حاورها: رزق ساحوري
تصوير: وائل عوض
تحتاج حياتنا اليوميّة في البيت، العائلة، المصلحة، أو الشِّركة، إلى نجاعة اقتصاديّة ونجاح في عدم التخبّط والوقوع تحت طائلة الدّيون أو الفشل في المصلحة وحتّى إغلاقها، أو الإعلان عن إفلاسها. فالإدارة الاقتصاديّة هي أساس النّجاح والتقدّم حتّى التوصّل إلى جني الأرباح.
فالملاحظ في مجتمعنا العربيّ أنّه لا يعي كيفيّة تنظيم ميزانيّة البيت، أو الحفاظ على المصلحة وتقدّمها وتطوّرها وتسويقها. لهذا يجب التوجّه، أحيانًا، إلى مستشار تنظيميّ أو خبير، لكي يقدّم النصائح والمشورة، ويواكب المصلحة أو الشّركة وأصحابها وحتّى موظّفيها.
وقد تخرّجت، مؤخّرًا، دُنيا مخلوف من الجامعة، بعد إتمام دراستها لهذا الموضوع، وأخذت تعمل بجدٍّ ونشاط في مواكبة المصالح والشِّركات، وإرشادها إلى طريق النّجاح والنّجاعة الاقتصاديّة. قلّما يدرس الطلّاب العرب هذا الموضوع كتخصّص، مع العلم أنّ المواضيع الاقتصاديّة، اليوم، تُشغل بال العصر الحديث.
ومع دُنيا مخلوف، كان لنا اللّقاء التّالي..
ما بين الإستشارة التنظيميّة واللّغة الفرنسيّة
إنّها من مواليد حيفا (27 عامًا)، درست الاستشارة التنظيميّة، علم الاجتماع، اللّغة والأدب الفرنسيّ في الجامعة، وحصلت على اللّقب الثّاني. تقول مخلوف: "بعد إنهائي اللّقب الأوّل قرّرت دراسة الاستشارة التنظيميّة للّقب الثاني، لكي أشعر بأنّني أساهم بتغيير المجتمع العربيّ.
وكان اهتمامي بقضيّة العائليّة في المصالح التجاريّة، والّتي يغلق كثيرٌ أبوابها وتنهار بسبب عدم النّجاح لانعدام التّخطيط اللازم، والخوف من دمج أشخاص من خارج العائلة. فبدأت ألقي المحاضرات حول الموضوع للتّأكيد على أنّ إمكانيّة مرافقة المهنيين لإدارة المصلحة، وتدريب الموظّفين وتحفيزهم بدرجة عالية، فتزداد الأرباح ولا تتراجع. وهكذا أساهم بتطوير المصالح من النّاحية الاقتصاديّة وليس التنمية البشريّة. مع أنّني أعمل على تنمية قدرات الموظّفين، وحتّى في حال ترك العمل، يمكنه أن يفتح مصلحة أو شِركة".
وتضيف: "أمّا بالنّسبة للّغة الفرنسيّة فأقوم بتدريسها عن طريق السّفارة الفرنسيّة، وأوّل مجموعة كانت من أم الفحم. وطريقة التّدريس الّتي أقوم بها اليوم هي غير تقليديّة بحيث تتمّ عن طريق الموسيقى، الأفلام، الأغاني وليس فقط عن طريق الكتب والدّفاتر، لمن بلغوا 18 حتّى 60 عامًا. وتعلّم العديد من الطلّاب ما يتعلّق بالجنسيّة الأوروبيّة حيث تهيّأوا لكيفيّة اجتياز مقابلة شفهيّة مع السّفارة أو القنصليّة الفرنسيّة".
– مَن يتوجّه إليك، وكيف تصلين إلى الشِّركات وأصحاب المصالح؟
حاليًا لا يوجد لديّ مكتب مستقل، ولكن عن طريق الـ"فيسبوك" تألّفت لديّ مجموعة خاصّة وبدأت معها مناقشة موضوع: "سرّ المهنّة مع دُنيا مخلوف". وثمّة حلقات مسجّلة في الـ"يوتيوپ"، حيث أقدّم الإرشاد لكيفيّة تدريب النّاس في سوق العمل، والتّجهيز النفسي، واستخدام الأدوات الصحيحة للدّخول إلى الشِّركة، وأن يكون موظفًا ناجحًا.
وتعرّف كثيرون على فكرة «سرّ المهنة» وهكذا بدأت العمل والانتشار والكتابة في الصحّف وغيرها. وبعد كلّ محاضرة أوزّع المناشير وبطاقات شخصيّة؛ وأدير زاوية للطلّاب الجامعيّين في موقع "أستاذ"، حيث أطرح الآليّات في كيفيّة تسويق الذّات، وبناء الشِّركات الخاصّة في مجال الـ"هاي-تك" والهندسة. فالأرباح الّتي يمكن جنيها خلال عامين لا يمكن أن يحصل عليها أيّ موظّف عاديّ.
وأرافق أعمال التّسويق الرّسمي للمصالح حتّى افتتاح المحل، وأرشد إلى كيفيّة تجنيد زبائن، والحفاظ على العلاقة بهم وتوسيع دائرتهم حتّى في الوسط اليهوديّ، إذا كانت المصلحة ترغب بالدّخول إلى الوسط اليهوديّ.
وهكذا عن طريق "التّشبيك" يمكن بناء شبكة اجتماعيّة تتألّف من أشخاص هم سفراؤك. وأمارس استراتيجيّة معيّنة في مواكبة المصلحة أو الشِّركة خلال 52 أسبوعًا، والقيام في كلّ أسبوع بتطوير معيّن عن طريق الإعلان، والعلاقات العامّة. وكثيرًا ما ألاحظ انعدام الميزانيّة لتطوير أو تسويق المصلحة، فأنصح دائمًا بضرورة رصد مثل هذه الميزانيّة.
– هل تجدين إقبالًا من أصحاب المصالح العرب على هذا الموضوع؟
الموضوع جديد، ويصعب على المجتمع استيعاب فكرة المستشار التنظيميّ، ولذا فهو يحتاج إلى قناعة، وملاءمة المشاريع مع البيئة، لأنّ غالبيّة المحلّات لا تلائم نفسها للبيئة، كما أنّها لا تستثمر في موظفي الشّركة.
ولا بدّ من إجراء الدّراسات المستفيضة والعميقة للموضوع الّذي تطرحه أو الفكرة لفتح محلّ أو شركة، كالاطّلاع على المنافسين، الوضع الاقتصادي، الموقع الجغرافيّ أن يكون قريبًا من جمهور الهدف. ثمّ دراسة توقيت فتح المصلحة والتّركيبة السّكانيّة لاستيعاب المصلحة.
هذا إضافةً إلى التّسويق، فيجب وضع خطّة عمل للتسويق، إلى جانب التّخطيط الزمني، واستغلال العلاقات العامّة ووسائل الإعلام الّتي قد تكلّف ميزانيّات قليلة، فأنا مديرة علاقات عامّة لعدّة شِركات تجاريّة. فالعلاقات العامّة مهمّة جدًا، وهذا يعني أن تظهر أسبوعيًا في الصّحف، أي أنّك تترجم التجربة الّتي يعيشها الزّبون في المصلحة إلى كلمات.
– ذكرتِ ميزانيّة البيت، كيف يمكن التّعامل معها؟
هذا موضوع جديد في الوسط العربي، واليوم حين دخلنا إلى العالم التكنولوجيّ، مع الحاسوب، الهاتف الخلويّ في كلّ مكان وزمان، وهذا يسهّل علينا التّخطيط، فمثلًا يجب التوجّه إلى الـ"سوپرماركت" أو السّوق وقد أعددت مسبّقًا قائمة المشتريات بحسب الأولويّات. والعائلة اليوم تكثر نفقاتها على أشياء فائضة مثل الـ"أيفون" والـ"أيپاد" وغيرها من الكماليّات. وهذا يؤثّر على تقليص المصاريف غير اللّازمة.
– من يدير المنزل أفضل، الرجل أم المرأة؟
اعتدنا أن نضع الإدارة في يد الرّجل، ولكنّنا نجد ربّات منازل قياديّات متميّزات، وبوسعهنّ إدارة المنزل بأفضل طريقة، وهنا يجب أن يتّفق الزوجان على إدارة الميزانية في المنزل. ويمكن أن ينجح ذلك بوضع خطّة لتسجيل المصاريف مقابل الدّخل، والحذر من المغريات الكثيرة في السّوق، والقيام بالرقابة الذاتيّة وضبط النّفس.
– بالنّسبة للّغة الفرنسيّة، فلا نجدها منتشرةً كموضوع تعليميّ..
صحيح، وذلك لقلّة المختصّين في اللغة. فأنا بدأت دراسة اللّغة الفرنسيّة في مدرسة "راهبات النّاصرة" في حيفا منذ الصّف الرّابع، وتقدّمت لامتحان الـ"بچروت" لوحدي بمستوى 3 وحدات، وحصلت على معدّل عالٍ. ثم انطلقت إلى التّعلم في جامعة حيفا، ومنها إلى جامعة "بورچوني" في فرنسا.
وتشمل الدورات الّتي أعلمها المسرح، الفنون، السينما. فاللّغة تتيح التّواصل أكثر مع العالم. أمّا الدورات فهي ورشات في المعهد الثّقافيّ الفرنسيّ، وأقدم الدّروس الخصوصيّة. وكثير من الطلاب الّذين يدرسون في الجامعات الأوروبيّة يتقدّمون للامتحانات، ممّا يضطرّهم لدراسة اللّغة الفرنسيّة.
– أجدك شغوفة في المواضيع الّتي تديرينها، فما هو هدفك؟
الحلم هو الّذي يحفّزني ويقودني كهدف أسعى إلى تحقيقه. وذلك بتحطيم قوالب التّفكير الاجتماعي التي يعيشها مجتمعنا، فالأهل يشجّعون أبناءَهم على التوجّه لدراسة مهنة المحامي، أو الطّبيب أو المهندس. فأنا لا أريد تغيير المجتمع ولكن المهم أن نكون جاهزين لكلّ جديد في تبديل المفاهيم والقوالب. وأحلم أن تكون لي شركة بقيادتي، وأعمل على تطوير اللّغة التسويقيّة، وبناء الاستراتيجيّات، وتقييم المشاريع، ووضع رؤية للمدى القريب والبعيد.
– كلمة للقّراء حول الاستشارة التنظيميّة..
أنصح كلّ من لديه فكرة لإنشاء مصلحة أن يتجرّأ ويبلور أفكاره، وألّا يخجل من الاستعانة بالاستشارة التنظيميّة. يجب ألّا نخشى المغامرة، وألّا ندع الرقابة الذاتيّة تُعيقنا عن المبادرة. يجب تهيئة الظّروف الدّاعمة معنويًا. وأهمّ من كلّ ذلك هو الاستثمار في الذّات قبل الاستثمار في المصلحة، والتّخطيط والتّحضير النّفسانيّ، المادّي والمعنويّ، حتّى بلوغ النّجاح.