قلعة ويندزور الملكية
يكتفي معظم القادمين الى بريطانيا بزيارة عاصمتها، وهم لا يعلمون أنها تخبئ وراءها عالمًا حافلاً بالكثير المدهش الذي يسر العين وتطيب له النفس… من قلعة أدنبره في الشمال الى صوان برايتون في الجنوب، وما بينهما من المحميات الطبيعية الأقرب الى فراديس على الأرض.
بالنسبة لمعظم السيّاح، فإن زيارة العاصمة تعني زيارة البلاد نفسها. فيقول المرء إنه تمتع بعطلته في انكلترا (أو في بريطانيا) لأنه أمضاها في لندن. والشيء نفسه ينطبق على فرنسا وباريس، وإيطاليا وروما، ولبنان وبيروت… وهكذا دواليك. وصحيح أن زيارة بريطانيا لا تكتمل الا بزيارة لندن. لكن هذه الأخيرة، على ثراها، بوابة كغيرها الى كنوز لا حصر لها تعجّ بها البلاد، خاصة بالنسبة للسائح الذي يرغب في أكثر من مجرد التسوّق وزيارة الرموز اللندنية مثل ساعة بيغ بن وقصر باكينغهام وساحة ترافالغر.
أسباب عدة
لا حصر أيضًا للأسباب التي تحدو بالسائح لاختيار بريطانيا وسط الدول الغربية. وربما كان أبرز هذه تفرّدها بتعدد الثقافات التي تؤلف نسيجها السكاني… من الآسيوية القصية مرورًا بالشرق أوسطية وصولاً الى الأميركية والكاريبية، ومن الروسية والأوروبية الشرقية مرورًا بالأفريقية وصولاً الى الأسترالية والنيوزيلندية.
وعلى هذا الأساس، قس عدد اللغات والأزياء والسحنات والمطاعم والعادات العالمية المتاحة (وهذا على سبيل المثال وليس الحصر) من دون جولة فعلية على مناحي الدنيا قد لا يكفي لها العمر مقرونًا بأموال السلاطين. ويصح أن يقال إن هذه البلاد هي «هيئة الأمم المتحدة الحقيقية».
وحتى من دون هذه العالمية فالواقع أن بريطانيا نفسها أربعة «أقطار» في واحد. فهي – عدا نحو ألف من الجزر والمحميات التي لا تهمنا هنا – تتألف من انكلترا وويلز واسكتلندا وآيرلندا الشمالية. وتشكل هذه جميعًا ما يسمى رسميًا «مملكة بريطانيا العظمى المتحدة» أو «المملكة المتحدة» اختصارًا. وهذه أقطار قائمة بذاتها ذات حدود وثقافات متميزة، وتختلف عن بقية العالم في أنها لا تستدعي – ما أن يطأ المرء أرض أي منها – جواز سفر أو تأشيرة لدخولها… أربعة عصافير بحجر واحد!
ولائم الأعين
قد يشكو البريطانيون (والأوروبيون) سوء الطقس واختباء الشمس وراء السحب المطيرة معظم العام. لكن الزائر الذي يتملّص من قبضة المدن والعيش بسرعة سيارات الفئة الأولى يجد أن «سوء الحال» هذا نفسه يستحيل ولائم للعين في بساط أخضر من حقول ووديان تغطيها الأجمات والغابات وجبال تكسوها الأشجار وأنهار وبحيرات وحياة وحشية فكأنها الجنة على الأرض. فلا غرو أن الدنيا بأكملها تتغنى بأشعار الرومانسيين المستقين عواطفهم الجياشة من الطبيعة الساحرة حولهم: بليك وبايرون وتيلر وكوليريدج وشيلي وويردسويرث وكيتس… تطول القائمة!
ولو كان الزائر من عشاق زينة الطبيعة فهو في مقام الباحث عن الذهب والفضة والألماس في كهف علاء الدين. ذلك أن هذه البلاد تضم 15 محمية طبيعية عبارة عن خضرة ومرتفعات ووديان ومياه تظل «عذراء» إذ يُحظر، بقوة القانون، تآكلها في وجه العمران البشري. ولكل من هذه المحميات إدارة في مقام الحكومة تسمى «سلطات المتنزهات الطبيعية». وتلقى على كاهل هذه مهمتان هما: (1) الحفاظ على الجمال الطبيعي والحياة البرية و«الثقافية» للمنطقة وإثراؤها عبر عناصرها الداخلية. (2) الترويج لها ولدورها وسط العامة.
الحمامات الرومانية في باث
كما خُلقت
أبرز هذه المحميات التي يتعين أن تكون على قمة الأولويات لدى عشاق الطبيعة هي:
* Lake District«منطقة البحيرات» التي تشغل رقعة 1400 كيلومتر مربع في شمال انكلترا. تشكل مع جارتها Peak District «منطقة القمم» أول رقعتين تصنّفان (منذ العام 1951) محميتين طبيعيتين في عموم بريطانيا. ولا تشتهر «ليك ديستريكت» ببحيراتها وطبيعتها الساحرة وحسب، بل بطائفة شهيرة ممن يسمون «شعراء البحيرات» الذين عاشوا خلال القرن 19 واشتهروا عبر الدنيا مثل وليام ويردسويرث وصمويل تيلر كوليريدج وغيرهما.
* Snowdonia «سنودونيا» الواقعة على مساحة 2140 كيلومترًا مربعًا في ويلز وصنّفت محمية طبيعية منذ 1951 لتصبح الثالثة من نوعها في بريطانيا.
* Dartmoor «دارتمور» تشغل رقعة 625 كيلومترًا مربعًا في مقاطعة ديفون في غرب انكلترا. تتميز بمرتفعاتها ومواقعها الأثرية الضاربة في التاريخ.
* Loch Lomond«لوخ لوموند» التي تشغل مساحة 1865 كيلومترًا في اسكتلندا واعتبرها البرلمان الاسكتلندي محمية طبيعية في 2002 كونها مؤلفة من جبال ومرتفعات وبحيرات وأنهار ولأنها مثال حي على سحر الطبيعة في هذه الرقعة من العالم.
معالم
ثمة كتب ومجلدات بأكملها يمكن إنجازها لحصر المعالم السياحية التي تعج بها بريطانيا بين أركانها وتصنفها الأمم المتحدة جميعًا ضمن «التراث الإنساني العالمي». ولذا فمن المستحيل الإشارة الى أي عدد كبير منها في هذه العجالة. على أن للزائر أن يختار بعض أشهرها … ومن هذه:
* Windsor Castle قلعة ويندزور الملكية في باركشاير، التي يعود تاريخها الى العصور الوسطى وتعتبر المقر الملكي الثاني في انكلترا بعد قصر باكينغهام.
* Stonehenge ستون هينج، نصب دائري من الألواح الصخرية في مقاطعة ويلتشاير ويعود الى العصر الحجري الحديث. يؤمه الوثنيون في مختلف مناسباتهم لأداء طقوسهم في رحابه، وهذه بحد ذاتها مناسبة تستحق الحضور.
* The Roman Baths الحمامات الرومانية، وهي مبنى حمامات عامة في مدينة باث الانكليزية الجميلة في مقاطعة سمرسيت. اكتمل تشييده في موقع أثري روماني العام 1897، ويعتبر جزءًا من معالم سياحية عدة يعود تاريخها الى العصر الروماني.
* Ironbridge «ايرنبريدج» جسر قصير بطول 30 مترًا على نهر السفيرن ذي الضفاف (والبلدة) الخلابة. شيد من الحديد في مقاطعة شروبشارير وصار يرمز – من اسمه – الى الآفاق الصناعية التي تتطلع اليها البلاد.
* Edinburgh Castle قلعة ادنبره التي يعود تاريخها الى القرن الثاني عشر. شهدت مختلف الوظائف عبر القرون وكانت سجنًا للبحارة العاقّين خلال القرنين 18 و19. تشتهر حاليًا بالعرض العسكري الفني السنوي Military Tattooويؤمها مليون سائح في العام.
* Brighton Pavilion«صوان برايتون» من نوع القصور التي يذكّر مظهرها بروايات ألف ليلة وليلة إذ بني على الطراز المغولي – الهندي القوطي. وقد شيد هذا الصرح العظيم المطل على المياه للوصي على العرش جورج الرابع الذي كان مولعًا بالقمار والخمر والنساء وأطايب العيش ولذا كان القصر في أبهته العظيمة انعكاسًا حقيقيًا لشخصيته. وصار من بعده نزلاً ايضا لشقيقه الملك وليام الرابع ثم ابنة عمهما الملكة فكتوريا.
قلعة ادنبره تشهد عرضها العسكري الفني
عام خاص في بريطانيا
ما سبق ذكره هو ما يجده السائح في أي سنة يختارها لزيارة بريطانيا. لكن يتصادف أن العام الحالي يحمل معه أكثر من عشر من المناسبات الفريدة التي تضفي عليه خصوصية للزائر والمقيم في البلاد على حد سواء. ومن هذه ما يلي:
* الاحتفالات المطولة والمتخذة عددًا من مختلف الأشكال بمناسبة اليوبيل الماسي لتولي الملكة اليزابيث الثانية العرش.
* أكبر تجمع رياضي عالمي وهو اولمبياد لندن (من 27 يوليو / تموز إلى 12 أغسطس آب)
* تشهد البلاد أيضًا الاحتفالات العالمية بشكسبير وأعماله (من أبريل / نيسان إلى نوفمبر / تشرين الثاني). وهذه الاحتفالات تقدم أعمال المسرحي العظيم بمعظم لغات الدنيا بما فيها العربية.
* ليس بعيدًا عن هذا السياق، فإن هذا هو العام 200 على ميلاد الروائي تشارلز دكينز (في فبراير / شباط الماضي لكن الاحتفالات بالمناسبة لاتزال مستمرة). ولعشاق الموسيقى والغناء فالعام أيضًا هو الخمسون على أول نجاح تجاري لفرقة «البيتلز».
مشاركة المحتوى عبر: