في خضمّ تقلبات الحياة، يتنقل الإنسان بين أيام فرح وسرور، وأيام حزن وهمّ. يوم يحيط به أناس كأنهم ملائكة، ويوم آخر يرى حوله من لا يعرف للوفاء سبيلاً. هذه التحولات ليست غريبة، بل هي جزء من طبيعة الحياة ومجرياتها. وفي خضمّ هذا التقلّب، لا بد للمؤمن أن يحدد لنفسه وجهةً ثابتة وغايةً سامية، وهي بلا شك رضوان الله وجنّة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين.
وحين تكون الغاية واضحة، تصبح المسيرة أكثر استقامة وثباتًا. يعلم المؤمن أن كل ما يحدث من مصائب أو نعم هو بتقدير الله، مصداقًا لقوله تعالى:
“إنا كل شيء خلقناه بقدر”.
وفي مواضع الشدة، يجد في كتاب الله عزاء وسلوى، كقوله:
“ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير”.
المؤمن يواجه المصائب بصبر وثبات، يُوقن أن هذه الابتلاءات ما هي إلا تمحيص، وأن بعدها فرجًا من ربّ العالمين، كما وعد في كتابه:
“وبشر الصابرين”.
وصدق رسول الله ﷺ حين قال:
“عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير: إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن”.
كل ما يحدث في حياة المؤمن، مهما كان مرًّا، هو خير، حتى لو لم يدركه في حينه، لقوله ﷺ:
“لا يقضي الله قضاءً للعبد إلا كان خيرًا له”.
وقد علّمنا الحبيب المصطفى التوحيد الحقيقي والتوكل الخالص، فقال:
“إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله…” حتى ختم بقوله:
“رُفعت الأقلام وجفّت الصحف”.
وعندما تضيق السبل وتشتد الأزمات، فإن المؤمن لا يتراجع، بل يتقدم نحو النور، لأن رحمة الله قريبة من المحسنين، كما قال تعالى:
“حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا فنُجي من نشاء”.
وفي مواجهة التحديات، حتى من الأقربين، لا بد أن يتسلّح المؤمن بالصبر والعفو والتسامح. فالساعي إلى الانتقام يحرق نفسه قبل أن يؤذي غيره، ويعيش في اضطراب لا طمأنينة فيه. أما من اتبع طريق الله، فقد كتب له الفلاح، مصداقًا لقوله تعالى:
“ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم”.
وقد وجه الله نبيّه الكريم بقوله:
“ولا تكُ في ضيقٍ مما يمكرون”
“ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً”.
وكان من خلق النبي ﷺ أنه قال:
“لا تُبلغوني عن أحد من أصحابي شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر”.
بهذا التوجّه، لا يتيه المؤمن في دوامات الفتن، بل يتجه نحو العمل الصالح، مسلّمًا أمره إلى الله، مردّدًا:
“وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد”.
ومن أرقى الأعمال التي تنقذ العبد من عذاب الدنيا والآخرة: الإحسان إلى الخلق. وقد بيّن رسول الله ﷺ أن الله يثيب عباده على رحمتهم بإخوانهم، في الحديث المشهور:
“يا ابن آدم، مرضتُ فلم تعدني…” إلى آخر الحديث، الذي يرسّخ أن في خدمة الناس لقاء الله.
وختامًا، فإن أحد العلماء الربانيين لما أُصيب بمصيبة، قال لمن عزّوه: “دوائي ستة أخلاط:
الثقة بالله،
العلم بأن كل مقدور كائن،
الصبر خير ما يُستعمل،
إن لم أصبر فماذا أفعل؟
قد أكون في حال أسوأ،
ومن ساعة إلى ساعة يأتي الفرج”.
فاختر وجهتك… وثبّت غايتك… وتسلّح بالصبر والإيمان… فالخير كل الخير فيما اختاره الله.



