العلاقة بين الآباء وأبنائهم
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
تُعدّ العلاقة بين الآباء وأبنائهم من أهمّ الركائز التي تُبنى عليها الأسرة، ومنها يتكوَّن المجتمع السليم. وأساس هذه العلاقة هو البرّ الذي عرّفه الرسول الكريم ﷺ بقوله: «البرّ حسن الخلق».
فإذا كانت العلاقة بين الأبناء وآبائهم قائمة على الحب والرحمة والتضحية، استقام البناء الأسري، وأثمر مجتمعًا صالحًا ومتماسكًا.
غير أنّ البرّ لا يتحقّق من أحد الطرفين دون الآخر؛ فكما يُطالب الأبناء ببرّ والديهم، يُطالب الآباء بالتضحية من أجل أبنائهم، ودافع الطرفين في ذلك هو طاعة الله تعالى ثمّ المحبّة الصادقة التي تعمر القلوب.
وحين تغيب هذه الدوافع، تظهر مظاهر مؤلمة؛ فترى من الآباء من يتخلّى عن دوره التربوي والرعوي، ومن الأبناء من يعقّ والديه ويسيء إليهما.
ولهذا كان لزامًا التذكير بما جاء في كتاب الله وسنّة نبيّه ﷺ من تعظيم لحقّ الوالدين، إذ ربط القرآن الكريم بين عبادة الله وبرّ الوالدين في مواضع عدّة، قال تعالى:
«واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا» (النساء: 36).
«وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا…» (الإسراء: 23-24).
كما اعتبر الرسول الكريم ﷺ أنّ قبول الأعمال الصالحة مرتبط ببرّ الوالدين، فقال عليه الصلاة والسلام:
«من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة، ما لم يعقّ والديه».
وهذا هو منهج الأنبياء والصالحين، الذين ضربوا أروع الأمثلة في البرّ والإحسان؛ فقد قال تعالى في وصف يحيى عليه السلام:
«وبَرًّا بوالديه ولم يكن جبّارًا عصيًّا»،
وفي وصف عيسى عليه السلام:
«وبرًّا بوالدتي ولم يجعلني جبّارًا شقيًّا».
وأعظم صور البرّ ما نراه في قصة إسماعيل عليه السلام مع والده إبراهيم عليه السلام، حيث قدّم الابن مثالًا في الطاعة والرضا، فكانت تضحيته درسًا خالدًا للأجيال.
ومن المهمّ أن نُدرك أنّ الابن ليس له أن يفرض رأيه أو شروطه على والديه، بل عليه برّهما مهما كانت الظروف، حتى لو خالفاه في العقيدة، قال تعالى:
«وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا» (لقمان: 15).
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله:
«ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسبًا إلا فتح الله له بابين إلى الجنة، وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرضَ الله عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه».
ولكن لكي يبلغ الأبناء هذا المستوى من البرّ، يجب على الآباء أن يُعينوهم عليه، وذلك بحسن التربية منذ اللحظة الأولى لتكوين الأسرة، بل منذ اختيار الزوج أو الزوجة. فاختيار الشريك الصالح أساس الأسرة السليمة، ولهذا قال النبي ﷺ:
«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج».
كما قال:
«تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
وقال أيضًا:
«إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
فالزواج الصالح ينتج أبناءً صالحين، وبرّ الأبناء لا ينفصل عن حسن التربية، التي تبدأ من اختيار الاسم الحسن والأدب الطيب، كما قال ﷺ:
«أن يُحسِن اسمه ويُحسِن أدبه».
ويجب أن يكون الأب القدوة الحسنة في البيت، لأنّ الابن يرى في والده وأمه المثال الذي يحتذي به. كما ينبغي تهيئة البيئة السليمة لتربية الأبناء، خصوصًا في مراحل التعليم الأولى، إذ قال الإمام عليّ رضي الله عنه:
«علمه سبعًا، وأدّبه سبعًا، وصاحبه سبعًا».
وعند بلوغ الأبناء سنّ المراهقة، لا يجوز تركهم يخوضون الحياة وحدهم، بل على الوالدين أن يكونا لهما صاحبين ومعينين، كما قال رسول الله ﷺ:
«رحم الله والدًا أعان ولده على برّه».





