العنف في مدارسنا وخطره الداهم على مجتمعنا . زياد شليوط – شفاعمرو

مراسل حيفا نت | 20/03/2009

 

نفذت مدارس في سخنين والناصرة الأسبوع الماضي، اضرابات احتجاجية بعد اعتداءات غير مبررة من قبل أهل على معلم داخل الصف في سخنين، وعلى معلمة داخل الصف أيضا في الناصرة من قبل طالب وقريبه.

حوادث العنف المتكررة والتي تحولت إلى ظاهرة شبه يومية بأشكال وصور مختلفة، باتت تهدد سلامة مجتمعنا بشكل جدي، وكل يوم يمر دون مواجهة هذه الظاهرة بالحزم المطلوب من قبل المسؤولين أفرادا أو مؤسسات انما يشكل لبنة أخرى على طريق تصعيد هذه الظاهرة وتفشيها في مجتمعنا بحيث يأتي يوم لا يمكن فيه التصدي لظاهرة العنف.

والعنف لا يتوقف عند الاعتداء على المعلم و/أو المعلمة دون اي رادع تربوي أو اجتماعي، انما تفشى بين الطلاب أنفسهم وبينهم وبين قطاعات أخرى من المجتمع. فقد تعرض طالب الأسبوع الماضي أيضا، في إحدى إعداديات شفاعمرو إلى طعن من قبل طالبين آخرين، وبعده بيوم تعرض طالب آخر في الناصرة إلى اعتداء مشابه وقبله حصل في الطيبة او أم الفحم وفي أي مدينة أو قرية عربية. وهناك شلل "سائبة" من الطلاب تتمادى في الاعتداء على حرمات البيوت أو الناس في طريق عودتها من المدرسة، بشكل بعيد عن طبائع الانسان، فأي مجتمع نحن وما هو المستقبل الذي ينتظرنا؟!

اليوم باتت قطاعات أوسع في مجتمعنا ترفع صوتها بأن من أسباب حالة الانفلات هذه هو رفع "العصا" من المدارس والقوانين الجديدة و"التربوية" التي شرعتها وزارة المعارف، وكبلت من خلالها المعلم ووضعت حدا لسلطته ونفوذه، وحولته من مرب ومعلم إلى أداة أو جهاز لتنفيذ البرنامج التعليمي، هذا إذا تمكن من ذلك! عندما كان أحدهم يدعو في الماضي القريب إلى فرض "العقاب" أو ايجاد وسائل رادعة لوضع حد للعنف، كنت تجد الكثيرين يتصدون له ويصرخون في وجهه معنفين " يعني أنك تؤيد الضرب!" ويقصدون العقاب من قبل المعلم! فينكفيء المسكين على نفسه وكأنه ارتكب جرما. أما اليوم بدأت الأصوات ترتفع وبشجاعة لأننا بتنا بحاجة إلى إعادة العقاب، نعم العقاب، وليس بالضرورة الضرب، فهناك أساليب عديدة للعقاب.

لماذا يحق للشرطي معاقبة المخالف؟ ولماذا يحق للقاضي معاقبة المذنب؟ بينما لا يحق للمعلم أو الأب اليوم معاقبة طالبه/ ابنه إذا ارتكب خطأ أو ذنبا؟ أليس من المتعارف عليه أن من يخالف القوانين والأنظمة يفرض عليه عقاب ما؟ فلماذا يمنع المعلم من ذلك، وهو المؤتمن على تنفيذ أنظمة المدرسة وتربية النشء؟ وهل هناك تربية صحيحة دون عقاب أو رادع؟

لقد جربنا التربية الحديثة وطبقناها في مدارسنا، فماذا جنينا منها؟ وما هي الفائدة التي عادت بها على طلابنا ومدارسنا، بل مجتمعنا؟ اليوم تسمع أصواتا أكثر وأكثر ترتفع بضرورة العودة إلى التربية القديمة، بعدما جربنا الحديثة، فماذا يمنع العودة إلى التربية التي نشأنا عليها صغارا، مع بعض التحسينات والتعديلات؟ ألم يكن هذا الانتقال الحاد دون تهيئة، من تربية إلى تربية مناقضة كارثيا على أبنائنا ومدارسنا؟ لم تخرج مدارسنا قبل سنوات عديدة طلابا ناجحين وموهوبين، واصلوا دراساتهم العليا وتحولوا إلى أطباء ومحامين ومهندسين ومعلمين ومهنيين مرموقين وفنانين موهوبين ومبدعين معروفين؟ فهل نشطب تلك التربية وانجازاتها لأن البعض اكتشف ما يسمى بـ"التربية الحديثة"؟ أليست حياتنا عبارة عن ممارسة وتجربة نتعلم فيها من اخطائنا؟ لماذا لا نتحلى بالشجاعة ونعترف أن ما جاءت به "التربية الحديثة" انما أوصلنا إلى طريق مسدود؟ هل لأدعياء التربية الحديثة أن يرشدونا ويدلونا إلى الأساليب التي نوقف فيها ظاهرة العنف المستفحلة والطاغية على مجتمعنا والتي باتت تهدد أسسه السلوكية والانسانية؟

كفانا خداعا للذات والضحك على بعضنا البعض، وكفانا خجلا وتواريا واختباء وراء تعابير ومصطلحات علمية كبيرة بتنا لا نفقه منها شيئا، لأنها لا تعكس حقيقتنا وتربيتنا وعاداتنا التي نشأنا عليها، وانما غالبا ما نرددها لكي نثبت أننا نجاري العصر ومن أبناء "الأكاديميا". لكن ما نحتاج إليه فعلا هو العودة إلى جذورنا وينابيعنا التربوية والاجتماعية ووالانسانية، التي شكلت مفخرة لنا لنصون مجتمعنا من التدهور الخطير وقبل فوات الأوان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *