القرآن والصيام في شهر رمضان
بقلم الشيخ رشاد أبو الهيجاء
يُعدّ شهر رمضان شهر القرآن، إذ اختصّه الله بنزول كتابه الكريم، كما جاء في قوله تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” (البقرة: 185). وللصيام والقرآن منزلة عظيمة في حياة المؤمن، إذ يشفعان له يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان” (رواه أحمد).
ومن فضل الصيام أنّ أجره عظيم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به” (متفق عليه). أما القرآن، فهو كلام الله الذي يشفع لصاحبه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه” (رواه مسلم).
ارتباط القرآن بالصيام
لقد كان جبريل عليه السلام يراجع مع النبي صلى الله عليه وسلم ما أُنزل من القرآن في كل رمضان، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يراجعه مع كتبة الوحي وحفظة القرآن. وقد حرص الصحابة على الإقبال على تلاوة القرآن وتدبره في هذا الشهر الفضيل. وفي ذلك أجر عظيم، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف” (رواه الترمذي).
لكنّ الغاية من قراءة القرآن ليست مجرد تلاوته وختمه، وإنما تدبره والعمل به، كما قال تعالى: “كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب” (ص: 29). وقد عاب الله على من يقرأون القرآن دون فهم أو تدبر، فقال: “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” (محمد: 24).
وقد كان الصحابة حريصين على فهم معاني القرآن، إذ سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا عن معنى “الكلالة”، حتى قال: “ما راجعت رسول الله في شيء ما راجعته في الكلالة، حتى طعن في صدري وقال: يا عمر، أما تكفيك آية الصيف التي أنزلت في سورة النساء؟” (رواه مسلم).
وكان الصحابة يتنافسون في فهم القرآن أكثر من حفظه، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: “لأن أقرأ (إذا زلزلت) و(القارعة) أتدبرهما أحب إليّ من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرًا”.
خطورة تلاوة القرآن دون فهم
حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من أناس يقرؤون القرآن دون أن يجاوز حناجرهم، فقال: “يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” (متفق عليه).
لذلك، فإنّ تعلّم كتاب الله وفهمه والعمل به هو سبيل النجاة، كما قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: “كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني”. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “يا حذيفة، تعلم كتاب الله واتبع ما فيه”.
فضل تعليم القرآن للأبناء
إنّ تعلّم الأسر للقرآن وتعليمه للأبناء من أسباب السعادة والنجاة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب، يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك وأظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها. فيقولان: يا رب، أنى لنا هذا؟ فيقال: بتعلم ولدكما القرآن” (رواه الطبراني).
كما أن من يحفظ القرآن ويرتله في الدنيا سينال منزلة رفيعة في الآخرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” (رواه الترمذي).
الخاتمة
فلنجعل القرآن أنيسًا لنا في هذا الشهر الفضيل، ولنحرص على تدبره والعمل به، لننال بركته ونكون من أهله الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لله أهلين من الناس”، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: “أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته” (رواه ابن ماجه).