صدقة السّر}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (سورة البقرة، الآية 264).
وقال النّبيّ مُحمّد (ص): "سبعة يظلّهم الله يوم لا ظِلّ إلّا ظِلّه: إمامٌ عادل، وشابّ نشأ في طاعة الله، ورجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتّى لا تعلمَ شماله ما تُنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل قلبه مُعلّق بالمساجد، ورجل دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجلان
تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه" – رواه البُخاريّ. عن أمّ سلمة؛ إنّ النّبيّ مُحمّدًا (ص) قال: "صنائعُ المعروف تَقي مصارع السّوء، والصّدَقة خُفْيَةً تُطفئ غضبَ الرَّبِّ وصلَة الرّحم زيادة في العمر" – رواه الطبرانيّ.
في الصّدقة {إِيَّاُكم أَن تَعمَلوا بِرَّكم بِمَرأًى مِنَ النَّاس لِكَي يَنظُروا إِليكم، فلا يكونَ لكُم أَجرٌ عندَ أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات. فإِذا تَصدَّقْتَ فلا يُنْفَخْ أَمامَكَ في البوق، كما يَفعَلُ المُراؤونَ في المجَامِعِ والشَّوارِع لِيُعَظِّمَ النَّاسُ شَأْنَهم. الحَقَّ أَقولُ لكُم إِنَّهم أَخذوا أَجرَهم. أَمَّا أنتَ، فإذا تَصَدَّقْتَ، فلا تَعلَمْ شِمالُكَ ما تَفعَلُ يَمينُكَ، لِتكونَ صَدَقَتُكَ في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك}. (متّى 1:6-4).
نصيحة لصاحب الدعوة {إِذا صَنَعتَ غَداءً أَو عَشاءً، فلا تَدْعُ أَصدِقاءَكَ ولا إِخوَتكَ ولا أَقرِباءَكَ ولا الجيرانَ الأَغنِياء، لِئَلًّا يَدْعوكَ هُم أَيضًا فتَنالَ المُكافأَةَ على صنيعِكَ. ولَكِن إِذا أقَمتَ مَأَدُبَةً فادعُ الفُقَراءَ والكُسْحانَ والعُرْجانَ والعُمْيان. فطوبى لَكَ إِذ ذاكَ لِأَنَّهم لَيسَ بِإِمكانِهِم أَن يُكافِئوكَ فتُكافَأُ في قِيامَةِ الأَبْرارِ}. (لوقا 12:14-14).
لا تستغربوا أو تُفاجَأوا لهذه المقدّمة أيّها الأعزّة، فالأوراق لم تختلط عليكم بعد! نعم.. أنتم تقرأون مقاليَ الأسبوعيّ، لا مقال الشّيخ أو الكاهن. كما أنّي لست بصدد الإعلان عن التديّن أو التقشّف أو الترهبن بتاتًا، فأنا بعيد عن ذلك كلّ البعد، فكريّـًا وفلسفيّـًا وفعليّـًا.
إلّا أنّني كنت مُضطرًا إلى اقتباس آيات من القرآن والإنجيل، لأنّ الأمور والأوراق – على ما يبدو – قد اختلطت عند بعض المتصدّقين.نعم، فللأسف الشّديد، وبخلاف ما جاء في الكتب السماويّة تمامًا – يجب ألّا تعلم شمالك ما تنفقه يمينك – يعلم كلّ قاصٍ ودانٍ، من قرّاء الصّحف ومتصفّحي
المواقع، أنّ فلانًا أطعم صائمًا وعلّانًا أقام مأدُبة إفطار، وآخر آوى فقيرًا أو كسا عُريانًا؛ حتّى إنّ الجمعيّات واللّجان والمؤسّسات المختلفة، الاجتماعيّة منها والسياسيّة – بغالبيّتها – باتت تفاخر وتُجاهر وتُعلن عن ذلك في الإعلام، كلّما بادرت إلى إرسال رزم من الملبَس والمَأكل والمَشرب إلى المحتاجين والعائلات المستورة، أو حتّى وجبات ساخنة للصّائمين(!!).
أعرف، شخصيّـًا، عشرات المتصدّقين، من المسلمين والمسيحيّين – الّذين حتّى لا يدخلون المساجد والكنائس – العاملين وراء الكواليس، طوال أيّام السّنة – لا خلال شهر رمضان فقط – على التبرّع بالأموال للمحتاجين وإطعام الجائعين وكسي العُريانين ومُداواة المرضى؛ رافضين الإفصاح عن ذلك لأقرب المقرّبين؛ عاملين على التصدّق في الخُفْية، لأسباب إنسانيّة وأخلاقيّة بحتة، وأحيانًا دينيّة أيضًا، فلا يُنْفَخ أمامهم في البوق، كَيْلا يُعظّم النَّاس شَأنَهم.
وبخلاف ذلك، نجد أنّ أخبار وصور القسم الأعظم من المتصدّقين، حتّى المؤمنين المتديّنين منهم، تتصدّر بسرعة ماحقة عناوين الصّحف والمواقع(!!)؛ فيتسابقون للظّهور في الإعلام، وخصوصًا في شهر رمضان، لإشهار ذلك.
ولؤلئك أقول: إن كنتم تفعلون ذلك لوجه اللّه – كما تدّعون – فمن المُعيب أن تُفاخروا وتُجاهروا وتُعلنوا عن كلّ لقمة طعام تُطعمونها لصائم أو جائع، فإنّكم بذلك لن تنالوا أجركم – كما تعتقدون – لأنّ الدين يمنع إشهار ذلك.. فلِمَ الإشهار؟!! وإن أردتم التصدّق، فإنسانيّـًا وأخلاقيّـًا، من المُخجل أن تذكروا ذلك(!).. لتكن صدقاتكم في الخُفْية، إذًا.