د. كميل ساري: خلال حفريّات تجري في الأيّام الأخيرة الكشف عن ميناء عكّا الفخم..!!

مراسل حيفا نت | 09/09/2012

د. كميل ساري (مدير قسم الرّقابة، الأبحاث وصيانة الآثار)

إحدى الحجارة الّتي استعملت لربط السّفن والّتي كانت مدموجة في رصيف الميناء. في طرف الحجر فتحة، تمّ إدخال الحبل إليها لربط السفينة

 
كنّا قد قدّمنا خلال مقال سابق، لمحة عن ميناء مدينة عكّا القديمة، الّذي اعتبر من بين الأهم والأكبر في بلادنا على مرّ العصور المختلفة. في هذا المقال سنوجز بلمحة أهمّ الحفريّات الأثريّة الّتي جرت خلال الأيّام الأخيرة، وتمّ خلالها العثور على حجارة لربط السّفن بالمرسى، والّتي كانت ممزوجة بين الحجارة الّتي منها بُني رصيف الميناء؛ ومن الرجّح أنّه كان ميناء عسكريّ.

أجرت سلطة الآثار تنقيبات أثريّة قرب سور البحر الجنوبيّ في مدينة عكا، تمّ الكشف خلالها عن آثار تعود للميناء الّذي كان في الموقع خلال القرنين الثّاني والثالث قبل الميلاد، والّذي كان يعتبر أهمّ موانئ البلاد آنذاك. تجرى الحفريات الأثريّة ضمن مشروع ترميم أسوار المدينة، بمبادرة من شركة تطوير عكّا القديمة، وبتمويلٍ من دائرة أراضي إسرائيل. 

المكتشفات الأولى الّتي أشارت إلى وجود ميناء في المنطقة، تمّ الكشف عنها خلال عام 2009 حينها، حيث تمّ العثور على بقايا أرضيّة مرصوفة بالحجارة الكبيرة ومبنيّة بتقنيّة فينيقيّة مميّزة جدًا للمناطق البحريّة. وقد أثارت تلك الأرضيّة، الّتي عُثر عليها تحت الماء، العديد من التّساؤلات لدى الأثريّين، حيث تمّ التّرجيح بأنّها أرضيّة مبنى كبير، إلى جانب ترجيح آخر بأنّ الأرضيّة هي جزء من رصيف ميناء عكّا.

هذا وقال كوبي شرڤيط (مدير الوحدة البحريّة لسلطة الآثار)، في لقاء معه: "تلك المكتشفات هي عبارة عن حجارة كبيرة كانت تُربط إليها السفن لدى إرسائها في الميناء. يزن كلّ حجر منها ما بين 250 إلى 300 كغم؛ وقد دُمجت تلك الحجارة في الرّصيف خلال بنائه قبل أكثر من 2300 عام.

هذا الكشف الهامّ جدًا، يضع حدًا للتّساؤلات حول الأرضيّة المرصوفة، إن كانت جزءًا من مبنى أم من الميناء القديم. كما تمّ العثور على العديد من الحجارة الكبيرة المنحوتة، المنتشرة بالمنطقة على امتداد مئات من الأمتار، والتي كما يبدو كانت تابعة للمباني الكبيرة التي كانت قائمة في الميناء، آنذاك".

ميناء عسكريّ أم مدنيّ؟!
تُشير المكتشفات الى هدم الميناء بشكل مخطّط ومُنتظم خلال العصور القديمة.. وقد تمّ العثور، أيضًا، خلال الأيّام الأخيرة، على مكتشف أثريّ جعل الباحثون إلى ترجيح افتراض أنّ الميناء كان ميناء عسكريّ لمدينة عكّا، وليس ميناءً مدنيّـًا. وهذا المكتشف كان قطعة من أرضيّة مميّزة جدًا، مرصوفة بالحجارة، طولها أكثر من ثمانية أمتار وعرضها يتجاوز الأمتار الخمس.

يحدّ الأرضيّة من الجهتين جداران من الحجارة مبنيّان وفقًا للتقنيّة الفينيقيّة. الأرضيّة تميل قليلًا إلى الجنوب، وعليها كانت العديد من الحجارة التي انهالت من الجدران الّتي أحاطتها في حينه. كما يبدو فإنّ الأرضيّة تابعة إلى آلة رافعة، كانت ترفع السّفن من المياه إلى الشاطئ؛ وعلى ما يبدو كانت تلك سفن حربيّة!!
تجدر الإشارة إلى أنّ تلك هي فرضيّة – وفقًا لأقوال مدير الوحدة البحريّة في سلطة الآثار – وفقط، خلال استمرار الحفريّات الأثريّة سيمكننا الإجابة على هذا السّؤال، وتأكيد صحّة النّظرية.

ألوف المكتشفات الأثريّة في قاع البحر
قرب تلك المباني تمّ العثور على أرضيّة الميناء بما في ذلك حجارة لربط السّفن، إلى جانب الألوف من بقايا أدوات الفخّار، من بينهم عشرات الأدوات الّتي حُفظت بأكملها، إضافةً إلى عشرات الأدوات المعدنيّة. من خلال الدّراسة والبحث  الأوّليّ لأدوات الفخّار، نلاحظ أن مصدرها: بحر إيجا؛ مناطق مختلفة مثل جزر "كنيدوس" و"رودوس"، وموانئ عديدة على امتداد شاطئ البحر المتوسّط.

هذه المكتشفات الأثريّة دليل مباشر على موقع الميناء من الفترة الهيلانيّة لمدينة عكّا الأثريّة؛ ومن المحتمل أنّه الميناء العسكريّ للمدينة. يجب التّنويه إلى أنّ مكان الميناء لم يكن معروفًا لغاية إجراء تلك الحفريّات الأثريّة، على الرّغم من أنّ آثار للميناء كانت قد اكتشفت خلال حفريات أثريّة في سنوات الثمانينات من القرن العشرين، بالقرب من "برج الذّباب" وفي مِنطقة الميناء الجديد.

أمّا الحفريّات الحاليّة فهي الأولى الّتي يتمّ خلالها العثور على بقايا بالقرب من الشّاطئ، في منطقة المدينة، من الفترة الهيلانيّة. ولسوء الحظّ، فإنّ جزءًا من أرضيّة الرصيف تمتدّ تحت السّور من الفترة العثمانيّة، ممّا يجعل إمكانيّة إتمام الحفريّات الأثريّة في المنطقة مستحيلة.

أمّا في الأجزاء الممتدّة إلى جهة البحر والميناء ستستمر الحفريّات الأثريّة في محاولة للعثور عن بقايا الميناء والإجابة عن الأسئلة المطروحة، من بينها السّؤال حول وجود علاقة بين دمار الميناء وخراب المدينة بيد الحاكم "تلماي" عام 312 ق.م. الّذي يعود سببه ثورة عائلة الـ"حشمونائيم"، الّتي بدأت عام 167 قبل الميلاد.

 

 موظّف الوحدة البحريّة في سلطة الآثار يقف على بقايا الأرضيّة القديمة الّتي تمّ الكشف عنها، المبنيّة من الحجارة الكبيرة

صحن من الفترة الهيلانيّة مصدره من جزيرة قبرص. عثر على الصحن في طبقة من الطّين في قاع الميناء، إلى جانب ألوف أدوات الفخّار

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *