الوحيد هو الإعلاء من شأن الشّعر وتكريم شعراء العالم.
..وللنّساء دور بارز في المعرِض
وقد توالت النّدوات والمحاضرات والفعّاليّات الثّقافيّة في معرِض الكتاب الدّوليّ، وبرزت تجارب وشهادات لنساء مغربيّات وخليجيّات في مجال الإعلام والشّعر. كما برزت الأصوات النّسائيّة في الحركة الأدبيّة اللّيبيّة. هذا وعقدت ندوة هامّة حول حقوق الإنسان عمومًا، وحقوق المرأة في العالم العربيّ خصوصًا.
نصوص سرديّة تتجاوز نفسها
أمّا المؤرّخ والرّوائيّ المغربيّ أحمد توفيق، فتحدّث بإسهاب عن تجربته الرّوائيّة الّتي استثمرت المعرفة التّاريخيّة والتّراث العربيّ الإسلاميّ في كتابة نصوص سرديّة تجاوزت وتتجاوز نفسها باستمرار؛ وباعتباره وزيرًا للأوقاف والشّؤون الإسلاميّة فإنّه بقي حريصًا على رعاية صوته الرّوائيّ، ما كرّسه في قائمة أهمّ الأصوات السّرديّة على صعيد العالم العربيّ.
وللشّعر حصّة الأسد
لم يكن الشّاعر المصريّ الرّاحل حلمي سالم مجرّد اسم علم بين أسماء عربيّة ساهمت في إغناء القصيدة العربيّة وتنويع مقاصدها. وإنّما ظلّ – إلى جانب ذلك – منخرطًا في أسئلة وقضايا وطموحات الإنسان العربيّ عبر بوابة الالتزام السّياسيّ.
شاعر عميق، متواضع، صاحب روح إنسانيّة هائلة، يجمع حوله تقدير زملائه العرب. أينما حلّ، ملأت روحه العاشقة – روح المواطن المصريّ "ابن البلد" – أرجاء الأمكنة والأفئدة. وبهذه الرّوح استحضره المعرِض شاعرًا كبيرًا وإنسانًا كريمًا متواضعًا.
وضمن الأمسيّات الشّعريّة حضر الشّاعر اللّبنانيّ محمّد علي شمس الدّين، أحد أهمّ الشّعراء العرب، ممّن أخلصوا للقصيدة وفتحوا أبوابها على احتمالات إبداعيّة جماليّة ثريّة. شاعر مجتهد وصبور، وهو بذلك يُعتبر من الأصوات الّتي أضافت جديدًا للشّعر العربيّ.
كما برزت عدّة أسماء هامّة في عالم الشّعر من جميع الدّول العربيّة والأجنبيّة، فكان من فِلَسطين: غسان زقطان، نجوى شمعون، وبشير البكر.
هذا وتمّيزت شادية حامد (الحيفاويّة الأصل) في عرافة وتقديم ندوة للشّاعر محمّد بنطلحة (أحد روّاد القصيدة المغربيّة والعربيّة الحديثة). شاعر متجدّد، من الشّعراء القلائل الّذين يملكون جرأة «تشبيب» نصوصهم. فمن نصّ لآخر، ومن ديوان لديوان، لا يكفّ بنطلحة عن مفاجأة قرّائه بفتوحاته الشّعريّة المدهشة. فقصيدته منجم أفكار ورؤًى، وهي إلى ذلك مختبر معجم وابتكار تراكيب تواكب القصيدة الحديثة، وتتجاوز انتظاراتها المرتقبة.
من حيفا إلى الرّباط
وقد تمّ تقديم كتاب "بعض منّي: رحلة اللّجوء من حيفا إلى الرّباط" لواصف منصور. الكتاب الصّادر حديثًا عن مطبعة دار النّشر المغربيّة؛ عبارة عن رحلة بوح ومحكيّات لا تمثّل سيرة ذاتيّة ولا مذكّرات، إنّما هي أقرب إلى ذكريات منتقاة من بين أكداس وركام الوقائع والأحداث والمواقف، على مدار ستّة عقود.. منذ النّكبة.
القصّة القصيرة في ظلّ المتغيّرات
هذا وعقدت ندوة شيّقة حول القصّة القصيرة في ظلّ المتغيّرات الّتي يعرفها عالمنا العربيّ، اليوم، على الصُّعُد كافّة. طرحت سؤال "المعنى" نفسه بإلحاح على كلّ من القاصّ والفنّ القصصيّ. القاصّ بوصفه مُنتجًا للرّؤية الجماليّة القادرة على التّعبير عن هذه المتغيّرات؛ والفنّ القصصيّ باعتباره مُترجِمًا لهذه المتغيّرات على صعيد الشّكل والخطاب والمتخيّل. وقد شارك في النّدوة: إدريس الخوري (المغرب)، أمين صالح (البحرين)، أحمد يوسف عقيلة (ليبيا)، عبد الحميد الغرباوي (المغرب) ولطيفة باقا (المغرب).
أمّا الكاتبة المغربيّة ربيعة ريحان، واحدة من أهم الأسماء الإبداعيّة المغربيّة النّسائيّة، ممّن بقينَ مخلصات للنّصّ القصصيّ ولمتعته المتمنّعة؛ حيث أصدرت – في هذا المجال – عدّة مجاميع لاقت ترحيبًا إعلاميّـًا وقرّائيّـًا لافتَيْن، ما جعلها تحظى بمكانة هامّة في خريطة السّرد، على مستوى المغرب والعالم العربيّ، فتحدّثت عن تجربتها الإبداعيّة.
الأدب الأمازيغيّ
وللأدب الأمازيغيّ كانت حصّة. ففي إطار توسيع حدود الصّوت الإبداعيّ المغربيّ، وسعيًا وراء إبراز خصوصيّته وتنوّعه وغناه، سلّط الضّوء على ما راكمه الأدب المكتوب باللّغة الأمازيغيّة من نصوص تخييليّة، في كلّ حقول الكتابة والإبداع. وهو إلى ذلك وقفة تأمّل وتقييم ومساءَلة لما أنجز وما ينتظر إنجازه، في سياق تنويع زوايا المقاربة ولغة الكتابة، وتوسيع إمكانات التّأمّل.
هذا إضافة إلى عقد ندوات ومحاضرات حول المسرح والسّينما والفنّ..
خيول نصر الله تراهن على بناء عالم شعريّ روائيّ
ومن أهمّ النّدوات وأبرزها، تلك الّتي كانت مع الكاتب والرّوائيّ الفِلَسطينيّ إبراهيم نصر الله؛ حيث اختار نصر الله الإقامة والإبداع في جنسين إبداعيّين شائكين: الشّعر والرّواية، محاولًا نحت اسمه، في رحاب كليهما، بكثير من الجهد والمثابرة وسعة المعرفة والخاطر.
فمنذ ديوانه "الخيول على مشارف المدينة" إلى روايته "زمن الخيول البيضاء"، ظلّت خيول نصر الله تراهن على بناء عالم شعريّ روائيّ، مستثمرةً خيالها في إعادة مقاربة الملهاة الفِلَسطينيّة، بكلّ تداعياتها وتحوّلاتها عبر الزّمان. ومن هذه الزّاوية تتمظهر تجربة نصر الله كالتزام جماليّ وسرديّ بقضيّة شعب مُضّطهد، من دون انسياق وراء خطاب شعاراتيّ أو إغراق في معالجة طوباويّة لمأساة إنسانيّة تُسائل، كلّ يوم، إنسانيّة الإنسان.
يتوافدون على جناح مكتبة «كلّ شيء»
ولجناح فِلَسطين في معرِض الكتاب الدّوليّ في الدّار البيضاء (المغرب)، وقع خاصّ على عشّاق الأعلام والأعمال الفِلَسطينيّة البارزة.. حيث زار جناح مكتبة "كلّ شيء" الحيفاويّة، سفير فِلَسطين في المغرب، أحمد صبح؛ والملحق السّياسيّ، علي قبلاوي؛ والشّاعر السّوريّ، صبحي الحديدي؛ وعدد من الكتّاب وعشّاق فِلَسطين، إضافةً إلى عدد كبير من طلّاب الجامعات والكلّيّات والمدارس، وغيرهم.
كما حلّ الرّوائيّ إبراهيم نصر الله ضيفًا على جناح مكتبة "كلّ شيء"، في معرِض الكتاب الدّوليّ في الدّار البيضاء (المغرب).. ومن الدّار البيضاء في المغرب كان لي معه حوار سريع..
..وهكذا عشت المغرب وتعرّفته، على مدار أسبوع بأكمله، بثقافته وحضارته وفنونه وجماله وأهله.. وعن ذلك ستكون لي كتابة مستقبليّة.
إبراهيم نصر اللّه ذاكرة فِلَسطين الرّوائيّة
مطانس فرح
– كيف تعرّف قرّاء صحيفة "حيفا" بإبراهيم نصر الله؟
نصر اللّه: أفضل تعريف عن إبراهيم نصر اللّه هو قراءة إبراهيم نصر اللّه! من الصّعب جدًّا أن يختزل الإنسان نفسه وتجربته بعدّة كلمات أو سطور، فقد أمضيت عمري بالتّعريف بنفسي وبفِلَسطين عبر كتاباتي.
بدوري أذكّر بأنّ إبراهيم نصر اللّه، هو كاتب وروائيّ فِلَسطينيّ الأصل، وُلد في عمّان لوالدين فِلَسطينيّين هُجّرا من أرضهما وقريتهما البريج (قضاء القدس) عام 1948 (م.ف.).
– أنت من مواليد مدينة عمّان.. إلّا أنّ مَن يتابع كتابات إبراهيم نصر الله ويقرأ رواياتك جيّدًا، يشعر وكأنّك تسكن فِلَسطين وتعيش فيها، أو أنّ فِلَسطين تسكنك وتعيش فيك..
نصر اللّه: صحيح جدًّا كلامك، لأنّي أعيش فِلَسطين فعلًا في حياتي اليوميّة، فهي تسكنني وأنا أسكنها.. أتنفّس فِلَسطين، رغم وجودي بعيدًا عنها. فِلَسطين حيّة في داخلي وفي داخل كلّ فِلَسطينيّ بعيد عن أرضه ووطنه. لم ولن ننسى فِلَسطين، ولا يستطيع أحد أن يُنسينا فِلَسطين.. فِلَسطين هي إنسانيّتنا، فليست أرضًا ووطنًا وقضيّة، فقط؛ فمَن ينسَ فِلَسطين ينسَ إنسانيّته وليس قضيّته، فقط؛ فإن نزعت فِلَسطين من داخل الفِلَسطينيّ تجرّد من إنسانيّته.
– عمدت كثيرًا إلى تأريخ القضيّة الفِلَسطينيّة ضمن رواياتك، ولم تكتب الرّواية الفِلَسطينيّة لمجرّد الكتابة..
نصر اللّه: نعم. كنت أبحث كقارئ – قبل أن أكون كاتبًا – عن بعض الرّوايات الّتي تسرد مرحلة ما من مراحل حياة الشّعب الفِلَسطينيّ، تتحدّث عمّا حدث لفِلَسطين ما قبل الـ48..
– ولكن كانت هناك قصص تحدّثت عن فترات معيّنة من تاريخ فِلَسطين، كقصص الكاتب الفِلَسطيني الكبير إميل حبيبي، غسّان كنفاني، وغيرهما..
نصر اللّه: نعم. إميل حبيبي، وجبرا إبراهيم جبرا، وغسّان كنفاني وغيرهم، استطاعوا أن يوثّقوا جزءًا هامّـًا من تاريخ شعبنا عبر رواياتهم، وأن يُثروا الأدب الفِلَسطينيّ.. وإميل حبيبي أثرى الأدب الفِلَسطينيّ برائعته "المتشائل" الّتي تركت بصمة دامغة وهامّة جدًّا في الرّواية الفِلَسطينيّة.
ولكن عن مرحلة ما قبل الـ48، وهواجس الفِلَسطينيّ وحكاياته اليوميّة وتراثه وأحلامه، والهجمة الحقيقيّة الّتي تعرّض لها، بدءًا من عهد الأتراك فالإنچليز، وصولًا إلى الصّهاينة.. لم تأتِ رواية لتسرد هذه الأحداث، فكتبت "زمن الخيول البيضاء".
«زمن الخيول البيضاء»
هي جزء من مشروع متكامل لإبراهيم نصر اللّه، عبارة عن ملحمة صدرت في ستّ روايات، تناولت أحداثًا جرت على مدى 125 عامًا في فِلَسطين. ولكلّ رواية أحداثها وشخوصها المنفصلة، وإن كانت كلّها تدور حول المحور نفسه، ولكن باختلاف زاوية التّناول.
وقد استند نصر اللّه في روايته إلى شهادات لأشخاص حقيقيّين أُخرجوا من ديارهم وأرضهم، بعد أن شهدوا مقتل أهلهم وذويهم.
رواية "زمن الخيول البيضاء" ملحميّة استثنائيّة يتوّج بها الشّاعر والرّوائيّ إبراهيم نصر اللّه مشروعه الرّوائيّ الكبير (الملهاة الفِلَسطينيّة) الّذي بدأ العمل عليه منذ عام 1985. يتأمّل نصر اللّه في هذا المشروع تاريخ الشّعب الفِلَسطينيّ، برؤية نقديّة عميقة، ومستويات فنّيّة راقية.
– ولكن بكتابتك الملهاة/الملحمة الفِلَسطينيّة، تقع على عاتقك مسؤوليّة كبرى، ألا تعتقد ذلك؟
نصر اللّه: بالطّبع، تقع على عاتق الكاتب مسؤوليّة كبرى، وخصوصًا لدى توثيقه وسرده للأحداث التّاريخيّة. عليك أن تنقل الحقيقة وتقنع القارئ بذلك عبر كلماتك.. هذه مسؤوليّة كبرى، فالحرب بيننا وبين أعدائنا هي "حرب الذّاكرة" و"حرب الرّوايات".. له رواياته ولنا رواياتنا أيضًا، ولكنّ الحقيقة في رواياتنا تؤكّد أنّ الأرض لنا.
– إلّا أنّ رواياتك لا تخلو من الوقوف على سلبيّات المجتمع الفِلَسطينيّ، أيضًا..
نصر اللّه: لا وجود للملائكة بشكل مطلق في أيّ مكان ما في العالم. من الصّعب أن يكتب الكاتب عملًا واقعيّـًا صادقًا وأن يصل إلى المتلقّي من دون أن يذكر الوقائع السّلبيّة أيضًا، فمَن يكتب عن الإيجابيّات، فقط، يخدع ويضلّل شعبه. فعليك كتابة الرّواية بكلّ شفوفيّة وصدق..
فأنت عندما تواجه شعبك بالحقيقة تخدمه. عليك أن تكتب رؤيتك حول كلّ ما وصل إليه تحليلك الأدبيّ والفنّيّ والإبداعيّ، وهذا ما فعلته في "زمن الخيول البيضاء" و"قناديل ملك الجليل" و"تحت شمس الضّحى"، وغيرها.
– لِمَ أنت مقلّ جدًّا بزيارتك إلى الضّفّة الغربيّة، رغم حبّك اللّا-منتهي لفِلَسطين؟
نصر اللّه: إنّ الظّروف على أرض الواقع لا تشجّع، صراحةً، على الزّيارة. كما أنّي أواجه صعوبات جمّة كلّما نويت ذلك. لكنّي سأزور رام اللّه في الـ25 من أيّار بدعوة من مؤسّسة محمود درويش، لعقد ندوة حول أعمالي الأدبيّة.
– وماذا عن مشاركتك، اليوم، في معرِض الكتاب الدّوليّ في الدّار البيضاء؟
نصر اللّه: تأتي مشاركتي بدعوة من السّفارة الفِلَسطينيّة ووزارة الثّقافة المغربيّة للحديث عن تجربتي الأدبيّة بشكل عامّ، الرّوائيّة منها والشّعريّة، وعن فِلَسطين في كتاباتي.
– هل تعمل على رواية جديدة؟
نصر اللّه: ضمن مشروع "الشّرفات" أعمل على كتابة رواية جديدة تحمل اسم «شُرفة الهاوية»، آمل أن تصدر أوائل صيف العام الجاري.
– كلمة أخيرة توجّهها لقرّاء صحيفة "حيفا"..
نصر اللّه: تحيّاتي القلبيّة لجميع قرّاء صحيفة "حيفا" الغرّاء، ولأهلي وأحبّائي وأصدقائي في حيفا، وفي جميع أرجاء فِلَسطين الحبيبة.. فأنتم في القلب، دائمًا.