التعاون على الخير… دعوة ربانية ومسؤولية مجتمعية
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
في زمنٍ كثرت فيه الفتن وتفشى فيه الظلم وقلّ فيه الحياء، تشتد الحاجة إلى التذكير بقيم الخير والدعوة إلى التعاون عليه. وقد أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز بذلك فقال: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”، وهي دعوة صريحة لتعزيز العمل الجماعي في كل ما فيه نفع وصلاح.
فالتعاون لا يكون نافعًا ومثمرًا إلا إذا اقترن بحسن الخلق، كما عرّف النبي ﷺ البر بقوله: “البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس”. أما التقوى، فهي أن لا يراك الله حيث نهاك. وإذا جمعنا بين حسن الخلق والتقوى، وجدنا أنهما السبيل إلى صلاح الفرد والمجتمع، وتحقيق الأمن النفسي والطمأنينة القلبية.
الرسول ﷺ أشار إلى أن طرق الخير أكثر من أن تُعد وتُحصى، وأكد أن الحياء من الله يدفع إلى العمل الصالح، فقال: “الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”. فحتى إزالة الأذى من الطريق تعد عملًا جليلًا، وقد يكون سببًا للنجاة في الآخرة.
وفي هذا السياق، يحثنا ﷺ على ألا نستهين بأي عمل خير، مهما بدا بسيطًا، فقال: “لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”، وقال أيضًا: “اتقوا النار ولو بشق تمرة”. فسلامة القلب وصفاء النية هما الدافع الحقيقي وراء الأعمال الصالحة.
النبي ﷺ شدد كذلك على أهمية البعد عن الحرام والشبهات، فقال: “إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات… فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه”. فالقلب هو مفتاح الصلاح، وإذا صلح، صلح الجسد كله، وإذا فسد، فسد الجسد كله.
إن المؤمن الحقيقي هو من يكون ناصحًا لأخيه، أمينًا على حقوقه، يبتعد عن الغيبة والنميمة، ويكون عونًا على البر والتقوى، لا خصمًا أو ندًّا. فالله تعالى قال: “إنما المؤمنون إخوة”، وقد قال النبي ﷺ: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
المؤمن لا يحقد ولا يحسد، ولا يعتدي على الآخرين، لأن الظلم – كما بيّن ﷺ – ظلمات يوم القيامة، وقال: “اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح…”. والظالم لا نصير له، كما جاء في القرآن الكريم: “وما للظالمين من حميم ولا شفيع يُطاع”.
في المقابل، المجتمعات التي تسود فيها الأخلاق والتعاون على الخير، هي مجتمعات محصنة من الفتن، بعيدة عن الحيرة والتيه. أما المجتمعات التي يطغى فيها الظلم والفساد، فإنها تعيش ضنك العيش، كما قال تعالى: “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا…”.
من هنا، تأتي أهمية هذه المواعظ، أولًا: للتذكير، كما قال تعالى: “فإن الذكرى تنفع المؤمنين”، وثانيًا: لصيانة حرمات الناس وأعراضهم، وهي عظيمة عند الله. فقد قال: “ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربه”.
ويختم النبي ﷺ وصاياه بحديث عظيم يجسد العلاقة السليمة بين المسلمين:
“حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتّبعه”.
إنها دعوة مفتوحة لكل فرد في المجتمع ليكون لبنة في بناء الخير، وسندًا في وجه الفتن، وسببًا في صلاح الأمة.