رزق ساحوري
(تصوير: وائل عوض)
النجاح في الحياة التجارية والمهنية لا يأتي بسهولة أو نظرًا لمحالفة الحظ، بل بالمثابرة والعمل المتواصل والتطلّع إلى التقدم والتطوّر على مدى سنين طويلة. كما أنّ السُمعة الطيبة، المعاملة الجيدة، تشغيل عمال مهنيّين يتمتعون بلباقة كلاميّة، جميعها أسباب أساسية لإجتذاب الزبائن وجعلهم يترددون إلى المحلات التجارية بهدف التسوق أو شراء الحاجيات البيتية.
نتحدث في تقريرنا عن شاب حيفاوي (39 عامًا)، متزوج وأب لخمسة يعمل منذ 25 عامًا في بيع اللحوم، وقد استطاع إقامة شبكة لحوم تحمل اللقب الذي حمله والده، وهو «بمبينو» فأطلق عليها شبكة ملاحم «بمبينو»، حيث يبيع لحوم البقر، العجل، الخروف، الدجاج، النقانق وغيرها.
بدأت حياته في عالم اللحوم منذ نشأته حيث كان يتردّد لكي يساعد والده بعد الدوام الدراسي في ملحمته في حي وادي النسناس. وبعد أن بلغ 14 عامًا قرر ترك مقاعد الدراسة، وبدأ العمل برفقة والده المرحوم أحمد صبح، الملقّب «بمبينو» إنّه حسام صُبح، وقام بافتتاح محلات بيع اللحوم والشوارما بعد وفاة والده. وما زالت صورة والده تزيّن شعار ولوغو شبكة «بمبينو» للحوم، ممّا يدل على محبته لوالده، الذي علّمه مهنة الجزار، الجرم، التّقطيع، أصناف اللحوم وجودتها، معاملة الزبائن.
بدأت بالسّؤال عن والده المرحوم أحمد صبح أبو يونس، الملقب بـ«بمبينو» الذي بدأ حياته عاملًا في ملحمة في سوق «تلپيوت» في حيفا منذ كان فتى في 13 من عمره.
– ولكن لماذا لقّب والدك بـ«بمبينو»؟
خلال عمل والدي في الملحمة وفي تنظيف السّمك حيث كان فتى نشيطًا، ذكيًا، صادف أن تردّد إلى السّوق تاجر لحوم إسپاني، يدعى جاكو. وقد أُعجب بمهارة ونشاط والدي، وجديته. وأخذ يناديه «بمبينو» أي الفتى، وهكذا بدأ الأصدقاء والمعارف ينادون والدي «بمبينو» وقد التصق هذا اللّقب بوالدي حتى توفي. إلّا أنني قررت أن يكون شعار الملاحم التي افتتحتها بعنوان «بمبينو». وأن تزين صورة والدي وسط هذا الشعار تفاؤلًا بالنّجاح.
وتابع حسام بمبينو «بعدها توجه جاكو إلى والدي وطلب منه العمل لديه، حيث كان مقاولًا لجرم اللحوم، وهكذا بدأ والدي حياته في عالم اللحوم. لقد عاش والدي في سوق «تلپيوت»، بمحبة واحترام وأصبح من أهم عمال الجرم. ومن ثمّ أصبح مقاولًا في جرم اللحوم، وانضم عدد من العمال للعمل إلى جانب والدي بمن فيهم عمي صالح صبح (أبو علي)، وفي تلك الفترة عمل والدي في تجارة السيّارات.
وفي عام 1969 فتح والدي ملحمة في شارع مار يوحنا في حي وادي النسناس، وما زالت حتّى يومنا، يديرها أخي الكبير يونس. وكان والدي قد اشترى الملحمة من عائلة سلامة ودفع نصف المبلغ والباقي على دفعات. وحالف الحظ والدي إذ كان صديقًا لتاجر لحوم يدعى يوناس، فدعمه هذا وبدأ بتزويده باللحوم، ولهذا أطلق والدي على أخي البكر اسم يونس. ونجح والدي في هذا المجال، حتى عام 1999، طيلة 30 عامًا متواصلاً، وعمل مستقلًا، حتّى توفي.
كانت الملحمة في وادي النسناس مصدر رزق العائلة، وبعد سنوات قرر والدي فتح ملحمة ثانية في وادي النسناس، لكي يعمل فيها أولاد عمّي صالح (أبو علي)، ولم يحقّقوا نجاحًا اقتصاديًا، وتمّ إغلاق المحل. وفي عام 1984 فتح والدي محلًا لشوارما «بمبينو» في شارع يافا، ولاقى نجاحًا، ولكن تمّ هدم المحل بسبب توسيع الشّارع، وتمّ نقله إلى مكان آخر في شارع يافا.
– ولكن كيف بدأت إقامة شبكة ملاحم؟
في عام 2000 راودتني فكرة لتطوير مصلحتنا، وهي افتتاح محل للحوم في شارع رئيسي يقع على مرأى من النّاس، وقد حالفني الحظ بافتتاح محل لحوم في شارع أللنبي. ودعمني والدي في العام الأوّل، ثم أصبحت مستقلًا، ومن هنا بدأ مشروع حياتي. توفي والدي عام 2009 والّذي كان بالنسبة لي معلّمي في المهنة والتجارة، وفي معاملة الزبائن، فهو مدرستي وفيها نشأت. فقد تمّ افتتاح محل «بمبينو» للحوم في شارع أللنبي، وقد حقّق نجاحًا وأصبح اسمًا هامًا في السّوق وحظي بإقبال الجمهور.
وصادف أن تعرض ملحمة عائلة الصلح في شارع أللنبي تجاه البحر للبيع، فاشتريت الملحمة عام 2007 وقمت بترميمها وافتتحتها محلًا للحوم وأضفتها إلى شبكة «بمبينو». وتساءل كثيرون كيف تفتح محل للحوم في نفس الشّارع (أللنبي)؟ ولكن نشكر اللّه فإنّ المحلّين ناجحان تمامًا، فلكل محل زبائنه، وعماله المهنيّون. وفي عام 2009 رحل والدي عن الدّنيا، وكان أخي يونس يعمل في ملحمة وادي النسناس، وبعد عدّة أشهر توجه إلي أخي يونس بأن أتولى إدارة المحل لكي يبقى يعمل بكل نشاط وهمّة، وهذا ما حصل. وفي عام 2009 أصبحت شريكًا لصديقنا أحمد غنّام في محل الشوارما في شارع أللنبي وأطلقنا عليه اسم شوارما «غنّمبينو».
– ولكن هل طموحاتك مستمرة؟
أحبّ العمل في حيفا ولا أفكر بفتح ملاحم خارج المدينة، بل أتّجه إلى تقوية شبكة اللحوم فيها. والتّخطيط جار لفتح مطعم في حيفا يقدّم أشهى المأكولات والسّلطات. وبودي هنا أن أتوجه بالشّكر الجزيل لزوجتي ووالدتي الداعمتين لي ولمشاريعي في الحياة. وأتوجّه إلى الشّباب العرب بأن يتعلّموا ويعملوا حتّى نحافظ على مجتمعنا، وأنا أحبّ الناجحين في الحياة.
– لماذا تستعمل اللوغو تحت عُنوان «بمبينو» مع صورة الوالد؟
والدي هو الأساس وهو الـ «بمبينو» أي اسم الشهرة، فله الفضل. صورته ووجهه بركة علينا ولا يمكن أن ننساه، وكل زبون يسأل من في الصّورة يعرف أن هذا والدي، وهذا الشعار سيبقى لولد الولد. فالشّعار موجود في كلّ إعلان، وكل زاوية من شبكة الملاحم. ولكني لا أنسى في الوقت الذي عمل فيه والدي، تلقى الدعم في العمل من أولاد عمي صالح صبح، الّذين عملوا سنين مع والدي وأحبّهم كأولاده، كما أن أخي يونس تعب وشقي في العمل.
– نقرأ أسبوعيًا عن حملات إعلانيّة على اللحوم كيف تحافظ على هذا التّواصل المكلف؟
الحملات على أسعار اللّحوم مستمرة فعلًا، فالزّبون يأخذ بضاعة جيّدة وبجودة عالية. وهذه الحملات تهدف إلى مسايرة الزبائن في شبكة ملاحم «بمبينو»، الأسعار موحّدة على أجود أنواع اللحوم. فمثلًا لحم الخروف غالي الثمن، قمت بحملة على لحم الخروف تضاهي لحم العجل وبأسعار معقولة.
أمّا طموحاتي في التطوّر، عدا عن التّفكير في افتتاح مطعم، فقد أخذت أتوجه إلى الاستثمار بالعقارات، ودعم مصلحة أو مشروع ناجح. كما أدخلت الأجبان والألبان الخاصّة من لبن الماعز، من مصنع «الكرم» في المثلث، كما نبيع أسماك الفيليه، النقانق البلدية من انتاج ملاحم «بمبينو»، عدا عن لحوم الدجاج، بأسعار مخفّضة ومعقولة.