من حقّ المسلمين أن يغضبوا للاعتداءات المتتالية على رموزهم الدينيّة المقدّسة، ولكن من واجبهم أيضًا أن "يرشّدوا" غضبهم بحيث يصبّ في المكان الصّحيح، ويأتي بالثّمار المرجوّة، ويعطي الصّورة الصّحيحة للإسلام، ولا سيّما أخلاق المسلمين.
من واجب المسلمين كذلك أن يوسّعوا أفق نظرهم للأحداث والتّركيز على سياقها الزمنيّ وغيره، كي لا يصبّ ردّ فعلنا – المتوقّع في كثير من الأحيان – في صالح أصحاب العداء الأكبر والحقد الأعظم للإسلام والمسلمين.
إنّني متأكّد من أنّني لست الوحيد الّذي لفت نظره توقيت نشر الفيلم المستفزّ للمسلمين أكثر من الفيلم نفسه، فما أجمل أن تنشر فيلمًا يستفزّ المسلمين عشيّة الذكرى الحادية عشرة لأحداث سپتمبر/أيلول، وتراهم يصبّون غضبهم على السفارات الأمريكيّة – وبحقّ، إذا استثنينا العنف – ليكون الجواب حاضرًا لكلّ من يثير الأسئلة حول تورّط الإدارة الأمريكيّة بعمليّات 11 سپتمبر، فهل من مجال للسّؤال والمسلمون ثائرون في هذا اليوم، يرفعون أعلام "القاعدة" ويحرقون أعلام أمريكا، ويقتلون سفراءها؟
لست بصدد الدّفاع عن سفارات أمريكا ولا عن سفيرها المقتول، فقتلى العراق وأفغانستان أهمّ بالنسبة لي، ومقتل أمريكي أو اثنين لا يساوي شيئًا أمام مقتل الملايين من المسلمين والعرب وشعوب العالم المستضعفة نتيجة الاستوحاش التوسّعي الأمريكي. وبالمناسبة، فقد أكّد مسؤولون ليبيّون تعرّض المتظاهرين الليبيّين لإطلاق نار قبل الاعتداء على السفارة، ومنهم من قال إنّها مدبّرة. ومع أنّه من واجب الحكومات حماية السفارات الأجنبيّة في بلادها، إلاّ أنّ ذلك لا يبرّر قتل المتظاهرين واستخدام القوّة المفرطة ضدّهم، حتّى لو كان فيهم «مندسّين».
بالرّغم من ذلك، يجب أن نفهم أنّ هناك طرقًا عديدة لمواجهة الإساءات بأعمال منتجة ومثمرة، لا سيّما عندما تكون الإساءات مبنيّة على حقد وعنصريّة لا على حجّة وبرهان. خصوصًا عندما يستفزّنا أعداؤنا في 11 سپتمبر.
إنّ الأمريكيّين يثيرون الفزّاعات في كلّ عام، قرب تاريخ 11 سپتمبر لتمتلئ وسائل الإعلام بأنباء عن محاولات اعتداء جديدة، اللّه أعلم بصحّتها، ويفعلون كلّ ما بوسعهم لإلهاء الرأي العام وإبعاده عن القضيّة الجوهريّة؛ وهي علاقة الإدارة الأمريكيّة وأجهزة مخابراتها بأحداث 11 سپتمبر، بل الأدلّة الّتي تثبت تورّطهم فيها، الّتي قد طرحت بعضها في عدّة مقالات سابقة، هذا غير المواد الكثيرة المنشورة على «الإنترنت»، المقروءَة والمسموعة والمرئيّة.
هذا الفيلم يوضّح مرّة أخرى ازدواجيّة المعايير والعنصريّة لدى الأنظمة الغربيّة، فلو أنتج أحد فيلمًا يشكّك فقط في رواية اليهود عن المحرقة لاعتقل ودفع غرامة مالية واتّهم بـ«معاداة السّاميّة» و«التّحريض على الكراهيّة» و«زعزعة الأمن والاستقرار»، وكلّها تُهم باطلة. فماذا عن منتج فيلم أساء حقًا لما يقارب 2 مليار مسلم، وحرّض على الكراهيّة والعنصريّة، وزعزع فعلاً استقرار دول، ومتّهم حقًا بكلّ تلك الجرائم؟
استطاعتنا السيطرة على مشاعر الناس وردّ فعلهم إزاء المشاهد السيئة التي يعرض فيها خير خلق الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم – حاشاه – ودينه وآله وأصحابه وأزواجه وسيرته. ولكن باستطاعتنا توجيه طاقاتهم بحيث تعبّر عن الغضب بالحدود المعقولة، وفي ذات الوقت لا تحقّق لأعدائهم الأغراض الخبيثة من وراء نشر مواد استفزازيّة للمسلمين.
فبدلاً من الغضب الزائد والعنف، لنحوّل ردّنا إلى دعوة إلى دين الله الحقّ والتمسّك بسنّة وأخلاق نبيّه عليه الصلاة والسّلام، ولنحوّله إلى توعية حول أحداث 11 سبتمبر التي دبّرها ونفّذها النظام الأمريكي وحلفاؤه وعملاؤه، لنشر كراهية الإسلام والمسلمين وإعلان الحرب عليهم وعلى أرضهم وخيراتهم.
أمّا على الصعيد السياسيّ، فلتغلق كلّ السفارات الأمريكيّة في العالمين العربيّ والإسلامي حتّى تتمّ محاكمة منتجي هذا الفيلم وتقديم اعتذار رسمي واستنكار واضح من قبل الإدارة الأمريكيّة وليس كلامًا دبلوماسيًا فقط، فيكفينا استهتارًا؛ وادّعاؤهم بأنّهم لا دخل لهم بنشر هذه الأفلام.
ثم إنّ على الإدارة الأمريكيّة أن تفهم أنّ المعادلة تغيّرت وأنّها تواجه اليوم إرادة شعبيّة، باستطاعة أهلها تكبيد أمريكا خسائر ليس آخرها اقتصاديّة، من خلال حملة مقاطعة بسيطة تقوم بها شعوب العالم العربيّ والإسلاميّ.