في زمن تتلاطم فيه أمواج الفتن، وتتعدد فيه وسائل الانشغال، نرى كثيرًا من الناس يبحثون عن السعادة خارج أسوار بيوتهم، حتى وإن كان ذلك على حساب القيم، أو الأسرة، أو عبر أبواب محرّمة. هذا الهروب، في حقيقته، هو فرار من المسؤولية التي حمّلنا الله إياها، رجالًا ونساءً على حدّ سواء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته…”، فكل فرد في الأسرة مسؤول عن موقعه. الإمام مسؤول، والرجل مسؤول في أهله، والمرأة مسؤولة في بيت زوجها، وكلٌّ على ثغره. فإذا فُقِهَت هذه المسؤوليات وأُديت بحق، تحقق جوهر السعادة.
وقد يظن البعض أن المال وحده يصنع السعادة، فنسمع من يقول: “لم أقصر في النفقة”، ومن تقول: “لم أقصر في خدمة البيت”، ثم نجد مشاعر الرحمة والمودة قد تلاشت، حتى بين الأبوين وأبنائهما. فالسعادة لا تتحقق إلا بتربية صالحة، وعاطفة صادقة، وسلوك يُرضي الله قبل الناس.
إن الله تعالى عندما مَنَّ علينا بتكوين الأسرة، أراد لها أن تكون ملاذًا آمنًا، وسكنًا للنفس، ومصدرًا للرحمة والمودة، لا ميدانًا للتنازع والخصام. قال تعالى: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها…”، فالتقوى ومراقبة الله هما الضمان الحقيقي لسعادة الأسرة.
وقال عز وجل: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة…”، لكن الشياطين، من الجن والإنس، لا يرضون بهذا النعيم، فيسعون إلى نشر الشقاق والفتنة داخل البيوت. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن إبليس يبعث سراياه، فيفرح بمن يُفرّق بين الرجل وزوجته، فيدنيه منه ويقول: “نِعمَ أنت!”.
ومن أخطر أدوات التفريق في عصرنا هذا، التكنولوجيا الحديثة، لا سيما الهاتف المحمول وما يحمله من أبواب للفساد، إلا من رحم الله. لقد أصبح هذا الجهاز أحد أهم أسباب الطلاق والانفصال، وتمزيق شمل الأبناء، وتشتيت القلوب، إن لم يُستخدم بتقوى ومراقبة لله.
إن من يريد أن يجعل بيته جنة في الأرض، لا بد له أن يتقي الله في نفسه وأهله، وأن يراقب أقواله وأفعاله، ساعة بساعة، ودقيقة بدقيقة. البيت هو الحصن الحصين، والمأوى العاطفي والنفسي، ومصدر الاستقرار والشخصية السوية. قال تعالى: “هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها”.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنها من الحق”. فالسكن الحقيقي في الأسرة لا يكون إلا بالعفة، والطهارة، والتزام الحقوق والواجبات، والخصوصية بين الزوجين. ومن أبغض السلوكيات إفشاء أسرار الحياة الزوجية، قال رسول الله: “إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها”.
إن أفضل الناس، كما أخبر النبي الكريم، هم من يحسنون إلى أهليهم، فقال: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. بل واعتبر النفقة على الأهل من أعظم القربات، فقال: *“دينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفق




