وداعًا يا صقر فلسطين- د. خالد تُركي – حيفا

مراسل حيفا نت | 13/03/2009

 

حملناك اليومَ لِنُودِعَك أمانة في رحم جبل الكرمل الأشمّ. 

أتيناك اليومَ لِنُوَدِّعك وداعًا أخيرًا بعد أن قرأت لنا خطبتك الأخيرة منذ زمن،

حين خاطبت السّجّان الصّهيوني في عقر داره:

ألا يا آسري إنّي فخورٌ     بشعب العُربِ إكليلٌ وصيلُ

حملناك وديعة نُخبِئها في بطن هذه الأرض علّ جذورُك تنبتُ سنابلَ الأملِ التي طالما زرعتها فينا ورعيْتها ورويْتها وصنتها برمش العين، علّها تُحرّرنا من كابوس السّنوات العجاف بعد أن طال أمده ليزيد عن السّنوات السّبع..

حملك رفاقك يا صقر فلسطين إلى بساتين الياسمين التي عشقتها وحملت لنا صورها في جعبتك من هناك، من الفيحاء، وبجناحيك كتبتَ لنا رسالة تقول أنّ الياسمين في دمشق هو الأجمل، هو الأعطر وهو الأنصع بياضًا.

آه ما أحلى الياسمين الدّمشقيّ..

ألم تُغنّ لدمشق وتتغنَّ بدمشق، يا أبا عايدة، شوقًا والتياحًا.

هل أُلقيَ لك البيت كاملاً أم تُريدني أن أُلقي لك الصّدرَ لتأتيني بالعَجُزِ كما كنّا نلعب دائمًا:

 إيهٍ دمشق يقُضُّني ومحبّتي           بُعْدٌ يُعذِّب خاطري ويُمزِّقُ

ها هم إخوانُك ورفاقُك الذين لم تلدْهم أمّك يحيطونك في لحظة، ما أصعبها، في فترة ما أحرجها، في زمنٍ رديءٍ، علّك تقوم الآن من بين الرّماد أو حتى بعد ثلاثة أيّام لتُحلِّق عاليًا فوق رؤوس الجبال الشّاهقات الشّامخات في سماء فلسطين لتأتينا بغُصن زيتون أخضر وأمل "ثائر من الشّرق العربيّ" يحلم بوطن آخر، يحلم بوطن حرٍّ لشعبٍ طلبت نفسه السّعادة والطّمأنينة منذ عقود.

هنا في هذا المكان ستكون راحتك التي لم تردها أولم تخترها أو ربّما اخترتها مُكرهًا، لأننا نعرفك ونعرف ما ردّدته دائمًا من شعر مَرْجِعِيَّتِك، المتنبّي:

إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ     فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ

 فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ    كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عظيم ِ

لذلك اخترْتَ ما قاله أبُ الثّورة العربيّة الكُبرى، سلطان باشا الأطرش، في وصيَّته:

إنّ الإيمانَ أقوى من كلّ سلاح. وإنّ كأس الحنظل بالعزّ أشهى من ماء الحياة

بالذّلّ.

المناضل الشاعر المرحوم داود تركي

كم مرّة صارعْت الموت وصرعته، كم مرّة تعاركت مع هذا الحقّ وأركعته، كم مرّة حاربتَ الحتف وحذفته من قاموسك، إلى أن أتت ساعةٌ لا بُدّ منها ومُتَّ شامخًا منتصِبًا عنيدًا لا تعرف الهوانَ ولا الهوانُ يعرفك وما مللت الكفاح يومًا كقول شاعرنا المتنبّي:

وإذا لم يكُن من الموت بدٌّ    فمن العجْزِ أن تكونَ جبانا

فإلى جنّة الأبطال يا أب الأبطال وإلى جنّة كرام النّفوس يا كريم النّفس، وإلى جنة الشّهداء يا عزيز الشّهداء، فالشّهداء أكرم من في الأرض وأنبل بني البشر.

 

*ألقيت في تأبين المناضل داود تركي (أبو عايدة) بعد دفنه وذلك يوم الأربعاء الموافق 11.3.2009.

 

 

 

  

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *