تقرير: رزق ساحوري
تصوير: وائل عوض
طرح موضوع التحرّشات والاعتداءات الجنسيّة على الأطفال والفتيان داخل المدارس أو في نطاق العائلة يثير القلق لدى المستشارين التربويّين، مديري المدارس، الجمعيّات الأهليّة الّتي تعنى بهذا الموضوع، والأهالي.
حيث أصبح جيل اليوم من أطفال الروضة حتّى الثانويّة مُنكشفين على عالم الـ«إنترنت» والهواتف الخلويّة والفضائيّات، الّتي يمكن من خلالها مشاهدة مقاطع وأفلام جنسيّة بلا حدود، ومن دون مراقبة.وهذه تثير الرغبة الجنسيّة أو الميل إلى التحرّش الجنسي عبر الـ«فيسبوك» والهواتف الخلويّة، وهذا يستدعي محاولة تطبيق هذه المشاهد على زملاء وزميلات في المدرسة أو الحارة وغيرها..
ولكنّهم لا يعلمون أنّهم يخالفون القانون والعقوبة الصارمة، وأنّ هذا العمل انحراف خُلقيّ واجتماعيّ. ولكن يبقى السّؤال: ما هي مسؤوليّة الأهل والمدرسة في توعية الطلّاب حول موضوع التحرّش والاعتداءات الجنسيّة؟! وهل سيصرّح الطّالب بما يجتازه من مضايقات؟ ولمن يتوجّه في حال تعرّضه إلى اعتداء جنسيّ أو تحرّش؟ وما هي الأضرار النفسيّة، وكيفيّة منعها، ومعالجة من تعرّض إلى تحرّش أو اعتداء جنسيّ؟
وحول هذه الأسئلة أجرينا لقاء مع لمياء نعامنة – سيمانوكا (مركّزة المشروع التربويّ في جمعية «السّوار» – الحركة العربيّة النسويّة لدعم ضحايا الإعتداءات الجنسيّة). تقول لمياء: يتركّز عملنا في المدارس الثانويّة لزيادة الوعي بالنّسبة للعنف والاعتداءات الجنسيّة، ويتعدّى ذلك إلى نطاق
المجتمع بشكل عامّ. فحين نتحدّث عن زيادة الوعي حول العنف الجنسيّ، من المفروض أوّلًا أن نتحدّث عن ظاهرة الاعتداءات الجنسيّة، ونوضح للطّلّاب ما هو العنف الجنسيّ وتعريفه. فباعتقادي أنّ التّوعية لذلك تبدأ من سنّ مبكّرة، منذ الحضانة لأنّه يمكن للطّفل أن يعرف أن جسمه، ويدرك أنّه هو ملكه، وعليه أن يحميه، وألّا يتخطّى أحد حدود جسمه.
أمّا في المرحلة الثانويّة فنتوجّه إلى الطالبات والطّلّاب ونشرح لهم «قانون الاعتداءات الجنسيّة»، لأنّ كثيرًا من الطلّاب لا يعرفون القانون، أو ربّما تعرّضوا في مرحلة ما إلى اعتداء جنسيّ، أو هم اعتدوا على غيرهم. فالعمل مع الطّلّاب يهدف إلى الانفتاح والحديث والتّعبير عن الرّأي لكسر حاجز الخوف والصّمت. وإرشادهم إلى من يتوجّهون له كالمستشار/ة في المدرسة، أو مربّي/ة الصّف، أو إلى الجمعيّات ومراكز الدّعم كجمعيّة «السّوار».
– ما هي ردود فعل الطّلّاب حين تقدّمين محاضرة حول الموضوع؟
يمكن القول إنّ الطّلّاب اليوم مستعدّون لسماع الموضوع ويرون أهميّته لأنّه قد يحدث لأيّ منهم، خاصّةً أنّ الأهل لا يتحدّثون عن ذلك بصراحة، وهذا يمنح شرعيّة لطرحه في المدارس. ونحن نسعى إلى التوعية وليس إلى التّثقيف الجنسيّ، ونقوم بذلك عن طريق ورشات عمل تتركّز على أنّ الاعتداءات الجنسيّة هي ظاهرة ومشكلة اجتماعيّة، وليست مشكلة فرديّة تخصّ إنسانًا معينًا فقط.
وقد حدثت لي تجربة مع أحد المعلّمين في إحدى المدارس، إذ خرج المعلّم من الصّفّ حين بدأتُ أشرح عن الموضوع، وقال: «هذا الموضوع لا يعنيني».. وحينها أجابه أحد الطّلّاب: «اجلس واستمع حتّى تتعرّف على الموضوع»(!). فالمدرسة قد تكون مكانًا يتعرّض فيه الطّلّاب والطّالبات للاعتداءات الجنسيّة بسهولة. وهكذا نوضح للطّلّاب أنّنا نتحدّث عن جريمة يحاسب عليها القانون.
والقانون يعاقب كلّ الّذين هم فوق سن 12 عامًا، وفي بعض الحالات قد يعاقب من هم دون سن 12 عامًا. وهناك برامج علاجيّة للّذين يقدمون على الاعتداء جنسيًا على الآخرين، لإدخالهم في دائرة العلاج ومتابعتهم.كما أنّنا نوضح تعريفات الاعتداءات الجنسيّة وأنواعها: كالاغتصاب الفرديّ والجماعيّ، واغتصاب الشّباب أو الفتيات أو الأطفال، وهذه أخطر الحالات.
فالمتحرّش الجنسيّ أو المعتدي يظنّ نفسه ذكيًا، وكأنّ هذا أمر طبيعيّ أو مسموح. ولذا تصبح حدود الجسد واضحة وحين تشعرون بمثل هذا الاعتداء يجب أن تقولوا «لا» وترفضوا فورًا، ومن دون أيّ تردّد. ولا ننسى التحرّشات الجنسيّة عن طريق الـ«إنترنت» ومواقع الدردشة (الـ«تشات») وغيرها؛ فكلّما جلس الطّالب ساعات أكثر أمام برامج الدردشة تزداد إمكانيّة تعرّضه للتحرّش الجنسيّ.
وهناك حالات يفتحون فيها الكاميرات ويستدرجون الشبّان أو الفتيات لخلع ملابسهم وتصويرهم ومن ثمّ نشر صورهم في الـ«إنترنت»، وهنا يتدخّل القانون ليعاقب كلّ مَن ينشر صورًا كهذه. وهناك تحرّشات كلاميّة عبر الهاتف، أو الرسائل النصيّة، وحتّى التحرّش في الشّارع والمدرسة، وكثيرًا ما نسمع الشّتائم البذيئة الّتي تحمل المعاني الجنسيّة، وحالات ينعت فيها طالب زميله بأنّه «شاذ – لوطيّ/«هومو»، أو بنّوتي»، فهذا تحرّش جنسيّ واضح.
– ماذا عن الإحصاءات حول التحرّش والاعتداءات الجنسيّة؟
تفيد الإحصاءات العالميّة أن واحدة من كلّ ثلاث إناث تتعرّض لاعتداء جنسيّ مرّة واحدة في حياتها، وواحد من بين ستّ ذكور يتعرّض لاعتداء جنسيّ على الأقلّ مرّة واحدة في حياته.أمّا حسب إحصاءات «السّوار»، إنّ 700 شخص، تقريبًا، يتوجّهون إلينا سنويًا، وغالبيّتهم من الفتيات أو النساء.
50% من التوجهات يكون المعتدي فيها من أفراد العائلة و50% غريبًا، قد يكون شخصًا معروفًا (جار، صديق الأب أو الأخ)؛ وأغلب الاعتداءات الجنسيّة تكون من قبل الذّكور على الإناث، وتليها اعتداء الذّكور على الذكور، ثم اعتداء إناث على إناث، أو اعتداء إناث على ذكور. وفي مرحلة الطفولة نسبة المعتدى عليهم من الذّكور تساوي نسبة المعتدى عليهم من الإناث.
وفي السّنوات الأخيرة، وإزاء التطوّر التكنولوجيّ، ازداد عدد الأطفال الّذين يشاهدون أفلامًا إباحيّة/جنسيّة ابتداءً من الصّفّ الأوّل، وذلك لانعدام التوعية في البيت وحتّى في المدرسة. والأولاد يعتدون جنسيًا لأنّهم يرغبون بتجربة ما شاهدوه في الأفلام أو المسلسلات. فنحن نعظ الأولاد، ونقول لهم: عيب، ممنوع، وحرام ونتوقّف عند هذا الحد من دون تقديم أيّ شرح عن الأذى الّذي يلحقهم ويلحق المُعتدى عليهم/عليهنّ بسبب ذلك.
فمثلًا في إحدى المدارس واجهت طلابًا كانوا يشاهدون أفلامًا جنسيّة، وفي آخر الورشة أخبرني أحد الطلّاب بأنّه سيتوقّف عن مشاهدة الأفلام الجنسيّة/الإباحيّة وسيمنع أخاه من مشاهدتها. ولذا من الضّروري أن يأخذ أولياء الأمور دورهم وينبّهوا أولادهم وبناتهم من مخاطر الاعتداءات.
مهم جدًا أن نطوّر ثقافة الحوار مع أولادنا، فقد صادفت حالة بأنّ طفلًا في الصّفّ الثّاني اعتاد أن يكشف أعضاءَه الجنسيّة أمام زملائه، وعندما توجّهت إلى والدته أجابتني بأن أحد الطلاب في الصف اعتاد منذ العام الماضي على كشف أعضائه الجنسيّة أمام زملائه، وحين علمت بذلك لم أعمل أي شيء ولم أتوجّه إلى أحد.
فإذا لم تخبر هذه الأم أحدًا فمَن سيخبّر إذًا؟
مجتمعنا مجتمع ذكوريّ وثقافتنا كذلك، حتّى أصبحت «ثقافة اغتصاب» أي إبراز تمجيد الذكوريّة والرجولة والعنف؛ أمّا الفتاة فضعيفة ومقهورة ومغتصَبة. لننظر إلى الإعلانات الّتي تحمل مشاهد التعرّي، وكأنّ المرأة خُلقت للجنس.
– كيف يمكن أن نكشف طفلًا تعرّض لاعتداء جنسي؟
تظهر علامات على الطّفل في حال تعرّضه إلى اعتداء جنسيّ كالتقرّحات، أو اللون الأزرق في منطقة الأعضاء الجنسيّة، أو الالتهاب والحكّة، وأحيانًا الحمل في سنّ المراهقة. ونعرف حالة عن فتاة مراهقة من النقب حملت وأُدخلت المستشفى، لأنّها تشكو من آلام في البطن، فتبيّن أنّها حامل من والدها.
وهناك علامات سلوكيّة ونفسيّة يجب أن يلاحظها الأهل على أطفالهم، مثل: التبوّل اللّيلي أثناء النوم، أو هبوط في التّحصيل العلميّ، استعمال كلمات جنسيّة غير ملائمة لجيل الطّفل، صراخ فجائيّ، أو الصّحوة خلال النوم والصراخ، أو الأرق، أو عدم الشهيّة للطّعام، أو الشهيّة المفرطة، أو حالات من الاكتئاب والاعتزال والوحدة، فهذه مؤشّرات لصدمة الاعتداء.
ضبطت الشرطة قبل أشهر مجموعة من الّذين يعتدون جنسيًا على الأطفال «پيدوفيلز» عبر الـ«إنترنت»، وكان بعضهم ضبّاطًا في الجيش، محامين وأطبّاء. المهم أن يعرف الطّالب/ة أو الطفل/ة أنّه في حال دخولك إلى غرفة الطّبيب مثلًا أو محقّق الشّرطة فمن حقّك أن يصطحبك شخص قريب أكبر منك سنًا، حتّى لا تتعرض لتحرّش أو اعتداء وحتّى تشعر بالأمان.
الإعتداءات الجنسيّة ضدّ الأطفال (دون الثامنة عشر عامًا):
• مداعبة الطّفل بشكل يهدف إلى التودّد، التحبّب والأُلفة.
• تعريض الأطفال لمشاهد وصور إباحيّة.
• تصوير الأطفال في مشاهد إباحيّة.
• المضايقة أو التحرّش الجنسيّ.• الاعتداء الجنسيّ.
• التعرّي أمام الطفل/ة والكشف عن الأعضاء الجنسيّة.
• تعرية الطفل/ة والنظر إلى أعضائه/ها الجنسيّة أو لمسها.
• تقبيل الطفل/ة بطريقة تحمل معانيَ جنسيّة.
• لمس جسد الطفل/ة بطريقة جنسيّة.
• استخدام أيدي الأطفال وأجسادهم لممارسة الاستمناء الذّاتي.
• ممارسة الاستمناء أمام الطفل/ة.
• التفوّه بنكات ذات تعابير جنسيّة أمام الطفل/ة.
• الملاحقة والمعاكسة واستخدام كلمات بذيئة.
• الاغتصاب الفعلي للطّفل/ة.
الصدمة الجنسيّة
قد يسبّب الاعتداء الجنسي ردود فعل نفسيّة حادّة جدًا، قد يفوق الضرر النفسي من الاعتداء الفعليّ، ويتسبّب بضرر جسمانيّ نتيجة ذلك. تظهر لدى الكثير من ضحايا الاغتصاب والاعتداء الجنسيّ أعراض مميّزة. وقد يظهر اكتئاب واضطرابات في تناول الطّعام، وأعراض نفسيّة أخرى بعد الاعتداء الجنسيّ.
وقد يكون الاعتداء الجنسيّ على الأطفال صادمًا بشكل خاصّ.وكثير من الضحايا يعيشون خائفين ممّن اعتدوا عليهم ويرتعبون من احتمال رؤيتهم ثانيةً. يشعر الضّحايا أحيانًا كثيرة بإحساس من الذلّ والعار وبالذنب، معتقدين أنّه كان بالإمكان عمل شيء لمنع الاعتداء. رد الفعل هذا خطير بشكل خاصّ، لأنّه يؤدّي عادةً بالضّحايا للمحافظة على تجربة الاعتداء سريّة، ويمنعهم من تلقّي المساعدة. ويصبح هذا الوضع حتّى أكثر تعقيدًا عندما يكون المعتدي صديقًا أو حبيبًا أو حتّى من معارف الضحيّة.