دور الوالديّة في تحقيق التّوازن بين العالم الرّقمي ( الديجيتالي) والعالم الواقعي بقلم هاله عطا الله زريق

مراسل حيفا نت | 02/03/2025

دور الوالديّة في تحقيق التّوازن بين العالم الرّقمي ( الديجيتالي) والعالم الواقعي

بقلم : هاله عطاالله زريق  –  مرشدة والديّة

في عصرنا الحالي حيث تتداخل الحياة الرّقميّة مع الحياة الواقعيّة بشكل متزايد ومع التطوّر السّريع للذّكاء الاصطناعي والتّكنولوجيا الحديثة، أصبح من الضّروري أن يحرص الآباء على تحقيق التّوازن بين العالم الرّقمي والواقعي في حياة أطفالهم. فدور الوالدين لا يقتصر فقط على مجرّد التوجيه بل يمتد ليشمل إنشاء بيئة صحيّة تساعد الأطفال والشباب على التنقل بين هذه العوالم بشكلٍ مسؤول وواعٍ. فبينما توفّر التكنولوجيا فرصًا هائلة للتّعلم والتطوير، يمكن أن تؤدّي أيضًا إلى العزلة الرّقمية* إذا لم يتم استخدامها بحكمة.

* العزلة الرّقمية لدى الأطفال تعني أن الأطفال يقضون وقتًا طويلًا على الأجهزة الإلكترونيّة مثل الهواتف الذكيّة أو الحواسيب أو الألعاب الإلكترونية، لدرجة أنهم يقلّلون من التّواصل مع الآخرين في الحياة الواقعيّة. قد يشعرون بالوحدة أو العزلة الاجتماعية لأنهم لا يتفاعلون مع أصدقائهم أو عائلاتهم بشكل كافٍ. الاعتماد المفرط على التكنولوجيا يمكن أن يجعلهم يفقدون مهارات التّواصل الاجتماعي أو يبتعدون عن الأنشطة البدنيّة أو الترفيهيّة التي تساعد في تطويرهم بشكل صحي.

لذا، كيف يمكن للوالدين مساعدة أطفالهم على الاستفادة من التكنولوجيا دون أن تطغى على حياتهم الواقعيّة؟

أوّلًا : تعزيز الثقة والتواصل المفتوح: يمكن للأهل أن يوجهوا أطفالهم في مواجهة المخاطر المحتملة مثل المحتوى الضار او غير اللّائقة أو التنمّر الإلكتروني. هذا النوع من المشاركة يساهم في بناء علاقة قوية بين الوالدين وأطفالهم، مما يجعل الأطفال يشعرون بالدّعم والحماية. إن وجود الوالدين كمرشدين في هذا المجال يمنح الأطفال الثقة بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة التحدّيات الرّقمية، ويعزّز من قدرتهم على اتخاذ قرارات آمنة وواعية على الإنترنت.

ثانيًا: تعزيز الوعي بالأمان الرّقمي: في عصر تكثر فيه الاختراقات الرّقمية، من الضروري تثقيف الأطفال حول أهميّة حماية بياناتهم الشخصية، وتجنّب مشاركة المعلومات الحسّاسة مع الغرباء. يمكن للآباء أيضًا استخدام أدوات الرّقابة الأبوية لمساعدتهم على تصفح الإنترنت بأمان ليس من منطلق التجسّس عليهم , بل بمعرفتهم واقناعهم انّ موضوع الرّقابة هو من خوفكم عليهم ومحبتكم لهم.

ثالثًا: تنمية التفكير النّقدي لدى الأطفال. من المهم تعليم الأطفال كيفيّة تقييم المحتوى الذي يتعرّضون له على الإنترنت. يجب تشجيعهم على التساؤل حول صحّة المعلومات، البحث عن مصادر موثوقة، وعدم الانجراف وراء الأخبار المزيّفة أو وراء الأشخاص الذين يدّعون أنّهم مؤثرونخاصّة اذا كان تأثيرهم سلبيّا وكذلك حثهم على التفكير في عواقب  تقليد “التريندات” بالذّات الخطيرة وغير الأخلاقية منها.

رابعًا: توجيه الأطفال نحو الاستخدام الهادف للتكنولوجيا. بدلًا من حظر الذكاء الاصطناعي أو الخوف منه، يجب استغلاله لتعزيز التعلّم والإبداع. يمكن للآباء مساعدة أطفالهم على استخدام تطبيقات الذّكاء الاصطناعي في تعلّم البرمجة، تحسين مهارات التفكير المنطقي، وحتّى تطوير اهتماماتهم العلميّة والفنيّة.

خامسًا: وضع قواعد واضحة لاستخدام التكنولوجيا. التّوازن هو المفتاح، لذا يجب تحديد أوقات معيّنة لاستخدام الأجهزة الإلكترونيّة، وتجنّب الاستخدام المفرط للشاشات. من الجيّد أيضًا تخصيص أماكن مفتوحة في المنزل لاستخدام التكنولوجيا، مما يعزّز الحوار العائلي ويحد من العزلة الرّقمية.

سادسًا : تعزيز التّفاعل الاجتماعي والأنشطة غير الرّقمية: لا ينبغي أن تكون التكنولوجيا بديلًا عن التفاعل الاجتماعي والأنشطة الحركيّة. من المهم تشجيع الأطفال على اللعب في الهواء الطلق، والتفاعل مع الأصدقاء، والمشاركة في أنشطة تنمّي مهاراتهم الاجتماعية بعيدًا عن الشاشات.

سابعًا : مواكبة الوالدين للمستجدّات الرّقميّة : المعرفة تساعدكم في تحديد المخاطر المحتملة , كونوا على علم بجميع التطبيقات والأدوات الرّقمية الحديثة لتتمكّنوا من توجيه وحماية أطفالكم.

إنّ الذكاء الاصطناعي حقيقة لا يمكن تجاهلها، فهو جزء لا يتجزّأ من مستقبل أطفالنا .   من خلال توجيه أطفالنا بحكمة ،تعزيز الثقة والتواصل بينننا وبينهم ومن خلال تعليمهم التفكير النقدي، تعزيز الأمان الرّقمي وتحقيق التوازن بين التكنولوجيا والحياة الواقعيّة، سنساعدهم على استغلال الفرص التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي مع تجنّب مخاطره.

كما قال المهاتما غاندي: “الوالدية هي أعظم مسؤولية، فالأطفال هم مرآة المجتمع، وما نزرعه فيهم اليوم سيحصدونه غدًا.” فالأسرة تظل الحاضنة الأولى التي تزرع القيم , والوالديّة الواعية تبقى حجر الأساس في تنشئة جيل مستعد لمستقبلٍ رقمي مسؤول دون التّنازل عن الرّوابط الإنسانيّة الحقيقيّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *