التثبيت بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء من أسباب الخِلاف… وأثر التكنولوجيا في تمزيق العلاقات

مراسل حيفا نت | 21/11/2025

التثبيت بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

من أسباب الخِلاف… وأثر التكنولوجيا في تمزيق العلاقات

كثيرةٌ هي الأسباب التي تؤدي إلى الخلافات بين الناس، لكنني سأتوقف عند سببين أصبحا من أخطر أسباب النزاع في عصرنا الحديث، وهما سببــان متلازمان:

الأول: تلقّي المعلومات من التكنولوجيا ووسائل التواصل دون ضوابط.
الثاني: عدم التحقق من صحة ما يصل إلينا من أخبار، سواء عبر الهواتف أو السوشيال ميديا أو حتى من بعض الأشخاص المحيطين بنا.

لقد دخل الذكاء الاصطناعي كل مجالات الحياة، واستُخدم أحيانًا للتضليل وصناعة المحتوى المزيّف من صوت وصورة، حتى وقع كثيرون فريسة لما يشاهدون أو يسمعون، ويظنون أنه الحقيقة بينما هو من عمل الخفاء.

تصلنا يوميًا مئات المقاطع والأخبار، بعضها مفبرك، وبعضها مبالغ فيه، وعندما نحاول التثبت لا نجد لها أصلًا ولا سندًا. ومن أراد لنفسه السلامة عليه أن يَتَثبّت من الخبر أو يتجاهله، ولا يسارع لنشره – ولو بدا أنه صحيح – حتى لا يكون سببًا في إشاعة الفاحشة أو الفتنة بين الناس.

وقد قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾

وقال رسول الله ﷺ:
“لا تؤذوا عبادَ الله، ولا تُعيِّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب اللهُ عورته حتى يفضحه في بيته.”

على المؤمن – إذا وصلته مقاطع مُذلّة أو أخبار عن الناس – أن يقف عندها، فلا ينقلها ولا يصدّقها، بل يَستُر ويَدرأ الفتنة.

وقال تعالى محذرًا من التسرع:
﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا…﴾
فالآية تحذير صريح من تصديق الأخبار بلا تحقق، لأن ذلك قد يوقع الإنسان في الظلم والندم.

كما قال سبحانه:
﴿وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به…﴾
أي إن نشر الأخبار بلا وعي قد يبث الخوف أو الأوهام في قلوب الناس، وهذا من الفساد.

وقد علّق السعدي على ذلك قائلاً:
“هذا تأديب من الله لعباده، أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بنقل الأخبار، بل يرجعوها لأهل العقل والحكمة.”

ومع الأسف، أصبح كثيرون يستخدمون التكنولوجيا لنشر الإشاعات وإثارة الفتن وخراب البيوت، حتى صار الهاتف في أيدي بعض الناس أداة هدم لا أداة بناء، وسببًا للطلاق والخصومات.

وتاريخ البشر مليء بالدروس، منها قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع الهدهد، إذ لم يُصدّق الخبر فورًا، بل قال:
﴿سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين﴾
فكان هذا منه منهجًا ربّانيًا في التثبت قبل الحكم.

وقال رسول الله ﷺ محذرًا:
“كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع.”
أي أن نقل الأخبار دون تحقق يجعل الإنسان يقع في الكذب شاء أم أبى.

وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كانت النار أولى به.”

وختم الله تعالى بقوله:
﴿ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا﴾

فلنتقِ الله في ما ننشر، ولنتثبت قبل أن نُطلق أحكامًا أو ننقل أخبارًا قد تهدم بيتًا أو تقطع رحمًا أو تظلم إنسانًا بريئًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *