**بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء من مكارم الأخلاق: الصدق**

مراسل حيفا نت | 28/11/2025

**بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

من مكارم الأخلاق: الصدق**

يظلّ الصدق في مقدمة الأخلاق التي لا يتنازل عنها العظماء، مهما كانت نتائجها مُرّة، لأنه يعبر عن قوة الإيمان ويكشف عن صلابة شخصية الصادق. وقديمًا قالوا: “إذا كان الكذب يُنجي فإن الصدق أنجى”، فالخير كله في الصدق.

وفي الحديث عند الطبري، قال أبو الدرداء:
يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: «قد يكون ذلك».
قال: هل يزني المؤمن؟ قال: «بلى وإن كره أبو الدرداء».
قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: «لا، إنما يفتري الكذب من لا يؤمن. إن العبد يزلّ الزلة ثم يرجع إلى ربه فيتوب، فيتوب الله عليه».

وعند الإمام مالك في الموطأ:
قيل يا رسول الله، أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: «نعم».
قيل: أيكون المؤمن بخيلًا؟ قال: «نعم».
قيل: أيكون المؤمن كذّابًا؟ قال: «لا».

وليس في ذلك تهاون—حاشا لله—بالسرقة أو الزنى، فهما من الكبائر التي يتوب منها العبد بصدق رجوعه إلى الله، أما الكذب فهو مفتاح كل الشرور وسبب كبير في انتشار الفوضى، حتى داخل الأسر، حيث يصبح أساسًا للخصومات والمشكلات.

أما الصدق فيعين صاحبه على التوبة والإنابة، ولذلك عدّه النبي ﷺ من علامات الإيمان، وجعل الكذب من علامات النفاق. قال رسول الله ﷺ:
«آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».

فالصدق طريق الهداية. قال رسول الله ﷺ:
«إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة… وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقًا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار…»

فيا سعادة الصادق، ويا خسارة الكاذب.

ولأهمية الصدق قال تعالى:
﴿هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ… ﴾
فالصدق من الأخلاق التي تُبرز معادن الرجال.

ولهذا لخّص الرسول الكريم رسالته بقوله:
«إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»
وقال:
«أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا».

ولا يكتمل حسن الخلق إلا بالصدق، ولهذا أمرنا الله بقوله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.

فالذي يبتعد عن شرف الصدق ينحدر إلى دركات المنافقين والكاذبين.

وقال تعالى معاتبًا نبيه ﷺ:
﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾.

وذكر سبحانه المهاجرين الذين صدقوا مع الله ورسوله، وتركوا ديارهم طاعة وإيمانًا:
﴿… أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.

أنواع الصدق

قسّم العلماء الصدق إلى ثلاثة مجالات رئيسية:
1. الصدق مع الله: بالإخلاص والنية الصافية.
2. الصدق مع الناس: بقول الحق وعدم تزوير الكلام.
3. الصدق مع النفس: بالاعتراف بالعيوب وتصحيح السلوك.

وقد قال النبي ﷺ:
«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة».

وسُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها:
بم يُعرف المؤمن؟
فقال ﷺ: «بوقاره، ولين كلامه، وصدق حديثه».

ومن أرقى مراتب الصدق أن يوافق القولُ الفعلَ. وقد عاتب الله من يخالف فعله قوله:
﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ…﴾

النية أساس الصدق

قال رسول الله ﷺ:
«إنما الأعمال بالنيات…»
فالجزاء مرتب على صدق النية.

وقد ظهر الصدق على وجه النبي ﷺ من أول لحظة رآه فيها عبد الله بن سلام، فقال:
“عرفت أن وجهه ليس بوجه كذّاب”.

قصة بلال بن رباح ومقام الصدق

ومن أجمل صور الصدق ما رواه المؤرخون عن بلال بن رباح حين خطب لأخيه امرأة من قريش فقال:

“كنّا عبدين فأعتقنا الله، وكنّا ضالّين فهدانا الله، وكنّا فقراء فأغنانا الله… فإن تُزوجوه فالحمد لله، وإن تردّونا فالله أكبر”.

فنظر القوم بعضهم في بعض وقالوا:
“بلال ممن عرفتم سابقته ومواقفه مع رسول الله”،
فزوجوه.

فلما خرج قال له أخوه:
“غفر الله لك، لماذا لم تذكر سوابقنا ومشاهدنا؟”
فقال بلال: “يا أخي، صدقتُ فأنكحك الصدق.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *