وداعًا رمضان ✍ بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 29/03/2025

وداعًا رمضان

✍ بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء

أخي الكريم، أختي الكريمة، منذ أيام قليلة كنا نترقب بلهفة وشوق قدوم شهر رمضان، وها نحن اليوم نودّعه وقد مضت أيامه سريعًا. كم منا تمنى أن يكون العام كله رمضان! وكم منا قصّر في صيامه وقيامه ولم ينل خيره وبركته! هكذا هي الدنيا، تمضي أيامها وأعوامها مسرعة:

لكل شيء إذا ما تم نقصانُ

فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسانُ

ومع مرور رمضان سريعًا، لا ندري من منا سيُكتب له أن يعيشه في أعوام قادمة، فيصومه إيمانًا واحتسابًا، ويقومه كذلك، ويحيي ليلة القدر طلبًا للمغفرة.

ليلة الجائزة: فرحة العيد ومغفرة الرحمن

ومع استقبال ليلة العيد، التي تُسمى في السماء ليلة الجائزة، ينال الصائم جائزته العظمى: مغفرة الله. فقد ورد في معجم الطبراني عن سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه أن النبي ﷺ قال:

“إذا كان غداة الفطر، وقفت الملائكة في أفواه الطرق، فنادوا: يا معشر المسلمين، اغدوا إلى رب كريم يمنّ بالخيرات ويثيب عليها الجزيل. أمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم. فإذا صلَّوا العيد، نادى منادٍ من السماء: ارجعوا راشدين، قد غُفرت لكم ذنوبكم كلها، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة.”

ولا شك أن الصيام من الأعمال العظيمة التي يجب المحافظة عليها، ليس فقط في رمضان، بل من خلال المداومة على طاعة الله، والتحلي بحسن الخلق، والتعامل الطيب مع الناس.

أسئلة محاسبة النفس بعد رمضان

مع وداع الشهر الفضيل، يجب أن يسأل كل منا نفسه بعض الأسئلة المهمة التي تعينه على حفظ أعماله في ميزان حسناته، ومنها:

• هل كان صيامي سببًا في أن يكون رمضان شفيعًا لي يوم القيامة؟

• هل ضبطت سلوكي وفق مراد الله وهدي رسوله ﷺ؟

• هل تعلمت من الصيام الصبر، فهو كما قال النبي ﷺ: “الصوم نصف الصبر، والصبر جزاؤه الجنة”؟

• هل شعرت بمعاناة الجياع والمحتاجين ودعوت لهم عند إفطاري؟

• هل قدّمت لقمةً لجائع أو مددت يد العون لمظلوم؟

إن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو طريق إلى تقوى الله، والتفاعل مع قضايا الأمة، والسمو بالنفس عن الذنوب والمعاصي.

القرآن والذكر: فلاحٌ في الدنيا والآخرة

من خسر رمضان هو من لم يتعهّد مصحفه، ولم يكن من الذين وصفهم الله بقوله:

“في بيوتٍ أذِن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، يُسبِّح له فيها بالغدوِّ والآصال، رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يومًا تتقلَّب فيه القلوب والأبصار.” [النور: 36-37]

وقد خسر من لم تكن الملائكة تحفّه، ولم تنزل عليه السكينة، ولم يغشاه الرحمة، ولم يذكره الله في الملأ الأعلى، كما جاء في حديث النبي ﷺ:

“وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.”

رمضان مدرسة الأخلاق والقيم

رمضان ليس فقط شهر الصيام، بل هو مدرسة للأخلاق والقيم. ومن تخرّج من هذه المدرسة حقق أعظم ما يثقل الميزان يوم القيامة، وهو حسن الخلق.

ومن مستلزمات الخلق الحسن أن يكون الإنسان سِلْمًا للناس، يألفهم ويألفونه، يحبهم ويحبونه، وينبذ كل مظاهر العنف، لأن العنف يرفع البركة ويجلب الشقاء. ففي الحديث أن النبي ﷺ خرج ليُخبر الصحابة بليلة القدر، فتخاصم رجلان، فقال ﷺ:

“خرجتُ لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت.”

فيا ليتنا نكون كما كان السلف الصالح، يخافون على أعمالهم أن تُحبط بسوء الخلق، وكان لسان حالهم:

“يُؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون.” [المؤمنون: 60]

تحذير من خيبة رمضان

رمضان شهر المغفرة، كما قال النبي ﷺ:

“من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدّم من ذنبه.”

فيا حسرة من لم يُغفر له، بسبب ظلمه لنفسه وللآخرين، وإصراره على المعاصي! فقد ورد عن أبي هريرة أن النبي ﷺ صعد المنبر فقال: “آمين، آمين، آمين.” فقيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين، آمين، آمين؟ قال:

“إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرّهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين. ومن ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين.”

ختامًا: صلاة العيد وزكاة الفطر

أذكّركم بأداء صلاة العيد التي ستكون في تمام الساعة السابعة صباحًا حسب التوقيت الصيفي، وأذكّركم بضرورة إخراج زكاة الفطر عن كل فرد من أفراد الأسرة، وقدرها 20 شيكلًا.

كل عام وأنتم بخير، وتقبّل الله منكم الطاعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *