وقفت دقيقة حداد..!!

مراسل حيفا نت | 15/04/2013

 

لمحني أحد "الوطنيّين" "الإنسانيّين"، صباح الاثنين الأخير، وأنا أقف في الطّريق دقيقة حداد على أرواح شهداء ذكرى المحرقة النّازية، فلم يعجبه هذا الإنسانيّ الأمر، فشتم ولعن وهاج وماج.. ولأنّي إنسانيّ بالأساس تحتّم عليّ إنسانيّتي على الوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء مجزرة ارتكبت بحقّ الإنسانيّة.



وبهذه المناسبة أذكّر بما جاء في مقالة كنت قد نشرتها قبل نحو عامين في صحيفة "حيفا" عن الموضوع..



يستحيل أن أخال نفسي واقفًا – ولو ثانية، وليس دقيقة – حدادًا على أرواح الجنود في يوم ذكرى شهداء معارك إسرائيل؛ هؤلاء الجنود الذين احتلّوا أراضينا، وشرّدوا أهالينا، وقتلوا شيوخنا ونساءَنا وأطفالنا.. فالقضيّة هنا ليست إنسانيّة؛ إذ سأتعاطف مع قاتلي أبناء شعبي، علمًا أنّني أحاول ألّا أتظاهر بشكل استفزازيّ أو فظّ لدى وجودي بين زملاء يهود، فأتهرّب إلى أن تهدأ الصافرة.

عدم وجودي لحظة سماع الصافرة – بشكل فجائيّ! – وسْط زملائي اليهود، قد يعطي جوابًا لغالبيّتهم، بشكل غير مباشر، عن موقفي من صافرة ذكرى شهداء معارك إسرائيل، من دون الخوض في نقاشات، وفي هذا اليوم خصوصًا؛ لأنّنا سنكون – أنا وهم – واقفَيْن على قطبَي نقيض! فأترك النقاش، غالبًا، لأوقات أنسب، أقلّ توتّرًا وحدّة.



إلّا أنّ لـ"شقيقة" هذه الصافرة، صافرة ذكرى "الكارثة والبطولة"، والتي تسبقها بأسبوع واحد، قصّة مختلفة؛ حيث تذكّرنا بضحايا النازيّة، من جرّاء عمليّة الإبادة الكبرى والبشعة التي اقتُرفت بحقّ البشريّة جمعاء – وليس اليهود، فقط – بفعل سياسة نازيّة قامت على أساس عنصريّ، عرقيّ، دينيّ، واستعلائيّ.. باقتراف كُبرى الجرائم بحقّ الإنسانيّة، لهدف الإبادة والتطهير! 



لا يُعرف عدد ضحايا النازيّة، بالضبط، ولكن يُشار إلى أنّ العدد قد يصل إلى 20 أو حتّى 25 مليون ضحيّة، بينهم: 6 ملايين يهوديّ، وملايين أخرى من الشعوب والديانات والمجموعات العرقيّة الأخرى، أبرزهم، ما يقارب الـ: 3 ملايين پولنديّ، 3 ملايين روسيّ، مليون غجريّ، عدا مئات الألوف من العرب، والمقعدين والعاجزين والضعفاء والمرضى والمثليّين، وغيرهم.



وبما أنّ صافرة شهداء المحرقة النازيّة تختلف مضمونًا، وتأتينا من منطلق إنسانيّ، ولأنّنا إنسانيّون، فعلينا أن نقف مع أخينا الإنسان.. فالحَيرة التي كانت تلفّني في سنوات سابقة حول وقوفي دقيقة حداد لدى سماعي صافرة ذكرى المحرقة النازيّة – "الكارثة والبطولة" – تبدّدت، ولا أجد أيّ سبب يمنعني من الوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء مجزرة ارتكبت بحقّ الإنسانيّة، راح ضحيّتها الملايين.



أعيد وأكرّر بأنّ الفرق شاسع ما بين الصافرتين «الشقيقتين».. لأنّ التعاطف مع ملايين ضحايا المحرقة النازيّة والوقوف دقيقة حداد لدى سماعنا الصافرة، هو إنسانيّ.. بينما التعاطف مع شهداء معارك إسرائيل (الجنود)، والوقوف دقيقة حداد لدى سماعنا الصافرة، هو…!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *