لمراسل خاص
تصوير وائل عوض
غصّت يوم الثلاثاء الأخير قاعة كنيسة يوحنا المعمدان بعدد كبير من متذوّقي الشّعر والأدب، والأصدقاء والمعارف، في أمسيّة أدبيّة شعريّة خاصّة، أحياها الدّكتور عيسى نقولا. وقد تولّى عرافة الأمسيّة المحامي كميل مويس، ورحبّ بالحضور قائلًا: «أثمّن غاليًا حضوركم ومشاركتكم لهذه الأمسيّة الأدبيّة الشعريّة المميّزة»، مشيرًا إلى أهميّة الحفاظ على اللّغة في أيّامنا هذه. وأضاف: «نستضيف في ندوتنا هذه الطبيب عيسى نقولا، متذوّق وهاوٍ للشّعر والأدب العربيّ، والّذي كان قد شارك في ندوات أدبيّة وشعريّة عديدة».
وعرّف مويس عن د. نقولا بالقول: «ولد د. عيسى نقولا في حيّ وادي جمال في شارع الأخطل (هعوچن)، انهى دراسته الابتدائيّة في مدرسة «الأخوّة» في حيّ وادي النسناس، ودراسته الثانويّة في الكليّة الأرثوذكسيّة العربيّة في حيفا. درس موضوع الطّب في مدينة ليننغراد (سانت بطرسبورغ) في الاتّحاد السوڤياتي (سابقًا)، وتخرّج منها طبيبًا، وهو يمارس مهنة الطب منذ عودته إلى أرض الوطن منذ عام 1975».
وأشاد بإنسانيّة وأخلاق د. نقولا مثال الطبيب الإنسان الّذي يرى في الطب مهنة إنسانيّة، ويعمل بكلّ إخلاص وجدّ من أجل أبناء مجتمعه.ومن ثمّ اعتلى الدكتور عيسى نقولا المنصّة مرحّبًا بالجميع، وعلى الرّغم من أنّه ليس شاعرًا إلّا أنّه من أكبر متذوّقي الشّعر والأدب، يعشق الشّعر ويحفظه عن ظهر قلب.. فقال: «كلّ من يستمع إلى الشّعر من المفروض أن يشعر بالنّشوة والسّعادة».. وفعلًا شعرنا بالنّشوة والسّعادة عندما قام بإلقاء مقاطع شعريّة حفظها غيبًا نالت استحسان الحضور وإعجابه.
وما كان لافتًا للنظر أنّ الطبيب نقولا ليس طبيبًا فقط، بل متذوّقًا للشعر يحفظ الأشعار ويتميّز بإلقائها، فشدّ الحضور على مدار ساعتين من الزّمن لنكتشف به جانبًا مميّزًا آخر.. فقلّما تجد أطبّاء أو دارسين في مجالات علميّة متمكّنين بمثل هذه الدرجة، يحفظون غيبًا أبياتًا، فإن دلّ ذلك فعن ثقافة واسعة كقلب الطبيب الكبير.. فكنت تلمس خلال إلقائه للشّعر بأنّه قارئ نهم ودارس متعمّق ملمّ بما يلقيه. وتحدّث د. نقولا عن تاريخ الشّعر والأدب في الجزيرة العربيّة، وعن القبائل والشّعراء، وعن العرب الّذين هم أشعر النّاس حيث كان يتّسم ببساطة الوصف قبل الإسلام..
فألقى من قصائد: الحُطَيئة (رائد الشّعر القصصي) الّذي يصف حياة الفقر، الشّاعر «الاشتراكيّ» طرفة بن العبد، فألقى من شعره وتحدّث عن غزواته، والشّاعر حسّان بن ثابت، كعب بن زهير بن أبي سلمى فألقى مقطعًا من قصيدة «بانت سعاد».. كما تحدّث عن امرؤ القيس، وعن الغزل في شعره..كما تحدّث عن القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة والحياتيّة. كما حدّثنا عن عبد الله بن الزّبير، معاوية بن سفيان، الحجّاج بن يوسف، كتيبة بن مسلم، الأصمعي، وأبو نوّاس، وعن تاريخ الشّعر والأدب.
وقد فاجأنا، مجدّدًا، بتمكّنه وعمق تحليله للأشعار.. وتحدّث عن شعر المرأة والطبيعة والحروب والغزوات والغزل والمديح والذّم، والفقر والحياة البسيطة وغيرها من الأشعار.وقد تضمّنت الأمسيّة فقرة فنيّة للملحّن حبيب شحادة، حيث أطرب الحضور بعزفه على آلة العود لثلاث معزوفات موسيقيّة.. من تلحين شحادة إحداها بعُنوان «المحطّة» تحكي عن وضع حي محطّة الكرمل الحيفاويّ.
وغادر الحضور القاعة متعطّشًا للمزيد.. فالطّبيب عيسى نقولا لا يعالج الجسد فقط، بل يغذّي ويعالج الروح أيضًا.. طمعنا بالمزيد لكن ضيق الوقت داهمنا.