حاورها رزق ساحوري
احتفلت مدرسة "حوار" المستقلّة – للتربية البديلة – والتابعة للجمعيّة، بتخريج الفوج الأوّل من طلّاب صف الثّامن، وعددهم 16 طالبًا في احتفال خاصّ. وهذا الاحتفال بمثابة حدث تاريخيّ في حيفا، وحلم تحقّق للأهالي الّذين واكبوا نضالات هذه المدرسة منذ تأسيسها في عام 2006، للحصول على كيان واعتراف تربويّ، تعليميّ مستقلّ أمام بلديّة حيفا ووزارة التربية والتعليم في أروقة المحاكم.
وإنّ حصول مدرسة الجمعيّة "حوار" المستقلّة – للتربية البديلة – على الاعتراف الرسميّ من وزارة المعارف، جاء بعد مماطلات في أروقة المحاكم طيلة ستّة أعوام. وكانت لجنة الاستئناف الداخليّة التابعة للوزارة قد أقرّت أنّه من واجب وزارة المعارف الاعتراف بالمدرسة، وهذا يعتبر إنجاز تربويّ، تعليميّ، في تثبيت رسالة ومبادئ هذه المدرسة.
بلغ عدد الطلّاب في مدرسة «حوار» المستقلّة في العام الدراسيّ، الّذي ودّعناه قبل عدّة أيّام، حوالي 130 طالبًا، تعلّموا في عشرة صفوف ابتداءً من الرّوضة بجيل 3 سنوات وحتّى الصّف الثّامن. أمّا في العام الدراسيّ القادم فمن المقرّر أن يبلغ عدد الطلّاب 140 طالبًا، ممّا يدلّ على نجاح المدرسة وإقبال الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها، بحيث أثبتت "حوار" المستقلّة نفسها في فترة زمنيّة قصيرة نسبيًا.
ويعمل في المدرسة طاقم تربويّ مؤلّف من إيمان داود (المديرة التربويّة)، ومستشارة تربويّة، و18 مربٍ ومربّية، ومديرة إداريّة لجمعيّة «حوار» المسؤولة عن الإدارة الماليّة للمدرسة، إيمان قندلفت، والّتي أجرينا معها هذا اللقاء الخاصّ لصحيفة "حيفا".
وتدير جمعيّة «حوار» هيئة إداريّة برئاسة الدكتور سهيل أسعد، وعضويّة كمال طوبي سكرتيرًا، راوية لوسيّا – شمّاس، إيريني سويدان، غسّان خرعوبة، د. رياض حدّاد، د. فراس حمّود، منال أشقر. أمّا لجنة المراقبة فتتألّف من حنان فرحات – حمّود، رنا سلامة ود. منير قرواني.
إيمان قندلفت: لولا إصرار مجموعة الأهالي والدعم الجماهيريّ، للمؤسّسات والجمعيّات، لكان من الصعب استمرار المدرسة
بدأت الحيفاويّة إيمان قندلفت عملها في «حوار» منذ عامين، مديرةً للجمعيّة الّتي تضمّ تحت رعايتها مدرسة «حوار» للتربية البديلة، والّتي تقع في شارع «شمارياهو ليڤين» في حيّ الـ«هدار». وتقول إيمان ردًا على سؤالنا: إنّ مدرسة «حوار» للتربية البديلة هي المشروع الأساس لجمعيّة «حوار»، وتهدف إلى تغيير في أطر التّعليم وأهدافه.
وأقوم بوظيفتي الإداريّة إلى جانب إيمان داود (المديرة التربويّة)، وهي المسؤولة عن كل ما يتعلّق بالمنهاج والتعليم. تأسّست الجمعيّة عام 2000 بمبادرة من مجموعة الأهالي، وهدفهم إقامة مدرسة تختلف في نهج عملها عن باقي المدارس التقليديّة. وتختلف بطريقة عملها، وأساليبها التدريسيّة.
وكانت «حوار» المستقلّة مدرسة رسميّة مُعترف بها من قبل بلديّة حيفا، بقرار من محكمة العدل العليا. وفي عام 2006 تفاقمت الأزمة بين الجمعيّة والبلديّة ووزارة المعارف، ولكنّ المدرسة واصلت عملها كمدرسة مستقلّة، وانتقلت من مبنى إلى آخر حتّى استقرّت في المبنى الحالي.
وأضافت قندلفت: كان الخلاف على جوهر رسالة المدرسة وأهدافها، لأنّه كان للأهل دور فعّال في اتّخاذ القرارات التربويّة والإداريّة، وأصبحوا شركاء فعليّين. وهذا النمط غير متّبع وغير مألوف في المدارس التقليديّة، لا البلديّة ولا الحكوميّة ولا الأهليّة.
وأصبحت المدرسة رسميّة ومعترف بها في عام 2006 وبدأت تعمل تحت إطار الجمعيّة كمدرسة مستقلّة غير معترف بها، وبعد نضالات ودعاوى في المحاكم حصلت المدرسة على اعتراف رسمي من لجنة الاستئناف التّابعة لوزارة المعارف. وها نحن اليوم نحتفل بتخريج الفوج الأوّل، وهذا فخر لنا ونجاح للأهالي وللجمعيّة على حدّ سواء.
– ماذا يمكن القول عن المدرسة.. الصفوف.. والأطر التعليميّة؟
قندلفت: تستوعب مدرسة «حوار» المستقلّة طلّابًا حتّى الصّف الثامن، من جيل 3 سنوات في الرّوضة، وما يهمّنا هي طريقة العمل في الصفوف بحيث تكون مبنيّة على أساس علاقة مباشرة بين الطّاقم التدريسيّ والطلّاب. وأن يكون التعلّم على أساس مريح وممتع، وليس عن طريق الفرض أو القيود أو الضغوطات.
فنحن عمليًا نتبع المنهاج المقرّر من قبل الوزارة، ولكنّنا نختلف في طريقة تطبيقه. فالطّالب عليه أن يعرف موادّ معيّنة ونحن نعمل بطرق تدريسيّة مختلفة غير تلقينيّة أو في إطار حفظ المادّة، إنّما بطرق تهدف إلى تنمية حبّ الإستطلاع، التفكير والاكتشاف الممتع. ومبنى المدرسة الحالي يتّسم بطابع خاصّ، فهو لا يشبه مبنى مدرسة عاديّة مكوّنة من غرف للصفوف وساحة لعب. فالمبنى يتناسب مع الفكر الّذي نعمل بموجبه.
فالفنّ المعماريّ للمدرسة وتقسيم مبناها إلى ليوان مفتوح وزوايا تعليميّة خارج الإطار المألوف، بعدد قليل من الطلاب في كلّ صف، وحتّى الأثاث المدرسيّ مبني بشكل مختلف تمامًا، وهو يساعد على إدخال الرّاحة النفسانيّة للطّالب. كما أنّ العلاقة بين الطاقم والطلّاب قريبة جدًا وغير قائمة على أساس ممارسة السّلطة وفرضها على الطلّاب، بل هي علاقة صداقة، بحيث يرى المربّون أنفسهم عنوانًا لتوجّهات الطّالب. وقد نجحت فكرة «حوار» وأدرك الأهالي أهميّة الطرق التدريسيّة، ولذا أصبحوا يتمنّون إدخال أولادهم في تجربة تعليميّة مختلفة عن تلك الّتي عاشوها.
فـ«حوار» تهتمّ بشخصيّة الطالب؛ وبالإضافة للتّعليم نهتمّ بالإنسان كإنسان، بقدرته على التّعبير عن رأيه ومشاعره، وإبداء رأي مختلف عن غيره، وممارسة قدرته على الإصغاء، واحترام الآخر.
ومضت قندلفت تقول: نحن نقدّم هذه التربية للطّالب ليس عن طريقة الوعظ، إنّما نمارسها يوميًا من خلال اللّقاء اليوميّ مع مربّي الصف. فيتحدّث الطلّاب بشكل حرّ عن المواضيع الّتي يختارونها، ويتعلّمون الإصغاء، الحديث، التعبير، وهكذا يمارس الطّالب والمعلم طريقة الحوار. فنحن ليس من وظيفتنا تربية الطّالب كما هو متّبع في حصص التربية، ولكنّنا نساهم بأن يكتشف الطّالب ذاته وشخصيّته وينمّيها. لأنّ الطّالب يطوّر آليات وقيّمًا ومفاهيم ويتخرّج من «حوار» حاملًا «سلّة كبيرة من القيم».
– إلى أين يتوجّه طلّاب «حوار» المستقلّة بعد التخرّج، وما هي مميّزات حفل تخريج الفوج الأوّل؟
قندلفت: كان حفل التخريج لطلّاب الفوج الأوّل مميّزًا، حيث دعونا الأهالي إلى المنصّة، وقاموا بتسليم أولادهم الخرّيجين الشهادات. لأنّ هذه المدرس هي من تأسيس الأهل وهم الّذين يقفون ويدعمون المدرسة ويؤمنون بفكرها. أمّا بعد الصف الثامن فقد عقدنا اتّفاقًا مع الكليّة الأرثوذكسيّة العربيّة في حيفا، لكي تستوعب الطلّاب من التّاسع حتّى التخرّج، طبعًا بعد امتحانات القبول.
وهذا الاتّفاق موقّع مع لجنة المعارف الأرثوذكسيّة والمجلس الملّي الأرثوذكسيّ في حيفا؛ وبالتّنسيق بين الطواقم التربويّة في الكليّة وفي مدرسة «حوار» المستقلة نتعاون فيما بيننا لتأهيل وتحضير الطلّاب وملاءَمتهم تربويًا وتعليميًا في مدرسة تقليديّة.
هل هناك طلّاب متميّزون؟ وكيف يمكن اكتشاف هؤلاء الطلّاب؟
قندلفت: هذه النوعيّة من الطلّاب موجودة في كلّ مدرسة، فـ«حوار» المستقلّة ليست مدرسة للموهوبين؛ ولكن طلّابنا يتميّزون بشخصيّتهم، بجرأتهم، وقدرتهم على التّعبير، وحين وقف طلّابنا في حفل التخرّج وألقوا كلماتهم، تحدّثوا عن شعورهم في هذا اليوم، وانتمائهم للمدرسة، وأنّهم جزء من تاريخها.
ما هو دور الأهل في نجاح واستمراريّة المدرسة؟
قندلفت: عشرات العائلات العربيّة وضعت أولادها أمانة في مدرسة «حوار» المستقلّة، فقد آمنوا بالفكرة ووضعوا ثقتهم بالمدرسة. وهؤلاء الأهالي يدعمون المدرسة ماديًا ومهنيًا، ويشاركون في فعّاليّاتها، والمشاركة في اتّخاذ القرارات. فدور الأهل مميّز ويمكن أن نعتبر هذه المدرسة أسرة كبيرة وجميع أفراد هذه الأسرة يشعرون بالإنتماء للمدرسة.
هل تخضع المدرسة لرقابة وزارة التربية والتّعليم.. وهل تتلقّون دعمًا من البلديّة أو الوزارة؟
قندلفت: نحن نخضع للتفتيش كأيّ مدرسة، ولكنّ الوزارة اتّبعت إرسال مفتّشين بتوجّههم السلبي وهم يحاولون إفشال المدرسة، وآمل بعد الاعتراف بالمدرسة أن تتغيّر هذه المعادلة. حتّى اليوم لم نتلقًّ أيّ دعم من بلديّة حيفا أو وزارة التّعليم.
ونحن بعد إصدار قرار لجنة الاستئناف للاعتراف بالمدرسة، مطالبون كمدرسة متكاملة في العام الدراسيّ القادم بتقديم طلب تصريح أو رخصة عمل، حيث قدّمنا طلبًا للترخيص وطلبًا للميزانيّة على أمل الحصول على تمويل من الوزارة.
كلمة توجّهينها إلى القرّاء..
قندلفت: نحن ملتزمون بقرارات لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة في البلاد، فُرصنا وأعيادنا الرسميّة كباقي المدارس. «حوار» المستقلّة هي تجربة ممتعة للطلّاب وأنّها «البيت الثّاني» للطّالب، فالمدرسة ليست مصنع علامات بل تنمّي الفكر، والإحساس، وشعور الطّالب بالسّعادة والرّاحة، خلال تواجده في المدرسة.
تحدّث عدد من الأهالي عن «حوار» المستقلة الّتي احتضنت أولادهم في أطر تعليميّة بديلة
عبد بدارنة: احتفلت بتخريج ابني رازي الّذي أنهى الصّف الثّامن مع باقي زملائه والّذي تربّى في هذه المدرسة منذ تأسيسها. كما أنّ ابني أسيل يتعلّم في المدرسة وهو اليوم في الصّف السّادس، وهذا يعني اقتناعنا الكامل بفكرة المدرسة.
لأنّ هذه المدرسة اجتازت أزمات عديدة للحصول على اعتراف رسميّ كمدرسة عربيّة للتعليم البديل. ونحن كأهالي تحمّلنا الضغوطات من قبل البلديّة ووزارة المعارف، ووقفنا صامدين سدًا مَنيعًا حتّى تحقّق حلمنا. وها نحن نجني حلم الفكرة الّتي آمنّا بها.
أمّا بالنّسبة للتعليم وطرق التعليم فهي مريحة، إذ يذهب الطّلّاب إلى المدرسة وهم يشعرون بالسّعادة، ويمكثون فيها براحة بدون توتّر أو ضغط. وممّا زادنا اطمئنانًا على مستقبل أولادنا هو استيعاب الكليّة الأرثوذكسيّة في حيفا للطّلّاب الخرّيجين، وهذه قفزة ناجحة ومميّزة، وتدلّ على نجاح طرق التّعليم والمنهاج في مدرسة «حوار» المستقلّة.
كمال طوبي (والد لطالبين): ابني في الصّف الثامن في العام الدراسيّ القادم، أمّا ابنتي فتتعلّم في الصّف السّادس. أنا أومن بفكرة المدرسة رغم الصّعوبات الّتي واجهت الأهالي، فلولاهم لما استطعنا إكمال مسيرتنا كمدرسة وجمعيّة.
وهكذا يتعلّم أولادنا في مسار تأهيليّ لاستيعابهم في الكليّة الأرثوذكسيّة. فطلّابنا في «حوار» يدرسون بنفسيّة مريحة، وأجواء مختلفة، تتميّز بعدد الطّلّاب القليل؛ أمّا الأهالي فهم يعرفون بعضهم بعضًا عن كثب، كما يعرف الطّلّاب بعضهم بعضًا.