تحديات جسام بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 23/05/2025

تحديات جسام

بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء

لا شك أن مجتمعنا يواجه تحديات جسامًا لم يسبق لها مثيل، في ظل واقعٍ مؤلم ومؤسف تعيشه الأمة، ويشهده العالم أجمع. هذا الواقع يؤثر سلبًا أو إيجابًا على سلوك الناس، وخاصة فئة الشباب. ومن أخطر ما نلاحظه عند التحاور معهم هو شعورهم بالخوف من المستقبل، بسبب غموض معالمه في ظل هذه الظروف.

يتفاوت هذا الخوف من شخص لآخر، بحسب قوة الإيمان واليقين بالله، القائل:

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].

فشعور الإنسان بالأمان نعمة عظيمة، امتنّ الله بها على أهل قريش، فقال:

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4].

لا نلوم من يخاف، فذلك من طبيعة النفس البشرية، ولكن نلوم من يُقعده الخوف عن أداء واجباته، ويعطّل طاقاته، فيلزم بيته ويترك العمل، ويتخلى عن دوره كأب أو أم، أو يفرّ من واقعه إلى الانحراف والانغماس في الموبقات، كالمسكرات والمخدرات. ذلك لن يغيّر من الواقع شيئًا، وإنما الذي يغيّره هو الفهم الصحيح لطبيعة الحياة، والثبات في مواجهة التحديات.

هذا لا يعني إهمال الحذر؛ فالحذر من التحديات بدافعٍ من الخوف الفطري ضرورة إنسانية. قال تعالى:

{إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 19-21].

وهذا الخوف لم يَسلم منه حتى الأنبياء عليهم السلام. قال تعالى عن نبي الله موسى وهو يواجه طغيان فرعون:

{إِنَّا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى} [طه: 45]،

وقال: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} [الشعراء: 14].

لكن ذلك الخوف لم يمنع موسى من أداء رسالته، وقيادة قومه نحو النجاة. من هذه القصة نتعلم أن على الشباب استغلال هذا الواقع الصعب بوضع رؤية واضحة لطبيعة الحياة، وتحويل التحديات إلى فرص للرقي والتقدم، مع اليقين بأن إرادة الله نافذة. قال تعالى:

{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].

وهذا جزء لا يتجزأ من إيماننا. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال:

دخلت عليه وهو مريض يُخيَّل إليّ أنه في النزع، فقلت: “يا أبتِ، أوصني”. فقال:

“يا بني، لن تذوق طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر، خيره وشره.

اعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك.

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة.

يا بني، إن متّ ولستَ على ذلك، دخلتَ النار.”

هذا الفهم العميق رسّخه النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس الصغار قبل الكبار، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال:

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك.

إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله.

واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.

رفعت الأقلام، وجفّت الصحف.”

وفي رواية:

“تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.

واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.”

فكن على يقين، أنك إذا تعرفت على الله في الرخاء، عرفك في الشدة. لذا الجأ إليه بالدعاء والذكر والتسبيح والصلاة، لتستمد قوتك من الله، كما قال نبي الله لوط عليه السلام حينما واجه قومه الفاسقين:

{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 80-81].

صلاح لوط، وصلاح يونس، وصلاح إبراهيم، وصلاح إسماعيل، وصلاح محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء، كان سببًا في نجاتهم من الكربات، وصمودهم أمام التحديات، فلم يقنطوا من رحمة الله، ولم يتوقفوا عن العمل الصالح.

لهذا أوصي نفسي وأحبتي من عباد الله: أن نبادر إلى العمل الصالح، ونحافظ على صلاتنا، ودعائنا، وذكرنا، ونغتنم فرص العمل والعطاء في المجتمع. بهذه الطريقة نبدد المخاوف، ويحلّ محلّها شعور بلطف الله ورعايته. وبدلاً من الانشغال بالخوف، فلنشغل أنفسنا بما يبدده: صحبة الأبرار، قراءة القرآن، الدراسة، والتعلم.

ولا بأس، إن عجز أحدنا عن التغلب على مخاوفه، أن يعرض نفسه على طبيب مختص، يعينه بعد الله على تجاوز أزمته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *