
روضة غنايم
«حكايتي شرح يطول» – رواية للكاتبه اللبنانيّة حنان الشّيخ، حكاية والدتها (كاملة)، هي ليست رواية بالمعنى الفنّي للرواية. إنّها سيرة ذاتيّة لوالدتها.. من والدتها وأخوتها استشفّت المادّة.
كانت أمينة في رسم صورة والدتها وسلوكها، فلم تحاول الرقابة والحذف ومراعاة الآخرين، بل استحضرت مواقف وأفكار وممارسات أمّها بكلّ شجاعة، السياسيّة منها، والجنسيّة والدينيّة. الأم كاملة، بطلة الروايه، أميّة؛ لا تقرأ ولا تكتب، إمرأة جميلة، مرحة، تحبّ الانطلاق وتحبّ الحياة بشكل كبير.
تعيش صراعات بين بيئتها المحافظة (النبطيّة) المبتدئة، وبين حياة المدينة في بيروت المنفتحة على الحضاره ومجريات العصر.. وبين رجل متديّن فُرض عليها، وبين ضابط مخابرات أحبّته وأحبّها.
في الأسبوع المنصرم قمنا بمناقشة هذا الكتاب في «نادي الكتاب» التّابع للمجلس الملّي الأرثوذكسيّ الوطنيّ؛ حيث نلتقي، مرّة كلّ شهر، لمناقشة كتاب أدبيّ.
وقد حضر اللّقاء وأثراه أعضاء النّادي: فؤاد نقّارة، نائلة أبو منّة، روضة غنايم، فتحي فوراني، مها خوري، روضة سعيد، ليليان بشارة – منصور، حسن عبادي، د. جوني منصور، عبلة طوبي، مؤيّد كرمان، كمال طوبي، دوريس مجدلاني، رومين بحّوث، ناهي بنيامين وابتسام قبطي.
في السيره الذاتيّة تؤرّخ كاملة من خلال سردها لحنان للأحداث المهمّة الّتي عايشها لبنان منذ سنوات العشرينات من القرن المنصرم حتّى سنوات السبعينات الأخيرة، وهنا كانت أهميّة مناقشة الدكتور جوني منصور حول الأحداث التّاريخيّة؛ حيث قال: «تطرّقت حنان الشّيخ إلى حدث النكبة الفلسطينيّة عام 48 بشكل عابر، دون الوقوف عنده، ثمّ تطرّقت إلى حادثة إعدام أنطوان سعادة (زعيم الحزب القومي السوريّ الاجتماعيّ) بقرار من حكومة لبنان، كونه دعا إلى الوحدة مع سوريا، من دون أن تذكر المزيد حول هذا الحزب من آراء وعقيدة وشخصيّات منتميةً له.
وجدير ذكره أنّ عددًا من أهالي حيفا قد انضمّ إلى صفوف الحزب، ومنهم عدد كبير من عائلتي الجدع والشبلي، أبرزهم كميل وأديب وسمعان الجدع، ومحمود الشبلي.
وتطرّقت إلى عمليّة اغتيال رئيس حكومة لبنان رياض الصّلح، في طريق عودته من لقاء الملك عبد اللّه الأردنيّ إلى مطار عمّان.. ودبّر عمليّة الاغتيال أعضاء في الحزب القوميّ السّوري، وكانوا ثلاثة، أحدهم محمّد أديب الصّلاح، الذي عمل في حيفا في وظيفه في دائرة الاتّصالات السلكيّة واللاسلكيّة، وهذا ساعده على تنفيذ عمليّة الاغتيال.
ومحمّد الصّلاح كان عضوًا في الحزب القوميّ منذ أن كان في حيفا؛ حيث اعتاد أنطوان سعادة على زيارة هذه المدينة. ثمّ تطرقت إلى ثورة 1958 في لبنان، الّتي قادتها التيّارات القوميّة العربيّة الناصريّة ضدّ حكومة الرئيس كميل شمعون، المقرّب من الولايات المتّحدة، والرّافض لكلّ أشكال الانصياع وراء دعوات عبد النّاصر لإقامة الوحدة العربيّة، وكانت الولايات المتّحدة على أتمّ استعداد لإرسال جيوشها للمساعدة، وصدّ المدّ القوميّ والنّاصريّ في لبنان؛ ثمّ تطرّقت إلى الحرب الأهليّة اللبنانيّة في العام 1975، وتأثيراتها على عائلتها».
أمّا مسك الختام كان للأديب الأستاذ فتحي فورانيّ، والّذي أتحفنا برؤيته وتحليله الأدبيّ والفنّي للرواية؛ حيث تطرّق إلى الفرق بين الواقع والواقعيّة. في رواية حنان الشّيخ تصوير فوتوغرافي حقيقيّ واقعيّ، أكثر من أن يكون إبداعيًا روائيًا.. وهو تصوير الواقع بتفصيلاته الدقيقة، حيث أحضر مثال للواقعيّة، واستشهد بذلك في ثلاثيّة الكاتب نجيب محفوظ.
محفوظ في الثّلاثيّة يصوّر أحداثًا لم تقع، بل من خيال الروائيّة. غير أنّها ممكنة الوقوع، وهذه هي الواقعيّة. كما تطرّق فوراني إلى لغّة السّرد، قال: تشعر وكأنّ الأمّ هي كاتبة السيرة، وليس حنان الشّيخ. ولذلك كنّا نجد في السّرد نوعًا من الابتذال القريب إلى لغّة والدة حنان».
في نهاية الرواية تقول كاملة: «ها هي حكايتي، كتبتها لي ابنتي حنان… حتّى إذا رويتها لها توقّفت عن لوم نفسي. كنّا نجلس معًا من غير آلة تسجيل، تخطّ في دفترها الصغيرة الّتي تشبه المفكّرات الّتي ألصقت عليها الصور، ومن بينها صورتي». أبدعت حنان في نقل سيرة والدتها وفي وجود التّطابق بين المؤلّفة والسّاردة والشخصيّة.




