الغيبة والنميمة: خطر مستتر يفتك بالمجتمعات بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 18/07/2025

في خضم الهموم والتحديات التي تعترض طريق الإنسان في هذه الحياة، وبينما تعاني أمم وشعوب من الفقر والجوع وفقدان الأمن، نجد فئة من الناس منشغلة بما لا ينفع، بل بما يضرّ ويفسد، يطلقون ألسنتهم في أعراض الآخرين، ويخوضون في الغيبة والنميمة، وكأنها رياضة يومية أو تسلية اجتماعية.

هذا السلوك المدمر لم يعد مقتصرًا على المجالس الخاصة، بل تسلل إلى منصات التواصل الاجتماعي، فصار البعض يلوك أعراض الناس في العلن، بالكتابة أو الإشارة أو التحليل والتأويل، مستبيحين ما حرّمه الله، ناسِين أو متناسين أن الكلمة سهم قد يجرح، وأحيانًا يقتل.

وقد قال الله تعالى في محكم كتابه:
“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”
فهذه دعوة ربانية لحفظ اللسان، لأن القول السديد لا يصدر إلا عن قلب نقي وإيمان صادق.

الغيبة والنميمة… خطر على الإيمان والمجتمع

جاء في حديث النبي ﷺ:
“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت.”
فالصمت خيرٌ من قولٍ يهدم بيوتًا، ويفرق بين القلوب، ويقطع صلات الودّ والمحبة.
ويقول تعالى:
“ولا يغتب بعضكم بعضًا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا؟ فكرهتموه.”
وهذا التصوير القرآني العميق يضعنا أمام بشاعة الغيبة، فهي لا تقل عن التهام لحوم الموتى.

وقد بيّن النبي ﷺ حقيقة الغيبة حين سأل الصحابة:
“أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: فإن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتّه.”

وسائل التواصل… ساحة مفتوحة للغيبة والفتنة

ما يزيد الأمر خطورة في عصرنا، هو انتقال الغيبة والنميمة إلى الكتابة والمراسلات، بل واستغلال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحريف الكلام ونشر الإشاعات، وقد قال الإمام النووي رحمه الله:
“الغيبة تكون باللفظ أو بالكتابة أو بالرمز أو الإشارة، وضابطها: كل ما أفهمت به نقصان مسلم فهو غيبة محرمة.”

عقوبات دنيوية وأخروية

وقد جاء في الحديث الشريف:
“لما عُرج بي، مررتُ بقومٍ لهم أظافر من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.”
وقال تعالى:
“ويلٌ لكل همزةٍ لمزة.”
والوَيل: وادٍ في جهنم تتعوذ منه النار، أعده الله لمن يهمز ويلمز ويغتاب الناس.

النميمة… فتنة تهدم وتفرّق

أما النميمة، فهي أعظم خطرًا، إذ ينقل صاحبها الكلام بين الناس بقصد الإفساد، وقد ورد عن النبي ﷺ:
“لا يدخل الجنة نمام.”
بل إن عذاب النمام يبدأ منذ القبر، فقد قال ﷺ وهو يمرّ بقبرين:
“إنهما ليُعذّبان، وما يُعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.”

ذو الوجهين… من شرار الخلق

وقد بيّن رسول الله ﷺ أن من شرار الناس عند الله يوم القيامة:
“الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه.”
فهو منافق فاسد، يسعى في الأرض فسادًا، يلبس ثوب الناصح الأمين، وهو في باطنه مفسد لئيم.

الادعاء بالنصيحة لا يُبرر الغيبة

بعض الناس يبررون الغيبة والنميمة بدافع الغضب أو الحرص أو النصيحة، وهذا لا يغيّر من حقيقة الفعل شيئًا. فقد قال أحد العلماء:
“منهم من يُظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، وقصده غير ما يُظهر، والله المستعان.”

خاتمة

قال سهل بن عبد الله:
“من أراد أن يسلم من الغيبة، فليغلق على نفسه باب الظنون، فمن سلم من الظن، سلم من التجسس، ومن سلم من التجسس سلم من الغيبة، ومن سلم من الغيبة سلم من البهتان.”
ويروى أن عمرو بن العاص مرّ على بغل ميت فقال لأصحابه:
“لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه، خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم.”

فلنحفظ ألسنتنا، ولننقِّ قلوبنا، ولنجعل الكلمة الطيبة شعارنا، فبها تُصلح القلوب وتُبنى المجتمعات، أما الغيبة والنميمة فتهدم أكثر مما تبني، وتُفقدنا رضا الله وكرامة الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *