سلوكنا في رمضان بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء

مراسل حيفا نت | 07/03/2025

سلوكنا في رمضان

بقلم: الشيخ رشاد أبو الهيجاء

نحن نعتبر شهر رمضان مدرسة في السلوك والأخلاق، تؤهل الصائم للارتقاء في علاقته مع خالقه، حيث يشعر بالأمان والطمأنينة أكثر، لأنه لجأ إلى الله حبًا وشوقًا لما عنده من خير وسعادة. فالصيام يعوّد الإنسان على الصبر والتحدي، فيضبط سلوكه وفق مراد الله وهدي نبيه، وما تعارف عليه الناس من قيم إنسانية رفيعة، تجعل هذا الإنسان في المنزلة التي أرادها له خالقه، القائل في كتابه الكريم: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، وقوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾.

وفي هذا الشهر العظيم، يجب أن نعزز هذا المفهوم، ونقوي العلاقة بين الخالق والمخلوق بأحسن ما يكون. ولهذا، فرض الله علينا العبادات، وإن كان ظاهرها عبادة لله، فإن من أسرارها أنها تهذّب سلوك من طلب مرضاته. لذا قال الله عن الصلاة: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾، وعن الزكاة والصدقات: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾، وعن الصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

الغاية من الصيام: التقوى وحسن الخلق

يُستدل من هذه الآية الكريمة أن الغاية العظمى للصائم هي الوصول إلى منزلة المتقين. ومن بلغ هذه المنزلة، تترسخ في قلبه وصية رسول الله ﷺ: “اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ”.

وهذا يعني أن لا يكون العبد في موضع ينهى الله عنه، ولا يكون ذلك إلا لمن حسن خلقه، وصفت سريرته، وعظم خالقه في نفسه. ويؤكد النبي ﷺ ذلك بقوله: “تقوى الله حسن الخلق”. بل إنه ﷺ اعتبر حسن الخلق، الذي هو ثمرة التقوى، أعظم شيء ينتفع منه المرء في آخرته، فقال: “إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا”.

ضبط السلوك في رمضان

يظهر حسن الخلق، وهو ثمرة التقوى، في سلوك الإنسان، والتزامه بهدي النبي ﷺ، الذي قال: “إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم”. وفي حديث آخر: “إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم”.

هذا التوجيه النبوي يتناغم مع التوجيه الرباني في التعامل مع الخصومات، حيث قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ۝ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.

وهذه التوجيهات عامة لكل الناس، لكنها أوجب للصائم، لأنه ينظر إلى الجنة، عرضها السماوات والأرض، أُعدّت للمتقين.

حسن الخلق معيار النجاة

رُوي أن الصحابة ذكروا لرسول الله ﷺ امرأة، يكثر ذكر عبادتها من صلاة وصيام وصدقة، لكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: “هي في النار”. وقالوا: إن هناك امرأة أخرى، قلة صيامها وصلاتها وصدقتها، لكنها تتصدق بأقل القليل، ولا تؤذي جيرانها، فقال: “هي في الجنة”.

كل ذلك كان من وعي الصحابة، الذين قالوا: “أهون الصيام الامتناع عن الأكل والشرب”. فالسلوك الحسن يحتاج إلى الصبر وحسن المعاملة مع القريب والبعيد، فلا ينطق الصائم إلا بما يرضي الله، سواء مع أهله أو جيرانه أو أصدقائه، بل حتى مع خصومه، قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾.

والشاهد في هذه الآية أن المتقي يجب أن ينطق بالكلام الذي ينفع ولا يضر، يرفع ولا يذل، يقربه من خالقه ولا يبعده عنه. وهذا هو حال الصائم إيمانًا واحتسابًا.

المفلس يوم القيامة

من لم يزكِّ نفسه بالأخلاق الحسنة، كما يحرص على عبادته، فقد يخسر خسرانًا مبينًا. فقد سأل رسول الله ﷺ أصحابه يومًا: “أتدرون من المفلس؟” فقالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال النبي ﷺ: “إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار”.

الصبر والمسامحة

السلوك الحسن يحتاج إلى صبر وثبات على مبادئ الصابرين. فعلى الصائم أن يتحلى بالصبر على أذى الناس، وأن يعفو عن زلاتهم، لقول النبي ﷺ: “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم”.

كل ذلك طمعًا في مغفرة الله ورضوانه، وفرارًا من معصيته وغضبه، وهو الذي قال في الحديث القدسي: “عجبًا لك يا ابن آدم! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا الغني عنك، وتتبعض إليّ بالمعاصي وأنت الفقير إليّ! خيري إليك نازل، وشرك إليّ صاعد”.

خاتمة

فلنجعل من رمضان مفتاحًا لأبواب الخير، ومغلاقًا لكل شر، ونجتهد في تهذيب نفوسنا وأخلاقنا، عسى أن نكون من الفائزين بمرضاة الله وجنته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *