
تقرير: رزق ساحوري
تصوير: حمّودي غنّام
من الملفت للنّظر في الأشهر الأخيرة توقّف التّواصل بين مسرح «الميدان» في حيفا والإعلام العربيّ على أنواعه. إذ لم نقرأ أخبارًا في الآونة الأخيرة حول إنتاج جديد للمسرح، أو عروض جديدة، مما يعني أنّ خللًا ما قد طرأ على الأوضاع هناك. وممّا شدّ الانتباه أنّ اللافتة التي ثُبتّت على مبنى برج الأنبياء إعلانًا لمسرحيّة «قمر على باب الشّام»، قد مضى عليها أكثر من عشرة أشهر.
نعم إنّ مسرحيّة «قمر على باب الشّام» هي آخر ما أنتجه مسرح «الميدان»، ويبقى السّؤال: ما الّذي يحدث وراء الكواليس؟ لماذا تمّ إقالة منسّقة العلاقات العامّة؟ لماذا توقّف المسرح عن عروضه؟ ولماذا توقّف إنتاجه؟
هذا المسرح الّذي يعتبر منبرًا ثقافيّـًا، فنيّـًا، أحدث تحوّلًا في عالم المسرح المحليّ، فقد أنتج عشرات الأعمال المسرحيّة وقدّم مئات العروض في حيفا وسائر البلاد.
وبرزت بوضوح صارخ استقالة الكاتب والمخرج المسرحيّ رياض مصاروة من مهامّ مدير عام مسرح «الميدان» في حزيران من العام الجاري (2012)، بعد عامين على توليه هذه الوظيفة. وممّا جاء في كتاب الاستقالة الّذي قدّمه إلى الهيئة الإداريّة: «أعلمكم أنّه لم يعد بمقدوري إدارة مسرح «الميدان» بوظيفتين: مدير إداريّ ومدير فنيّ، وأتوجّه إلى حضراتكم بقبول استقالتي كمدير عام لمسرح «الميدان» بوظيفتين». وهذا يعني فصل وظيفة المدير العام إلى وظيفتين، إداريّة وفنيّة.
توجّهنا إلى رئيس الهيئة الإداريّة، المحامي المتقاعد والكاتب وليد الفاهوم، الّذي حدّثنا في حوار خاصّ وصريح عن أحوال المسرح.
– متى وكيف تأسّس مسرح «الميدان»؟ وما هو الخلل في تعيين مدير؟
تأسّس مسرح «الميدان» عام 1995 في حيفا، وقد انضممتُ إليه عضوًا في الهيئة الإداريّة منذ عام 1998، وما زلت عضوًا في المجلس العامّ ورئيسًا للهيئة الإداريّة على مدار دورتين، وبانقطاع نحو عامين خلال فترة رئاسة أديب أبو علوان. فحين تولّى المخرج فؤاد عوض إدارة مسرح «الميدان» حاول إقامة فرع للمسرح في حينه في النّاصرة، وقد دعمنا الفكرة وقمنا باستئجار قاعة «فرانك سيناترا»، إلّا أنّ هذه التجربة قد فشلت بأن يكون مسرح «الميدان» في النّاصرة وفي حيفا، في آنٍ واحد.

أطلق على مسرح «الميدان» حين انطلاقه «المسرح العربيّ في إسرائيل»، وكان أوّل مدير عام له الفنّان يوسف أبو وردة، وقد بادر إلى الفكرة عدد من الشّخصيّات، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الدّكتور حاتم خوري، الدّكتور فهد أبو خضرة، الفنّان مكرم خوري، الإعلاميّ يوسف فرح، الكاتب والإعلاميّ نايف خوري، وغيرهم.
وكان ذلك في فترة وزيرة المعارف والثّقافة شولميت ألوني، وفي فترة رئيس بلديّة حيفا عمرام متسناع. فقد كانت فكرة إنشاء مسرح «الميدان» مصلحة مشتركة وما زالت ما بين المسرح وبين بلديّة حيفا ووزارة الثّقافة والرّياضة.
فالسّياسة العامّة لمسرح «الميدان» هو أن يستأجر القاعة من يشاء وإبداء رأيه كما يشاء، وعدم تدخّل الإدارة في أيّ مضمون لأيّ اجتماع في مسرح «الميدان». فهو مسرح وطنيّ لكلّ الآراء السياسيّة والفنيّة والاجتماعيّة.
هذا وقد سارت الأمور بسلاسة في المسرح، ولكن سياسة الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة وضعت الصّعوبات والعراقيل للحصول على المنح والمساعدات والدّعم الّذي يستحقّه المسرح من الوزارة، أسوةً بسائر المسارح العاملة في البلاد. وبعد أن أنهى يوسف مهمَّته انتخبت الهئية الإداريّة فؤاد عوض مديرًا فنيّـًا ورائد نصر اللّه مديرًا إداريًا.
وفي تلك الفترة ساد التّفاهم بين الرئيسين لجسم واحد، ولكن بعد فترة زال هذا التّفاهم، فاضطررنا إلى تغيير الدستور مرّة أخرى، والعودة إلى أسلوب تعيين مدير عام واحد. وتولّى الإدارة الفنّان مكرم خوري، ثمّ الفنّان سليم ضو، تلاه المخرج رياض مصاروة.
ولكن المديرين الّذين تولّوا مناصبهم كانت نزعتهم فنيّة أكثر منها إداريّة، ولكن هذا لا يتناسب مع إدارة مؤسّسة كالمسرح. وأخذت الأمور الاقتصاديّة تتدهور حتّى واجه المسرح أزمةً ماليّة هدّدت وجوده. والآن تمّ اختيار الفنّان عدنان طرابشة، في أيلول الماضي، لإدارة المسرح، بعد فوزه بالمناقصة.
– هل مسرح «الميدان» عبارة عن جمعيّة مستقلّة أم مؤسّسة بلديّة أم حكوميّة؟
إنّ مسرح «الميدان» جمعيّة مسجَّلة غير ربحيّة، تتكوّن من مجلس عام من 80 شخصًا يرأسه الدّكتور حاتم خوري، حيث ينتخب المجلس العامّ الهيئة الإداريّة الّتي أرأسها. لا يوجد مسرح في إسرائيل بدون عجز ماليّ، لأنّ الميزانيّة ضعيفة والدّعم ضعيف أكثر. فنحن كمسرح وطنيّ يعبّر عن الأقليّة العربيّة الفِلَسطينيّة في الدّاخل. ويأتي تصنيفنا كمسرح وطني، وهذا تعريف مسرح «الميدان».
– لماذا طرأ الخمول على النّشاط المسرحيّ في الأشهر الأخيرة؟
لقد تلقّيت ملاحظة حول اللافتة «القديمة»، من المدير العام الجديد لمسرح «الميدان» الفنّان عدنان طرابشة. أمّا الخمول والتباطؤ في إنتاج أعمال جديدة يعود إلى تراكمات على العجز في الميزانيّة، فقد بلغ في العام الماضي حوالي 300 ألف شيكل.
أمّا المدير العام الجديد، الفنّان عدنان طرابشة، فقد قدّم للهيئة الإداريّة خطّة إشفاء للخروج بالمسرح من هذا المأزق الماديّ. وقد بحثت الهيئة الإداريّة الخطّة في جلساتها للتّعديل أو المصادقة عليها. وتتفرّع الخطّة إلى عدّة بنود، منها تقليص عدد الموظفين السّبعة العاملين في المسرح. وكان المجلس العامّ قد انتخب الهيئة الإداريّة الأخيرة في شهر حزيران عام 2012، وخلال 6 أشهر عقدنا 18 اجتماعًا. وهذا يعني أنّنا نريد إنقاذ المسرح من الانهيار.

رئيس الهيئة الإدارية، المحامي وليد الفاهوم
– ولكن العلاقات العامّة في تراجع، والعروض المسرحيّة ضئيلة، لماذا؟
ما زال المسرح ينبض؛ فنحن حاليًا نتجنّب النشر، فقد كانت تعمل موظّفة للعلاقات العامّة، وتمّ إلغاء هذه الوظيفة، حيث يمكن للمدير العام أن يقوم بها(!). نحن لا ننكر أنّ المسرح قليل الإنتاج هذه الفترة بسبب الضّائقة الماليّة، ولكنّنا لن ندعه ينهار، ولن نغلق أبوابه. وعندنا ثقة بشعبنا، وثقة بالمجلس العام والهيئة الإداريّة، وثقة بالإدارة الجديدة، وثقة بالموظّفين الّذين يتفهّمون وضع المسرح الجديد.
أمّا بخصوص الميزانيّة لعام 2013، الّتي أعدّها المدير العام الجديد الفنّان طرابشة، فتتضمّن خطّة إشفاء، وتبلغ نحو 3 مليون. وتتكوّن من: مدخول ذاتيّ نحو 300 ألف شيكل، مدخول من العروض الخارجيّة نحو 330 ألف شيكل، مدخولات جانبيّة نحو 100 ألف من: إيجارات القاعات، تبرّعات «مفعال هپايس»، وغيرها. والباقي معاشات الموظّفين وإنتاج العروض. وبحسب الخطّة فإنّ العجز المالي سيصل حوالي 20 ألف شيكل فقط في العام 2013(!). وقد صادقت الهيئة الإداريّة على الخطّة، يوم الاثنين الماضي (2012/12/17)، في جلسة عُقدت في المسرح.
– ولكن من أين تحصلون على الدّعم، وكيف وقعتم في عجز؟
نحن نحصل على دعم ماليّ من بلديّة حيفا، بما يقارب المليون و275 ألف شيكل سنويًا، منها ندفع إيجار المكاتب والقاعات وندفع ضريبة السّكن («أرنونا») للبلديّة، ومعاشات الموظّفين. أما من وزارة الثّقافة فنحصل على ميزانيّة تصل إلى نحو مليون و75 ألف شيكل. إذًا مجموع المدخولات في العام الماضي 2012 كان ما يقارب الـ3 مليون و83 ألف شيكل؛ ولكن التّقدير في العام 2013 هو3 مليون و108 آلاف شيكل من البلديّة ووزارة الثّقافة ومدخولات المسرح من إيجار القاعات، والعروض. وبالنّسبة للميزانيّات من وزارة الثّقافة كانت أكثر، وفي السّنوات الأخيرة تمّ تقليصها.
بعض السّلطات المحليّة الّتي قدّمنا لديها عروضًا فنيّة ما زالت مَدينة للمسرح منذ سنوات، بمبالغ منها 5 آلاف شيكل ومنها 10 آلاف شيكل. كما أنّ مهرجان قرطاج مَدين لنا بـ6 آلاف دولار منذ عام 2009، وقد أرسلنا رسالة إلى وزارة الثّقافة التونسيّة مُطالبين تسديد الدّين نحو 24 ألف شيكل، بالإضافة إلى الدّيون على المجالس المحليّة.
– ألا تتحدّث الأعمال المسرحيّة عن الأقليّة العربيّة في إسرائيل؟
هناك العديد من المسرحيّات عن العرب في البلاد، كان آخرها «قمر على باب الشّام»، الّتي تتحدّث عن أوضاع العرب في هضبة الجولان المحتلّة؛ وإذا دقّقنا فالمسرحيّات العالميّة تحوّلت إلى فِلَسطينيّة، أي أنّ كاتب السيناريو بذل جهده ليعبّر عن الأقليّة وتحويل الفكرة الأساسيّة إلى فكرة محليّة.
– ما هي آخر إنتاجات المسرح؟
هناك مسرحيّة جديدة بعنوان «إيكاريوس» لكاتب ألمانيّ؛ وعمل على النّص عدنان طرابشة ورياض مصاروة، ويقوم بإخراجها رياض مصاروة. كما لدينا إنتاج تبنّيناه، وهو مسرحيّة «ليلى الحمراء» لجيل الأطفال. فالمسرحيّة لمسرح «المرايا» سابقًا، والّذي كان يرأسه عدنان طرابشة؛ كما تبنّينا سابقًا مسرحيّة «كپوتشينو في رام الله» في العام الماضي، للفنّانة سلوى نقّارة.
– هل المدير العام لمسرح «الميدان» يسكن في مدينة حيفا، ولديه مَن يعاونه؟
الفنّان عدنان طرابشة (ابن المغار)، هو مدير عامّ ومدير فنّيّ وليس له مساعد. فأنا أقولها علنًا بأنّ طرابشة يحصل على شيكل واحد فقط(!!) كراتب شهريّ، لأنّه يتلقّى راتبًا من مصدر آخر. ونحن موجودون في غمرة خطّة الإشفاء، ومن الصّعب أن يكون المدير العام متبرّعًا. الوضع الماليّ صعب، ولكن نحن نحاول تنفيذ ما تطلبه الوزارة، وهي ثلاثة إنتاجات سنويّة. ومن حيث العروض نتوخّى في العام 2013 – حسب البرنامج – تنفيذ 250 عرضًا.
– لماذا لا يتبنّى مسرح «الميدان» فنّانين ثابتين، كمسرح «الكرمة»؟
يحتاج هذا الأمر إلى ميزانيّات، وأحد أهداف مسرحنا «الميدان»، هو تأسيس فرقة تمثيل ثابتة؛ ولكن لا توجد إمكانيّة ولا ميزانيّة. ولو توافرت الإمكانيّة لحصل ذلك، وآمل في المستقبل أن تزداد الميزانيّة، وأن ننشئ فرقة مسرحيّة.
أريد أن أوضح بأنّ ما تقدّمه بلديّة حيفا لا يقدّمه أيّ مجلس محليّ عربيّ للأسف! فنحن مسرح قطريّ وصلنا النّقب، الجليل، المثلث، وفي نفس الوقت لا أحبّ أن نقارن أنفسنا مع باقي المسارح العربيّة أو اليهوديّة.. فنحن في وضع خاصّ تمامًا كالوضع الخاص لفِلَسطينيّي الدّاخل، فنحن أقليّة وطنيّة تعيش وضعًا خاصّـًا، كذلك مسرحنا الوطني في وضع خاصّ. فهناك تعاون مع المسارح العربيّة الفِلَسطينيّة في الضفّة، القدس ورام اللّه فنحن جزء من الشّعب العربيّ الفِلَسطينيّ.
– هل هناك إقبال على العروض المسرحيّة لمسرح «الميدان»؟
ثمّة تفاوت في الحضور يتعلّق بنوع المسرحيّة والظّروف، فالنّاس يجلسون أمام التّلفزيون نتيجة للحرارة السياسيّة والغليان في المِنطقة، وهذا يؤثّر على المسرح. نحن نعيش حالة التّأقلم الرافض، نحن نرفض توجّه الحكومة الإسرائيليّة للأقليّة العربيّة، لجعلها طوائف وملل وعشائر؛ ونعتبر أنفسنا أقليّة قوميّة تجاه دولة تعتبرنا أقلّيّات. فالمسارح الأخرى لا تعاني ما نعانيه عربيّة أم يهوديّة فهي مسارح محليّة وليست قطريّة.
– ما هي الطّريقة والوسيلة للنّهوض بالمسرح؟ بالإرادة القويّة والجهد الصّادق وبخطّة الإشفاء الّتي أعادت التّفاؤل والحياة للمسرح.
– ماذا عن تبنّي كتّاب محليّين مؤلّفي مسرحيّات؟
عندنا عدّة كتّاب، ولكن لا يوجد كتّاب مسرحيّين؛ فعندنا كتّاب قصّة وكتّاب رواية، ولكن كتّاب مسرح فعلًا لا يوجد. فقد تقدّم إلينا عدد من الكتّاب وكنت ضمن لجنة النّصوص، ولكنّني لم أوصِ بتبنّي هذه المسرحيّات، لأنّنا فقراء من ناحية النّص المسرحيّ.
– ماذا عن مسرح الأطفال؟ لقد اهتممنا بمسرح الأطفال، وعندنا عدّة عروض منها مسرحيّة «صحصح» وأولينا الطّفل برنامج «مسرحلي»، مسرحيّة ورحلة، وما زال هذا البرنامج قائمًا.
– كيف تتواصلون مع النّاس والإعلام؟ لماذا لا يوجد منسّق إعلاميّ؟
هناك خلل في الإدارة ولا ألقي التّهمة على المديرين الفنيّين السّابقين. التّنسيق الإعلاميّ كلّفنا كثيرًا، ولم يأتنا بالمردود؛ فهناك مصروفات كثيرة من محادثات هاتفيّة وخليويّة ومعاش وغيرها. فنحن نعيش تجربة جديدة مع طرابشة الّذي يحاول بصدق إنقاذ التّدهور والعجز في المسرح. فنحن نقول بأنّ الجمهور يجب أن نتوجّه إليه، وهناك عروض خارج حيفا نحن نتوجّه إلى الجمهور.
فللعلاقات العامّة لا حاجة لموظفة، فالمدير العامّ هو الّذي يقوم بذلك بعد المصادقة على خطّة الإشفاء، وبعدها نأتي إلى الجمهور والعروض. فمسرح «الميدان» ما زال ينبض، وهناك مجهود يُبذل لإعادة المسرح إلى الجمهور وعشّاق المسرح. فنحن على اتّصال مع القنصل العامّ الفرنسيّ وقد أرسلنا رسالة جديدة للتّعاون، وسنُبقي الباب مفتوحًا أمام العروض المسرحيّة من السّلطة الفِلَسطينيّة.





