من ميزات المؤمن بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 01/08/2025

المؤمن يتميّز بصفات رفيعة لا يشاركه فيها أحد، لأن الإيمان في ذاته قوةٌ دافعة، وإرادةٌ حيّة، ويقينٌ لا يتزعزع بالله تعالى. وقد قال رسول الله ﷺ:

“عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن: إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرًا له.”*

فالمؤمن ثابت على عهده مع الله، لا يتراجع عن مبادئه ولا يتزعزع عن ثوابته، راضٍ بقضاء الله، واثقٌ بحكمته، محبٌّ لربّه.

قال رسول الله ﷺ:

*”المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير.”*
فالمؤمن القوي في يقينه وصبره وعزيمته، هو من أحباب الله، يستمدّ عزّته من معية الله، ويعيش مطمئنًّا مهما ضاقت به السبل أو اشتدّت المحن.

وقد وصف الله حال المؤمنين في قوله تعالى:
*”ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحبّ الله، والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله…”* \[البقرة: 165]

فالمؤمن الحق هو الإنسان السوي القوي، الذي بإيمانه يستطيع إحداث التغيير في مجتمعه، لأنه شديد الثقة بنصر الله، وسعيدٌ بمعيّته، فمن كان في معية الله فلا خوف عليه ولو عمّ الخوف، ولا حزن عليه وإن امتلأ المكان بالحزن.

وقد جسّد النبي محمد ﷺ هذا المعنى في موقفه في غار ثور، حين قال لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه:

*”لا تحزن إن الله معنا.”*
فنزل قول الله تعالى:
*”إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنودٍ لم تروها…”* \[التوبة: 40]

إن معية الله هي القوة الحقيقية التي تمنح المؤمن صبرًا وثباتًا، فلا ترى مؤمنًا صادقًا ذليلًا أو جبانًا، لأن قوّته من قوة الله، وثباته من اليقين بوعده.

وكان من دعاء رسول الله ﷺ:

*”اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال.”*

وقد يقول قائل: إننا في زمن ضعف. فنقول: العاقل من يحوّل ضعفه إلى عزيمة، ويخرج من أزمته بإيمانٍ راسخ وعملٍ نافع. وهذا ما فعله النبي ﷺ حين نادى أهل مكة بدعوة “لا إله إلا الله”، رغم عداوتهم له، لأنه أراد لهم الخلاص من عبودية البشر والحجر إلى عبودية ربّ البشر.

قال تعالى:

*”ءَأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهّار؟”* \[يوسف: 39]

فمن احتمى بالله، فلا يخشى غيره. ومن آوى إلى ركنٍ شديد، لا تهزمه الدنيا مهما تجبّر الطغاة.

وقد ضرب التاريخ لنا مثالًا بديعًا في الإمام **الحسن البصري** رحمه الله، حين استدعاه الحجاج بن يوسف ليُعدم، ووُضع السيف والنطع أمامه. فما كان من الحسن إلا أن حرك شفتيه بالدعاء، وتقدّم بثبات وهيبة، فألقى الله مهابته في قلب الحجاج، الذي بدّل موقفه فجأة، فبشّ له وكرّمه وأجلسه على فراشه، وسأله عن أمور الدين، ثم ودّعه بإجلال. فلما سُئل الإمام عمّا دعا به، قال:

*”قلت: يا ولي نعمتي، وملاذي عند كربي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته بردًا وسلامًا عليّ، كما جعلت النار بردًا وسلامًا على إبراهيم.”*

ذلك هو المؤمن الحق، الذي يؤثّر ولا يتأثّر، ويصمد أمام الجبابرة لأن قلبه معلق بالله، ولسانه عامر بذكره، وعقله مملوء بعلمه.

قال تعالى:

*”يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير.”* \[المجادلة: 11]

والعلم مع الإيمان يصنع الهيبة، ويهزم الطغيان. روى التاريخ أن الخليفة **سليمان بن عبد الملك** أراد فتوى في الحج، فتقدّم إلى مجلس الإمام **عطاء بن رباح**، فأراد أن يتجاوز الناس، فقال له الإمام:

*”يا أمير المؤمنين، خذ مكانك، ولا تتقدّم الناس، فإنهم سبقوك إليه.”*
فجلس الخليفة في مكانه وسأل، ثم التفت إلى أبنائه وقال:
*”يا بَنيّ، عليكم بتقوى الله، والتفقه في الدين. فوالله، ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد، لأن الله يرفع من يشاء بطاعته، وإن كان عبدًا حبشيًّا، لا مال له ولا نسب.”*

ثم قال:
*”يا بَنيّ، تعلّموا العلم، فبالعلم يشرف الوضيع، ويُوقظ الغافل، ويرتقي العبيد إلى مراتب الملوك.”*

*خاتمة:*
هكذا هو المؤمن: قويٌّ بإيمانه، رفيعٌ بعلمه، ثابتٌ على الحق، لا تزعزعه المصائب، ولا تفتّ من عزيمته الفتن، لأنه يعلم أن **العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين**.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *