أبواب الخير كثيرة
بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء
قال رسول الله ﷺ:
«الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك»
(رواه البخاري).
يستدل من هذا الحديث الشريف أن طرق الخير المؤدية إلى مرضاة الله كثيرة ومتنوعة، كما أن طرق الشر متعددة، والعاقل هو من يستغل كثرة سبل الخير ليبتعد عن الشر وأبوابه.
ولكي يقرب لنا الرسول ﷺ هذا الفهم العميق، شبّه قرب الجنة بشراك النعل، لأن الإنسان يسعى إلى أعماله بقدميه، وهما جزء من جسده الذي يخاطبه دائمًا قائلاً: “اتقِ الله فينا، فلا تجعلنا وقودًا للنار.”
وقد صوّر القرآن هذا المشهد ببلاغة في قوله تعالى:
«ويوم يُحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون… حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون»
(سورة فصلت، الآيات 19-20).
فالجلد هنا يمثل الجسد كله الذي ائتمن عليه الإنسان، ولذلك عليه أن يلج أبواب الخير ويغلق منافذ الشر.
نماذج من أبواب الخير
أبواب الخير لا تُحصى، فكل ما يُرضي الله ويحقق نفعًا للناس هو من الخير. ومن أبواب الخير ما ينفع صاحبه مباشرة كالصلاة والصيام وذكر الله، ومنها ما يمتد أثره إلى الآخرين.
وقد قال رسول الله ﷺ:
«الدالّ على الخير كفاعله»
ومن الأمثلة على أثر العمل الصالح في الذرية، ما جاء في قصة موسى والخضر عليهما السلام:
«وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا…»
(الكهف: 82).
وهنا نرى كيف أن صلاح الأب جلب الخير لأبنائه من بعده.
وقال النبي ﷺ أيضًا:
«خير الناس أنفعهم للناس»
وهذا ما فعله نبي الله يوسف عليه السلام حين قال:
«اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم»
(يوسف: 55).
فكانت غايته إنقاذ الناس من الهلاك والجوع، وهذا من أعظم أبواب الخير.
الخير في كل معروف
لا يستهين العبد بأي عمل خير، ولو كان صغيرًا، فقد قال ﷺ:
«اتقوا النار ولو بشق تمرة»
وقال أيضًا:
«لا يغرس المسلم غرسًا فيأكل منه إنسان أو دابة أو طير إلا كان له صدقة»
ومن أعظم أنواع الخير إصلاح ذات البين، إذ قال ﷺ:
«ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «إصلاح ذات البين»
ففي الإصلاح تُحقن الدماء، وتُصان الأرحام، ويُزرع الحب بين الناس.
التنافس في أبواب الخير
قال تعالى:
«من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له وله أجر كريم»
وهذه دعوة للتنافس في عمل الخير. فقد شكا فقراء المهاجرين إلى رسول الله ﷺ قائلين:
“ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق.”
فقال ﷺ:
«تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة…»
وحين فعل الأغنياء مثلهم قال ﷺ:
«ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»
ومن أبواب الخير أيضًا:
• إنظار المعسر ومساعدته، فقد قال النبي ﷺ:
«ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة»
• وإطعام الطعام ونشر السلام، كما في قوله ﷺ:
«تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»
• وكفالة اليتيم والإحسان إلى الأرملة، فقد قال ﷺ:
«الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله»
• وحتى إزالة الأذى عن الطريق باب من أبواب الخير والمغفرة.
وفي ختام المقال، نستذكر قوله ﷺ:
«دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك»
فالخير يبدأ من البيت، وينتشر في المجتمع، ويُثمر في الدنيا والآخرة.




