عيد الأضحى المبارك
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
بعد أن يشرع حجاج بيت الله الحرام بأداء مناسك الحج، يحتفل العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك، هذا العيد الذي يُعدّ تيمّناً بأنبياء الله وصالحيه.
ورغم مرارة الألم التي تعتصر قلوبنا من استمرار الحروب وجراحات الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء، ورغم أننا نردد في كل عام قول الشاعر:
“بأي حالٍ عدتَ يا عيدُ”،
فإن الواجب الشرعي يقتضي أن نحيا سيرة الأنبياء والصالحين، وفي مقدّمتهم بطلا هذا العيد: نبيّ الله إبراهيم عليه السلام، وابنه إسماعيل عليه السلام، وتلحق بهما هاجر أم إسماعيل عليهم جميعًا السلام.
لقد قدّمت هذه الأسرة المباركة أسمى النماذج في التضحية والفداء، وأرقى معاني التسليم لجلال الله تعالى.
لقد بلغ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام من الكِبَر عتيًّا، يدعو الله أن يرزقه بالولد. فاستجاب الله دعاءه وابتلاه في الوقت نفسه؛ إذ شاءت إرادة الله أن يختبره في ولده، ليرى هل بلغ إبراهيم منزلة التسليم المطلق لجلال الله تعالى.
قال تعالى:
﴿فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى * قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين﴾.
لقد بلغ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام مقام التسليم الكامل لله تعالى، حتى لو كان الثمن إراقة دمهما. فقد ورد في الأثر أن إسماعيل لما بلغ مرحلة العطاء والقدرة، جاء الأمر الإلهي بذبحه. فقال لأبيه: “يا أبتِ، اربطني جيدًا حتى لا أتحرك فتتعثر يدك عن أمر الله. ضع وجهي إلى الأرض حتى لا تنظر إليّ فتأخذك الرحمة. أسرع في التنفيذ”.
فلما وضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه وأراد تنفيذ أمر الله، لم تقطع السكين، إذ نودي:
“يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا”،
وجاء الفداء العظيم.
وهكذا، تجلّى مستوى الإيمان في قلب إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام. لقد تجاوز إبراهيم محنته رغم كبر سنه واشتداد حبه لولده، إذ جعل محبة الله وطاعته فوق كل اعتبار. فجاء الجزاء الرباني:
﴿وفديناه بذبح عظيم﴾.
هذا النجاح في الامتحان أصبح حياة للبشرية كلها؛ إذ حرم الله القتل وسفك الدماء بغير حق، وجعل بديلًا عن ذلك سنة الأضحية، لتكون رعايةً للفقراء والمحتاجين، وترسيخًا لمقصد الرحمة.
من هنا، فإن أفضل الأضاحي في أيامنا هذه هي التي تساهم في إطعام المظلومين والمقهورين، وخاصة من أطفال ونساء وشيوخ غزة، ممن أثقلت كواهلهم المحن والابتلاءات.
إن عيد الأضحى المبارك يأتي ليكرّس هذه القيم، فهو ليس يومًا للهو والأكل والشرب فقط، بل هو رسالة اقتداء واتباع. كما قال تعالى:
﴿ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين﴾.
والاتباع دليل الطاعة لله، لذا فمن لم يتبع ملة إبراهيم فهو سفيه وضال، قال تعالى:
﴿ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾.
إنه عيد نجدد فيه العهد مع أبي الأنبياء إبراهيم، فقد كان على الحق والحريّ بالاقتداء:
﴿ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفًا واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾.
وقال تعالى:
﴿قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين﴾.
إن احتفالنا بعيد الأضحى، أو أداءنا لمناسك الحج، هو في جوهره إحياء لسيرة إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام. فقد كانت هاجر سببًا في تفجير ماء زمزم، والسعي بين الصفا والمروة.
ومن الجدير بالذكر أن عيد الأضحى وعيد الفطر بدأا بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فعن أنس رضي الله عنه قال:
“قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله: إن الله أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر”.
وفي العيد، الشكر لله تعالى؛ فصيام رمضان شكَرٌ لله على التوفيق، وعيد الأضحى شكرٌ لله على إتمام مناسك الحج أو على صيام يوم عرفة لغير الحجاج.
قال تعالى:
﴿ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون﴾.
وأشرف معاني الشكر أن يعطف الغني على الفقير؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالصدقة في العيد، قائلاً:
“أغنوهم عن الطواف (السؤال) في هذا اليوم”.
نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العيد عيد خير وبركة، وأن يرفع عن أمتنا البلاء والوباء والغلاء، وأن يوفقنا للاقتداء بسيدنا إبراهيم في إيمانه وتسليمه لله تعالى.
وكل عام وأنتم بخير.